مازال المخزن في المغرب يتجاهل مطالب الشعب ويدير لها ظهره وكأن هذا الحراك الذي تشهده البلاد لم يكن كافيا ليلفت اهتمامه ويلتقط إشاراته.
لقد سنحت الفرصة للنظام كي يعيد حساباته ويدشن مرحلة جديدة يقطع فيها مع الماضي المقيت ويبدأ في مسار الإصلاح والتغيير، لكنه لم يستثمر هذه الفرصة بما يكفل مصلحته ومصلحة الشعب، ويصر على المضي في مغالطة الرأي العام متحدثا عن الانجازات التي حققها والتي تكذبها التقارير الدولية في رصدها لمؤشرات التنمية والتقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالبلاد.
قد لا يجود الزمن بفرصة ثانية للنظام، خاصة في سياق ما تعيشه منطقتنا من ثورات كرست تحولات عميقة وفتحت عيون الجماهير في المغرب على توجهات جديدة ربما تتجاوز في المستقبل سقف المطالب الحالية. فلا يستطيع أحد أن يضبط إيقاع الشارع ولا أن يتكهن بما ستؤول إليه الأمور في ظل استمرار المخزن في تعنته ورفض التجاوب مع هذا القطاع العريض من الشعب المطالب بالتغيير.
إن الضغط المتنوع الذي تواجهه الجماهير لاشك أنه سيولد لديها انفجارا وسخطا عارما على الأوضاع قد ينسف كل الجهود المبذولة من طرف مكونات حركة 20 فبراير من أجل الحفاظ على سلمية حراكها.
فالدستور الجديد من حيث أراد المخزن أن يكون مخرجا وحلا للأزمة، تحول إلى عامل ضغط زاد من نقمة الشعب على واضعيه لأنه مُرر ضدا على إرادته سواء خلال مرحلة صياغته أوفي لحظة إقراره.
والشروع في عملية الانتخابات التشريعية يشكل ضغطا آخر على الشعب، يفرغ الزيت على النار ويزيد من درجة الاحتقان لدى المواطنين، لأنهم بكل بساطة يشهدون كيف أن النظام يصر على التلاعب بحاضرهم ومستقبلهم ويرتهنهم إلى نخب سياسية بعيدة تماما عن نبضهم وعن آلامهم وآمالهم.
واستمرار آلة المخزن القمعية في محاصرة المناضلين والتضييق على أنشطتهم والتنكيل بهم واعتقالهم وقتلهم يضغط بقوة على الناس، بل ويوسع جبهة المناهضين للاستبداد عددا ونوعا يوما بعد يوم.
فالشعب المغربي لا يرى أمامه إلا ضغطا يولد ضغطا آخر، وقد يقرر يوما أن يخرج من دوامة هذه الضغوط وحينذاك لن تمنعه الحواجز ولا الهراوات ولا الاعتقال ولا القتل عن المضي قدما نحو انتزاع حقه وتحقيق حريته كاملة غير منقوصة.
كثير من المناطق بالمغرب سواء في الجنوب أوفي الريف، تعيش أوضاعا خطيرة جراء ممارسات المخزن وهي المناطق التي نالت قسطا وافرا من التهميش والإقصاء على جميع المستويات، ولا نحب أن تعود هذه الأجزاء العزيزة من وطننا إلى عهد السيبة حين لم يكن المخزن يتفقدها إلا بإرسال جنوده لتأديب أهلها وإخضاعهم بالقوة.
إن ما يطالب به سكان هذه المناطق وعموم الشعب المغربي لا ينحصر في مشاريع التنمية. فبناء المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتربوية، وتوطين التنمية وإنعاش الاقتصاد… ليست منحة يمن بها النظام على الشعب ليسلبه في المقابل حريته وطموحه، فالتنمية حق للمواطن على الدولة طالما أنه يدفع الضرائب ويساهم في مالية الدولة بجهده وثروات أرضه ومياهه.
أوربا لم تحقق التنمية قبل أن تحقق الحرية لشعوبها. فالثورة الصناعية التي عرفتها نهاية القرن الثامن عشر تأسست على مبادئ الثورة الفرنسية لعام 1789، وتكرست نتائجها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بفضل استمرار ربيع الشعوب الأوربية إلى أن استقر بناء الدولة بمفهومها الحديث التي تقوم على القانون وتعزز دور الفرد في تدبير الشأن العام وحقه في الاستفادة من ثروات بلده.
قد لا نحتاج إلى التذكير بعظمة وقوة الشعب المغربي وهو يواجه القوى الاستعمارية خلال النصف الأول من القرن العشرين، ولا بإصراره على بناء دولة الاستقلال، ولا بتضامنه مع ضحايا زلزال أكادير المدمر سنة 1961 وزلزال الحسيمة عام 2004، ولا بصبره خلال سنوات الجفاف، ولا بوقوفه المشرف مناصرا وداعما للشعوب العربية والإسلامية في قضاياها العادلة في فلسطين والعراق وأفغانستان.. فقط نريد أن يثق النظام الحاكم بأن الشعب قد أفاق واستعاد حيويته ونضجه، وأنه لا مجال للاستمرار في التعامي عن هذا الواقع الجديد.