إن من منن الله علينا العظمى نعمة الخَلق، أخرجنا من عدم وصورنا فأحسن صورنا، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وزادنا من عطائه فبعث لنا خير رسله وأكرمهم عنده سبحانه، فقد كان خير البشر خَلقا وخُلقا؛ أثنى عليه ربنا عز وجل فقال: وإنك لعلى خلق عظيم (القلم، 4)، فكان صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي في الأرض، كما قالت أمنا عائشة. ومن خصاله الكريمة ما ذكر الصحابي الجليل ابن سعيد الخدري رضي الله عنه، إذ قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خِدْرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه” (صحيح ابن حبان، 6307).
والحياء خلق عظيم، من أخلاق الأنبياء وورثتهم من عباد الله الصالحين، غير أنه أصبح عملة نادرة وسلعة عز نظيرها في زمن كثرت فيه الأخلاق الفاسدة وأصبحت سلوكا لازما للعباد، قال سبحانه وتعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس (الروم، 41).
تعريف الحياء
الحياء خلق رفيع يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي والذنوب ويحثه على فعل ما يرضي الله عز وجل، والحياء والإيمان قرناء لا يفترقان، قال سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “الحياءُ والإيمانُ قُرناءُ جميعًا، فإذا رُفِعَ أحدُهما رُفِعَ الآخَرُ” (صحيح الترغيب، 2636).
وإن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء؛ “لِكلِّ دينٍ خُلُقٌ، وخُلُقُ الإسلامِ الحياءُ” (رواه أبو هريرة، حلية الأولياء، 6/380)، فهو دليل على الخير، بل هو الخير كله. عن عمران بن حسين رضي الله تعالى عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الحَياءُ لا يَأْتي إلَّا بخَيْرٍ” (صحيح البخاري، 6117).
فإذا كان خلق الحياء بهذه المنزلة، فكيف السبيل إلى اكتسابه والتحلي به؟
أمور معينة على التحلي بخلق الحياء
نذكر فيما يلي بعض الأمور المعينة على التحلي بهذا الخلق الكريم، والله سبحانه الموفق:
– صحبة الصالحين ومجالستهم والأخذ عنهم والتشرب منهم، فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” (حلية الأولياء، 3/194).
– حضور مجالس العلم والإيمان والمواظبة عليها.
– دوام المراقبة والذكر وذكر الموت والآخرة.
– دوام قراءة القرآن الكريم.
– عدم الإسراف في المباحات.
– الزهد والتقلل.
– مدارسة سيرة الصحابة الأجلاء والصالحين.
ويشمل هذه الوسائل والسبل حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ إنَّا لنَستحيي والحمد لله، قالَ: ليسَ ذاكَ، ولَكِنَّ الاستحياءَ منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ أن تحفَظ الرَّأسَ، وما وَعى، وتحفَظَ البَطنَ، وما حوَى، ولتَذكرِ الموتَ والبِلى، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا، فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا يعني: منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ” (الترمذي، 2458).
تجليات خلق الحياء على الفرد والمجتمع
ونظرا لدور هذا الخلق العظيم ومكانته في الإسلام، وفي سير الفرد وتقدم الأمم، فإن نتائجه – لا شك – فيها خير عميم وفوائد جلى تعم الفرد والمجتمع، نذكر منها:
– الحياء مفتاح كل خير.
– الحياء مجلبة للإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الإِيمانُ بِضعٌ وسَبعونَ شُعبةً، فأَفْضَلُها قَولُ: لا إِلهَ إلا اللهُ، وأدْناها إِماطَةُ الأَذَى عنِ الطَّرِيقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإِيمانِ“ (صحيح الجامع، 2800).
– الحياء نور للقلب وحياة للروح: قال سيدنا عمر بن الخطاب: “من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه” (رواه الطبراني في المعجم الأوسط، 2/370).
– الحياء يُفضي للجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ؛ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ؛ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ» (سنن الترمذي، 2900).
يقول الشاعر:
حياؤك فاحفظه عليك فإنما ** يدل على فضل الكريم حياؤه