يقول الله عز وجل في كتابة العزيز الحكيم في سورة الحج الآية 77 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
معنى الخير
كل ما ينفع الناس عاجلا أم آجلا، وهو من أعظم القربات إلى الله عز وجل، وكذلك جزء عظيم من العبادة سواء قلت أو كثرت. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: “لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ” (صحيح مسلم، 2626). وهو باب من الأبواب المهمة في الدعوة إلى الله.
أهمية الخير
يقول عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (الزلزلة، 7).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ” (سنن ابن ماجة، 237).
إن الذين يسارعون في قضاء حوائج الناس، والتخفيف عنهم، وتقديم يد العون لهم، ومساعدتهم، لتتنمى أواصر المحبة والأخوة، حباهم الله واطفاهم واختصهم.
والخير – كما أشرنا سابقا – يشمل جميع أبواب المعروف؛ نصيحة وتعليما وتوجيها وتفقدا وخدمة ومساعدة..
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ..” (صحيح مسلم، 2699).
هكذا كان السلف الصالح يتنافس ويتسابق لا لأعلى الطاعات فقط بل حتى في فعل الخيرات. جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام وسألهم عن عدد من أعمال الخير ليرى من منهم عمل منها شيئا في يومهم ذاك فكان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه جامعا لها، قال: “مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنْكُمُ اليومَ مِسْكِينًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ، إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ” (صحيح مسلم، 1028).
فوائده
فعل الخير من خصائص المجتمع الإيمانية، وله فوائد وآثار جمة، خصوصا ونحن نعيش أوضاعا صعبة على فئة كبيرة من الناس تدعو لتكاثف الجهود، نورد بعض هذه الفوائد على سبيل المثال لا الحصر:
– دليل على حسن الإيمان وصدق النية واليقين.
– دليل على محبة الله تعالى للمؤمن، لأنه اختاره لهذا الفعل واصطفاه.
– صاحبه مستجاب الدعاء؛ يقول عز من قائل: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا” (الأنبياء، 90).
– تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.
– محبة الناس والثناء والدعاء، ولو بعد الموت.
– تفريج الكروب وستر العيوب ومساعدة المحتاجين.
– التسامح والتضامن والتآخي والمحبة بين أفراد المجتمع.
عن هِشامِ بنِ عُرْوةَ، عن ابنِ المُنكَدِرِ، عن أُمِّ ذَرَّةَ، قالتْ: “بعَثَ ابنُ الزُّبَيرِ إلى عائشةَ بمالٍ في غِرارَتَينِ، يَكونُ مِئةَ ألْفٍ، فدعَتْ بطَبقٍ، فجعَلَتْ تَقسِمُ في النَّاسِ. فلمَّا أمسَتْ، قالت: هاتي يا جاريةُ فُطوري. فقالتْ أُمُّ ذَرَّةَ: يا أُمَّ المؤمنينَ، أمَا استطَعتِ أنْ تَشتري لنا لَحمًا بدِرهَمٍ؟ قالتْ: لا تُعنِّفيني، لو [أذكَرْتِني]، لفَعَلتُ” (تخريج سير أعلام النبلاء، ج2، رقم الحديث 187).
وهذه قصة أم محجن خادمة؛ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين علم بموتها ودفنها دون إعلامه، وكانت امرأة مولعة بلقطِ القَذى منَ المسجدِ، فقال: “أفلا آذنتُموني! فقالوا: كنتَ نائمًا فَكرِهنا أن نَهيجَكَ. قالَ: فلا تفعلوا فإنَّ صلاتي على موتاكم نورٌ لَهم في قبورِهم. قالَ: فصفَّ أصحابَه فصلَّى علَيها” (ذكره الذهبي في “المهذب”، 3/1391) .
فعل الخير دعوة إلى الله
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه في كتاب “المنهاج النبوي” ص 451: (الشهادة الحضور المسؤول، فجند الله لا نصيب لهم من كمال السنة الغراء إن لم يغشوا المجتمع كما غشيه رسول الله صل الله عليه وسلم وإن لم يفرضوا وجودهم ويتغلغلوا في الأمة بالصبر والمثابرة والحركة النشيطة والإلحاح كما فعل).
لا تنحصر الدعوة إلى الله في إلقاء كلمة أو حضور ندوة أو تأليف كتاب.. بل هي أوسع من ذلك؛ هي ابتكار وإبداع وتفنن في إيصال الخير إلى الخلق بتنويع الأساليب والطرق، فالذي يعمل ويسعى ويعتني.. هو داعية إلى الله بحاله.
يقول الأستاذ منير الركراكي في كتيبه “رسالة في الدعوة” ص 10: (واعلموا أن المعول عليه في الدعوة ليس أشكالها وقوالبها مهما كانت محكمة جذابة، المعول عليه هو المحبة والرحمة الجامعة بين العبد وربه. حب الله يملأ القلب شفقة وعطفا ورحمة لخلق الله).
كل فرد في المجتمع يتحمل جزءا من المسؤولية في إصلاح محيطه، والمساهمة في رقيه، والمحافظة على أخلاقه بكلمة أو تودد أو تفقد أو مساعدة أو نصيحة… فنحن أمة نالت الأفضلية بشرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفعل الخيرات، يقول تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (آل عمران، 110).
عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “افعلوا الخيرَ دهرَكم، وتعرضوا لنفحاتِ رحمةِ اللهِ، فإن للهِ نفحاتٍ من رحمتِه يصيبُ بها من يشاءُ من عبادِه، وسلوا اللهَ أن يسترَ عوراتِكم وأن يُؤمِّنَ روعاتِكم” (ذكره الهيثمي في “مجمع الزوائد، 10/234).