الحماية الاجتماعية للمرأة المغربية أصبحت ضرورة ملحة، بالنظر إلى حجم العنف الممارس عليها مقابل صعوبة ولوجها إلى العادلة، ثم بالنظر إلى واقع الإقصاء والهشاشة الذي تعيشه بشكل يومي. لكن الأكثر من كل هذا هو وجود عقليات مبررة لهذا التهميش والإقصاء وتقزم أدوار النساء في المجتمع، إما انطلاقا من عقلية نمطية تستند إلى مورث العادات والتقاليد، أو انطلاقا من عقلية متزمتة تستند إلى اجتهادات فقهية منحبسة. ومن هنا يتبادر إلى ذهننا سؤال أساسي وهو ما العمل مقابل هذا الواقع؟ هل هناك رؤية مجتمعية قوية لرفع هذا الإقصاء والعنف عن النساء بالمغرب؟ أم أن قضيتها ليست ذات أولوية على أجندات الفاعلين؟ وهذا يحتم علينا من جهة تشخيص واقع المرأة في مواجهة الإقصاء والتهميش والعنف، ومن جهة أخرى تشخيص السياسات العمومية اتجاه النساء وكذلك واقع الطيف النسائي المغربي وأهم تصوراته للقضية.
تعيش المرأة في المغرب على وقع الإقصاء والتهميش، ويتجلى ذلك بوضوح في واقعها بالقرية المغربية التي تعاني من الفقر المدقع من جهة، ومن غياب الولوج للخدمات الأساسية كالتعليم والتكوين المهني والصحة، بالإضافة إلى الأعباء المنزلية من جهة أخرى. يمتد كذلك هذا الواقع إلى الأحياء الهامشية لأغلب المدن، حيث يستمر واقع الفقر والهشاشة في تضيق الخناق على النساء. وبهذا الخصوص أوردت المندوبية السامية للتخطيط خلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في 08 مارس 2016، إحصائيات تفيد أن 41.9% من النساء فوق 10 سنوات يعانين من الأمية منها 60.4% من العالم القروي، و29.5% من هن يعانين من البطالة بينهن 23.5% قرويات. كما أشارت الإحصائيات إلى أن نسبتها تنتشر بنسبة 87.1% بين نساء تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة، وبنسبة 53% بين نساء تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة. واقع يتسم بالتعقيد ويتجاوز الحلول التجزيئية الترقعية ويضرب في كل القراءات السطحية، ليكرس واقع المرأة ويعمل على إعادة إنتاجه.
يبرز هذا الواقع المتسم بالفقر والتهميش والإقصاء حجم العنف المسلط على المرأة، وتعمل العادات والتقاليد على تبريره وتكرسه، مما يفسر انتشاره بين جميع الطبقات الاجتماعية وتعدد أنواعه وصوره. وقد كشف البحث الوطني حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء، الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2009، عن أرقام كبيرة حول العنف المسلط على النساء. وتحدثت هذه الأرقام عن أن 6 ملايين امرأة من أصل 9 ملايين يتعرضن للعنف، أي بنسبة امرأتين من ثلاث نساء. يلجأ 17.4% من النساء اللواتي يتعرضن للعنف بالوسط العمومي إلى التبليغ، بينما لا يلجأ إلا 3% من النساء اللواتي بتعرضن للعنف بالوسط الزوجي إلى التبليغ. لكن ذكرت الوثيقة نفسها أن مآل هذه التبليغات ينتهي بكتابة المحضر وقد تتعداه إلى التنازل والصلح، ولم يتم توقيف سوى 1.3% من المعتدين وأدين 1.8% منهم فقط. كل هذه الأرقام تقول إن النساء في المغرب يتعرض للعنف ولا يلجن العدالة حتى وإن وصلن للمحاكم، وأن القانون لا يدين المعتدين. ومن كل هذا يمكن أن نقول إن وضع المرأة في المغرب يقع تحت ضغط الفقر والإقصاء بالاشتراك مع الرجل من طرف السياسات العمومية للدولة وإن كان بنسبة أكثر.
وتحت ضغط العنف المسلط من الرجل في غياب حمايتها من قبل الدولة، لم تحظ المرأة في المغرب باهتمام السياسات الاجتماعية للدولة بالقدر اللازم على أساس أنها المحور الأساسي في هذه السياسات، ويرجع ذلك إلى رؤية السياسات الاجتماعية التي سيطرت لعقود على السياسات العمومية والمتمثلة في تبعية النمو الاجتماعي للنمو الاقتصادي. لكن مع وصول هذه الرؤية للباب المسدود في تسعينات القرن الماضي تحتم على الدولة مراجعتها، وفي هذا الإطار حظيت قضية المرأة بجزء من هذه المراجعة. حيث خرجت المدونة إلى حيز الوجود كمجددة لمدونة الأحوال الشخصية، وسوقت على أساس أنها جاءت منصفة للنساء ورافعة للعنف والتهميش.
وبعد عقد من الزمن ظهر أن المجال التشريعي لا يزال غير كافٍ لحماية المرأة، فتم اقتراح مشروع القانون 103.13 لمحاربة العنف ضد النساء لتعزيز هذه الحماية، لكن في المحصلة هناك نقص واضح المعالم على المستوى التشريعي. عملت الدولة أيضا على إطلاق الخطة الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء وبرنامجها العملي، وواكبتها بحملات إعلامية واسعة. كما جعلت الدولة من الاقتصاد التضامني، من خلال تشجيع النساء على إنشاء وتسيير التعاونيات، كمقدمة للتمكين الاقتصادي لهن.
كل هذه الإجراءات وغيرها تحكمها ردود الأفعال اتجاه ضغوطات الواقع الاجتماعي للمرأة وانتشار الظواهر المتعلقة بها من جهة، وضغوط المنظمات الدولية المهتمة بالنساء من جهة أخرى. وهذا ما يفسر إقرار المساواة في الدستور والاستعداد لإنشاء هيئة المناصفة، بالإضافة لإجراءات أخرى في هذا السياق. وبالتالي يمكن إجمال هذه السياسات الاجتماعية اتجاه المرأة بأنها مجزئة وتستجيب لضغوطات مرحلية ولا تحترم التطور الطبيعي لهذه السياسات، وتعبر أيضا عن غياب رغبة في مقاربة شاملة للحماية الاجتماعية للنساء.
ينضاف إلى مشهد قضية المرأة بالمغرب عنصر مهم، يتمثل في الطيف النسائي الذي يحمل هم الترافع عن هذه القضية. لكنه يتميز بالانقسام والتشتت في التصور والرؤية وإن كان متفقا على التشخيص، وهذا ينعكس على قوته الترافعية عن قضايا النساء. يمكن أن نقسم هذه التصورات إلى قسمين أساسيين. التصور الأول يرى أن واقع المرأة المتردي والعنيف، يرجع بالأساس إلى التقاليد المحافظة والتشريعات الدينية، والتي تكرس العقلية الذكورية التمييزية اتجاه المرأة. ومن خلال ذلك يرى أن الحل يكمن في تجاوز هذه الثقافة الذكورية وما يؤسس لها والاتجاه نحو المساواة. أما التصور الثاني فيرى أن واقع المرأة المنحط هو الجزء من انحطاط المجتمع، بل الجزء الأكثر ألما ومعاناة من هذا الانحطاط، ويرجع السبب في ذلك إلى المنظومة الاستبدادية التي تحكم المجتمع والتي تحد من كل محاولات تغيير هذا الواقع وتنمية المجتمع ومنه تنمية واقع المرأة، ومنه يرى أن الحل هو أن يزول هذا الاستبداد ومعالجة قضية المرأة شأنها شأن باقي القضايا.
إذن بين رهان تغيير قيم المجتمع ورهان تحرير المجتمع تضيع أولوية الحماية الاجتماعية للمرأة ليستمر مسلسل الإقصاء والعنف. يتصدر شعار الحماية الاجتماعية للمرأة والابتعاد بها عن مربع الإقصاء والتهميش والتعنيف وتمكينها من الإبداع والتنمية ومن حقوقها الأساسية، تصور كل الأطراف الفاعلة في القضية، سواء من جهة الدولة أو من جهة الفاعلين في الطيف النسائي المغربي، لكن في جو من الارتجال والصراع والتنافس وعدم الثقة، وهذا سينتج عنه حتما خسران القضية وفتح المجال لمزيد من الانتهاكات والاستغلال. وهذا يستوجب على كل الفاعلين في الأطياف النسائية بمختلف مشاربهم الفكرية، تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم والجلوس على طاولة الحوار، حوار بناء وجاد يجمع المناضلين الفاعلين والغيورين على القضية بعيدا عن المتاجرين بها، من أجل التأسيس لتصور واضح حول الحماية الاجتماعية للنساء بالمغرب باعتبار أنها هي مدار هذا الحوار، وأن يحترم الحقوق الكونية والخصوصية المحلية. ولن تكون النجاعة حليفة هذا التصور ما لم يكن نابعا من اتفاق بين هذه المكونات حول خطوطه العريضة وتجاوز القضايا الخلافية، وبعد ذلك فقط ترتكز الجهود في المسار الترافعي حول أركان الحماية والمتمثلة في الحماية القانونية من كل أنواع الانتهاك للحقوق وممارسة العنف، والتمكين الاجتماعي والاقتصادي عبر تقوية قدراتها التعليمية وتنمية مهاراتها المهنية لإعطائها الفرص الممكنة من أجل الابتعاد عن مربع الإقصاء والتهميش.