الدين النصيحة

Cover Image for الدين النصيحة
نشر بتاريخ

للنصيحة شأن عظيم في الإسلام، فقد ارتبط ذكرها في القرآن الكريم برسالة الأنبياء؛ فكانت لب رسالتهم ومحور دعوتهم، ومن ذلك ما جاء على لسان سيدنا نوح عليه السلام مخاطبا قومه: وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ (الآية) [الأعراف: 62]، وكذلك خاطب سيدنا هود عليه السلام قومه حيث قال: وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف: 68].

كما عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمر النصح فجعله عمادَ الدين وقوامَه، فعن تميم الداري قال: “قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم” 1؛ في هذا الحديث العظيم، الذي “عليه مدار الإسلام” 2، جاءت كلمتا “الدين” و”النصيحة” معرفتين بـ “ال”؛ مما يفيد بلاغيا الحصر، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم حصر الدين في النصيحة.

ويعضد هذا ما جاء في رواية عند النسائي: “إنما الدين النصيحة” (الحديث) 3، وكذلك ما جاء في رواية أبي داود إذ كرر الرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: “إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة” 4 (الحديث)، فيكون ذلك زيادة في تأكيد عظم الأمر وأهميته.

فما معنى النصيحة؟ ولمن تجب؟ وما شروطها؟

1. مفهوم النصيحة

– النصيحة لغة

النصيحة مأخوذة من فعل “نصح أي: خلص، والناصح أي: الخالص من العسل وغيره، والنصح: نقيض الغش، ورجل ناصِحُ الجيب: نقي الصَّدْر لا غش فِيهِ، ويقال: نصحت له نصيحتي نصوحا أي أخلصت وصدقت، ونصح الغيث البلاد نصحا إذا اتصل نبتها فلم يكن فيه فضاء ولا خلل” 5، “ونصح الثوب ينصحه نصحا؛ خاطه. ورجل ناصح وناصحي ونصاح؛ خائط. والنصاح: الخيط… والمنصحة، المخيطة. والمنصح، المخيط” 6.

وبهذا فمعنى النصيحة يجمع بين الإخلاص والصدق والصفاء، والنماء والإصلاح أو أداته.

– النصيحة اصطلاحا

قال الإمام الخطابي في تعريفه للنصيحة: “هي كلمة جامعة معناها حيازة الخير للمنصوح له، فالنصيحة هي إرادة الخير بإخلاص للمنصوح له، ويقال: هو من وجيز الأسماء، ومختصر الكلام، وليس في كَلام الْعرب كلمَة مُفْرَدَة يُسْتَوْفَى بها الْعبارَة عن مَعنَى هَذِهِ الْكلمَة” 7. وبهذا يتبين أن النصيحة هي إرادة أو فعل ما فيه صلاح المنصوح، بجلب منفعة أو دفع ضرر عنه؛ فكأنّ الناصحَ يُصلح ما فسد من أمر المنصوح “ويَلُمُّ شَعْثه بالنصح كما تلم المنصحة، ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين، والتوبة تخيطه” 8، وقد جاء في ربيع الأبرار ما يشهد لهذا المعنى “ما منع قول الناصح أن يروقك، وهو الذي ينصح خروقك” 9.

وقد ترد النصيحة في القرآن أو في السنة بمعناها دون لفظها، أي يُذكر المضمون دون التصريح باللفظ، أو باستخدام ألفاظ أخرى تفيد معناها؛ كالبلاغ والوصية والموعظة والإنذار.

2. مجالات النصيحة

أشار الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث أعلاه، وهو من جوامع كلمه، إلى أن الدِّين كله داخل في مفهوم النّصيحة أي أنها تستغرق كل الدين بما هو إسلام وإيمان وإحسان، وبيَّن للصحابة ولأمته أنها تجب لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فكيف تكون النّصيحة لهؤلاء؟

– النصيحة للهِ تعالى

عُرِّفت النصيحة بأنها “إرادة الخير بإخلاص للمنصوح له”، إلا أن حقيقة النصحُ للهِ تعالى ترجع إلى العبد نفسه؛ فالله تعالى غني عن عباده وعن طاعاتهم؛ مصداقا لقوله تعالى: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ [الإسراء: 7]؛ فمعنى النصيحة لله تعالى منصرف إلى الإيمان به “وتوحيده ووصفه بصفات الكمال والجلال، وتنزيهه عما يضادها ويخالفها، وتجنب معاصيه والقيام بطاعته ومحابه بوصف الإخلاص والحب فيه والبغض فيه وجهاد من كفر به تعالى وما ضاهى ذلك، والدعاء إلى ذلك والحث عليه” 10.

والنصيحة لله هي إخلاص العبادة بفعل كل ما يقرب إلى الله تعالى، وترك كل ما يغضبه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، حبا وخضوعا له سبحانه وتعالى، وقد جاء في الأثر أن الحواريين قالوا لعيسى -عليه السلام-: “يا روح الله من الناصح لله؟ قال: الذي يقدم حق الله على حق الناس” 11. ولن تتحقق النصيحة لله إلا “بقيام الجماعة والفرد على حدوده، حراسة يقظة متوثبة” 12، فالمسؤولية ملقاة على الفرد والجماعة، والخطاب القرآني خاطب الإنسان ببعديه الفردي والجماعي.

– النصيحة لرسوله

شرح الإمام القرطبي النصيحة لرسوله: بـ”التصديق بنبوته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وتوقيره، ومحبته ومحبة آل بيته، وتعظيمه وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها، والتفقه فيها والذب عنها ونشرها والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم” 13؛ فالنصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم تشمل حياته ومماته، فإذا كان الصحابة قد نصحوا للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته بالنصر، ومعاداة من عاداه وطاعته فيما يأمر وينهى، وبذل النفس والمال دونه، فإن نصيحة المسلمين له بعد وفاته تكون بالتزام توقيره وشدة محبته ومحبة آل بيته وأصحابه والشفقة على أمته؛ وبرهان المحبة الاقتداءُ به و”الحرص الشديد على اتباعه في الكليات والجزئيات، كليات إقامة الحكم الإسلامي وإحياء الأمة بالإيمان، وجزئيات الفقه والعبادة” 14، وهذا يقتضي المثابرة على تعلم سنته في شموليتها لمناحي حياة الفرد والأمة، والتعرف على أخلاقه وسيره وآدابه وبثها في الأمة.

– النصيحة لكتابه

وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فبالإيمان به، “وتعظيمه وتنزيهه، وتلاوته حق تلاوته، والوقوف مع أوامره ونواهيه، وتفهم علومه وأمثاله، وتدبر آياته، والدعاء إليه، وذب تحريف الغالين، وطعن الملحدين عنه” 15، والدفاع عنه ضد كل من يحاول المس بقدسيته إما باعتباره نصا تاريخيا يخضع للمناهج المادية، أو بالتجرؤ على تفسيره بالرأي دون حيازة أدوات التفسير وشروط المفسر، أو بعزله عن الحياة العامة والاكتفاء بالتبرك به وحصره في الجنائز.

والنصح لكتاب الله يستلزم جعله حكما وإماما في كل مناحي الحياة بجزئياتها وكلياتها، في أخص أمور الفرد وفي أعم شؤون الأمة، والاستسلام التام لأمره ونهيه، لذلك وجب تحديد “حمى القرآن وحرمته، والتورع الواجب في الاستشهاد به والاستنباط منه” 16، حتى لا يصبح أداة لتبرير المواقف وخدمة الأهواء.

ويقتضي كذلك الاعتناء بأمر قارئ القرآن، لأن حملة القرآن أهل الله وخاصته، فقد اعتبر الإمام النووي (ت 676هـ)، أن من النصيحة لله تعالى ولكتابه “إكرام قارئه وطالبه، وإرشاده إلى مصلحته، والرفق به، ومساعدته على طلبه بما أمكن، وتأليف قلب الطالب، وأن يكون سمحا بتعليمه في رفق، متلطفا به، ومحرضا له على التعلم” 17.

– النصيحة لأئمة المسلمين

لا تستثني النصيحة أحدا، بل هي شاملة للحاكم والمحكوم، والحديث ذكر أئمة المسلمين وهم من يتولون مسؤولية رعيتهم بجلب مصالح الدارين  لها (أي الرعية) ودرء مفاسدهما عنها، “ومن أعظم نصيحتهم: دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن” 18، وطاعتهم فيما لا  يخالف شرع الله وإعانتهم على الأمانة التي حملوها، ويزخر تاريخنا بسِير علماء ربانيين صدعوا بالحق وقاموا ضد الفساد وأنكروا الظلم  واحتملوا الأذى من أصحاب السلطة  برباطة الجأش وصلابة في الدين، وذلك إيمانا منهم بمسؤوليتهم عن واجب النصح  لأئمة المسلمين  وبأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خيرية الأمة وتمكينها،  وتبرئة لذمتهم أمام الله تعالى يوم يلقونه.

كما اعتبر الحافظ ابن حجر أن “من جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد وهم العلماء العاملون، وتقع النصيحة لهم ببيان علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بـهم” 19، والعالم الحق من كانت صفته خشية الله لقوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (الآية) [فاطر: 28]، وهذه الخشية تحمله على العمل بما علم والتورع عن محاباة أهل الباطل إما خوفا أو حرصا على دنيا يصيبها.

– النصيحة لعامة المسلمين

كان مما يشترطه صلى الله عليه وسلم على من بايعه من أصحابه النصح لكل مسلم، فعن جرير بن عبد الله قال: «بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم” 20. ويعدِّد الإمام النووي تجليات هذا النصح بقوله: “إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكفّ الأذى عنهم، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وترك غشهم وحسدهم، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، والذب عن أموالهم وأعراضهم بالقول والفعل…” 21. ويضيف الإمام عبد السلام ياسين: “وتحريضهم على الإيمان وإيقاظ الذهنية الرعوية لتصبح همة قادرة على قلع جذور الظلم وبناء مجتمع الأخوة والعدل” 22. ونصيحة المسلم من علامات الإيمان وأساس مجتمع متلاحم ومتماسك يشد بعضه بعضا.

والنصح هدي الأنبياء والمرسلين ومن اهتدى بهديهم، فقد حرصوا على نصح أقوامهم تأدية لأمانة البلاغ وشفقة عليهم من أن يصيبهم عذاب من الله، وبالنصح تعلو مراتب الناصحين عن غيرهم متى كان خالصا لله، فعن بكر بن عبد الله المزني قال: فما فاق أبو بكر – رضي الله عنه – أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم – بصوم ولا بصلاة، ولكن بشيء كان في قلبه”. قال: “الذي في قلبه الحب لله عز وجل، والنصيحة في خلقه” 23.

3. شروط النصيحة

إن نصيحة الآخر، أئمة المسلمين أو عامتهم، جاءت في الحديث بعد النصيحة لله ولرسوله وكتابه، والتي نجملها في طاعة الله ورسوله والعمل بما جاء في القرآن والسنة، يدل على أن النصح الذي يهدف إلى التغيير الإيجابي والإصلاح يبدأ أولا بتزكية النفس وإصلاحها والوقوف عند الأمر والنهي لكي يكون الناصح قدوة للمنصوح وتكون له قدرة التأثير والإقناع، ولا يكون كمن وبخهم الله عز وجل بقوله: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44].

ولكي تؤتي النصيحة ثمارها، لا بد لها من أمور، نجملها في ثلاث نقاط: 1- الإخلاص، 2- العلم، 3- الرفق.

– الإخلاص لله تعالى

تكمن أهمية الإخلاص في أمرين عظمين؛ أولهما أنه شرط في قبول الأعمال عند الله عز وجل، وثانيهما أن بالإخلاص يصبر الناصح على ما يواجهه من غلظة المنصوح وجفائه وأذاه، فلا ينتصر للنفس ونوازعها، ويحرص على حفظ مشاعر المنصوح، فلا يبتغي فضحه أو التعالي عليه، بل يكون “مراد الناصح بها وجه الله ورضاه، والإحسان إلى خلقه” 24، فيحتسب الأجر عند الله اقتداء بالأنبياء الذين قالوا وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ 25، كما أن بصدقه وصفاء قلبه قد تُفتح القلوب وتستقبل النصح إن كانت مهيأة لقبوله.

– العلم

شملت النصيحة في الحديث حق الله وحق المسلم حاكما أو محكوما، والقيام بالحقوق يقتضي معرفة حدودها حتى لا تنتهك، فالقيام بحق الله الذي جاء في كتابه وعلى لسان رسوله هو القيام بأمره ونهيه، وهذا يتطلب إلى جانب الإخلاص علما حتى يكون موافقا للشرع،  يقول عبد الرحمن الأخضري: “ولا يحل له (أي المكلف) أن يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه، ويسأل العلماء، ويقتدي بالمتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم، الذين يدلون على طاعة الله، ويحذرون من الشيطان” 26، وهذه القاعدة يذكرونها في كتب الفقه في إطار الحلال والحرام، ولكنها صالحة لتطبيقها في الفقه بمعناه الشامل الذي يدل على “علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب” 27، أي فقه جمع بين فقه ترقيق القلوب وفقه الأحكام الفرعية بما فيها فقه الحكم وتنظيم المجتمع.

ومن النصيحة دعوة المسلم إلى فعل أمر أوترك أمر ، فلا بد أن تكون هذه الدعوة مبنية على علم وأن يكون الناصح على بصيرة مما يدعو إليه، قال الله تعالى: قُلْ هذه سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ على بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108]، لأنه متى حصل العلم فإن النصح يقع على أكمل وجه وأحسنه، فلا تكفي نية الناصح وصدقه بل لا بد أن يضاف إلى ذلك سداد القول والفعل، ولا يُقصد بالعلم هنا أن يكون قد حصَل علما غزيرا ولكنه علم مرتبط بمضمون النصيحة الموجهة للمنصوح سواء أمرا بمعروف أو نهي  عن منكر أو خدمة  يقدمها،  وعلم بحال المنصوح فيختار ما يناسبه من بيان وأسلوب يحققان المقصد.

– الرفق

يعد الرفق واللين من مبادئ النصح والدعوة إلى الحق، و”النصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له، والشفقة عليه، والغيرة له؛ وعليه فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورأفة” 28. والسيرة النبوية زاخرة بأمثلة من رفقه صلى الله عليه وسلم وتدرجه في تعليم الناس وتزكيتهم، ولولا هذا الخلق لانفضوا من حوله؛ يقول سبحانه وتعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (الآية) [آل عمران: 159] ، وهذه الرحمة بدت جلية في خطاب الرسل لأقوامهم رغم تعنتهم واستكبارهم، ويعلمنا الله، من خلال خطابه لسيدنا موسى وسيدنا هارون، كيف نرشد وننصح لعل المنصوح يستجيب لتلك النصيحة التي تحمل في طياتها معاني الرفق وحب الخير الخالص من كل شائبة، يقول سبحانه وتعالى: اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ [طه :43-44].

وختاما، فإن حديث “الدين النصيحة” عليه مدار الدين، ويدل على أن النصيحة شاملة لخصال الإسلام والإيمان والإحسان التي سأل عنها جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليما للصحابة ومن جاء بعدهم، حيث  أخبر الرسول صحابته أن هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم 29. وكما أنها تلم شعت الفرد وتصلح حاله فهي كذلك تلم شعت الأمة، فهي قد جمعت بين صلاح الفرد في نفسه بإقامة شرع الله والوقوف عند الأمر والنهي، وفيها إصلاح الغير بجلب منفعة أو درء مفسدة عاجلة أو آجلة. وإن ضاعت النصيحة بالتفريط فيها أو بخلل في شروطها وآدابها أو بعدم سماعها استكبارا واتباعا للهوى فإن ذلك إيذان بفساد المجتمع بطغيان الأنانية والأثرة وانتشار الفواحش واستفحال الظلم بجميع أشكاله.


[1] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، (حديث رقم: 55).
[2] المنهاج، شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط.2/1392، 2/37.
[3] السنن الكبرى، النسائي، -كتاب البيعة، باب النصيحة للإمام، (حديث رقم: 7773).
[4] سنن أبو داود، باب في النصيحة، (حديث رقم 4944).
[5] انظر: لسان العرب، ابن منظور، الحواشي: لليازجي وجماعة من اللغويين، الناشر: دار صادر – بيروت، ط.3/ 1414ه، 2/615-617.
[6] المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده، المحقق: عبد الحميد هنداوي، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، ط.1، 1420ه-2000م، 3/ 157.
[7] البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، المؤلف: محمد الإثيوبي، الناشر: دار ابن الجوزي – الرياض، ط.1/ 1426ه-2/298.
[8] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، ط.7/ 1323ه، 1/ 151.
[9] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، الزمخشري، الناشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط: 1/1412ه، 5/268 (الخروق جمع خَرق وهو شق أو فرجة تكون في الثوب أو الحائط).
[10] جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، ابن رجب الحنبلي، المحقق: الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة، ط. 2/ 1424ه_ 2004م، ص: 233.
[11] أخرجه بمعناه الإمام أحمد في “الزهد” (من مواعظ عيسى -عليه السلام-) 1-55 وابن المبارك في “الزهد” (باب: في خوف الله واجتناب معاصيه)، 1-34.
[12] المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، عبد السلام ياسين، ص: 111.
[13] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، ط   2(1384ه-1964م)، 8/227.
[14] المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، عبد السلام ياسين، ص: 111.
[15] جامع العلوم والحكم، 1/233.
[16] نظرات في الفقه والتاريخ، هبد السلام ياسين، ص: 21.
[17] التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، حققه وعلق عليه: محمد الحجار، ط.3، 1414ه هـ -1994 م، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع -بيروت – لبنان، ص: 39.
[18] فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، 1/138.
[19] نفسه، 1/138.
[20] متفق عليه، أخرجه البخاري في الإيمان، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: الدين النصيحة، رقم 57، ومسلم في الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، رقم 56.
[21] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط: 2/1392ه، 2/39.
[22] المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، عبد السلام ياسين، ص: 111.
[23] جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، ابن رجب الحنبلي، المحقق: الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة، ط:2 (1424ه-2004م) 1/ 235.
[24] الروح، ابن القيم، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، ص: 257.
[25] جاء في سورة الشعراء قوله تعالى: ﴿وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) على لسان سيدنا نوح [الشعراء: 109] وسيدنا هود [الشعراء: 127]، وسيدنا صالح [الشعراء: 164]، وسيدنا شعيب [الشعراء: 180].
[26] متن الأخضري في العبادات على مذهب الإمام مالك، عبد الرحمن الأخضر، الناشر: مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، ميدان الأزهر، ص: 3.
[27] إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، الناشر: دار المعرفة – بيروت، 1/32.
[28] الروح، ص: 257.
[29] حديث جبريل الشهير: رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، رقم الحديث: 50، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، رقم الحديث: 8.