نخلد هذا اليوم الذكرى الخامسة عشرة “للحملة الأولى” لتشميع بيوت أعضاء جماعة العدل والإحسان من طرف السلطات المغربية، وعلى رأسها منزل الأستاذ محمد عبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الكائن ب 46 شارع سيدي محمد بن عبد الله بوجدة، الذي اقتحمته قوات الأمن وحاصرته من كل الجهات بتاريخ 25 ماي 2006 في وقت متأخر من الليل وأخرجت جميع من كان بداخله بالعنف والإكراه واعتقلتهم، وقامت بتفتيشه والعبث بمحتوياته ليتم تشميعه وحرمان أسرة بأكملها من حقها في السكن والتصرف في ملكها وضربت على بابه حراسة مشددة إلى يومنا هذا (عناصر أمن بمداومة 24 ساعة وكاميرات مثبتة من جميع زوايا المنزل المشمع)، ثم تلتها عدة بيوت أخرى بالشرق خاصة منزل الأستاذ لحسن عطواني بمدينة بوعرفة والذي ما يزال مشمعا بدوره لحد الآن دون أي سند قانوني أو قضائي أو حتى إداري شأنه شأن جميع البيوت المشمعة.
وحيث إنه لا يختلف أحد في أن ما وقع شكل مسا خطيرا بالحقوق المدنية والسياسية، وخرقا فاضحا لكل الشرائع والأعراف والمواثيق الدولية والقوانين الوطنية، خاصة الفصل 24 من الدستور الذي ينص على أنه: “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة، لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون”.
كما أنه سبق للقضاء بجميع درجاته أن أصدر أحكاما وقرارات نهائية تعتبر قرارات التشميع غير مشروعة والجهة التي أصدرتها غير مختصة بل إنه حكمت ببراءة أصحابها من المتابعات التي سطرتها النيابة العامة في حقهم والمتعلقة ب “كسر الأختام الموضوعة بأمر من السلطات العامة”، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قرار محكمة النقض عدد 2165/5 المؤرخ في 03/12/2008 ملف جنحي عدد 10801/6/5/2007، بين الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور والسيد جمال البوطيبي، الذي جاء في احد حيثياته: “حيث إنه بمراجعة ظهير 1958 المتعلق بالتجمعات العمومية يتضح أنه لا يتضمن كتدبير وقائي إغلاق المقرات أو المحلات التي يعقد فيها التجمعات العمومية بدون تصريح، وعليه يبقى أمر إغلاق منزل المتهم عملا غير مشروع وبغض النظر عن قيام المتهم بكسر الختم الموضوع على منزله أو عدم قيامه بذلك فإن الدخول إلى المنزل بعد كسر الختم من طرف المتهم يبقى مبررا ما دام أن وضع الختم بداية كان من جهة غير مخولة قانونا للقيام بهذا التدبير وقبل صدور العقوبة الأصلية.
وحيث إنه واستنادا إلى ما ذكر تكون جنحة كسر أختام موضوعة بأمر السلطة العامة غير ثابتة في حق المتهم وإن الحكم المستأنف عندما قضى بإدانته من أجلها كان مجانبا للصواب ويتعين إلغاؤه في هذا الجانب”.
وهذا ما شكل فيما بعد إحراجا وفضيحة قانونية وقضائية وحقوقية لمهندسي قرارات التشميع، مما دفعهم لتغيير مبررات تشميعهم لبيوت عشرات المواطنين في إطار “الحملة الثانية للتشميع”، التي شنتها مطلع سنة 2019 على عشرات البيوت عبر ربوع الوطن تحت غطاء جديد وغريب، تمثل في إصدار قرارات إدارية تقضي باغلاق وهدم هذه المنازل تحت ذريعة واهية تتمثل في زعمها أن هذه البيوت تخالف مقتضيات كل من ظهير 02 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها، والقانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير رغم أن الحقيقة هي عكس ذلك تماما كما سبق توضيحه بالحجة و الدليل للرأي العام من طرف هيئة الدفاع.
وهكذا وجدت السلطات نفسها أمام صنفين من قرارات التشميع متضاربين وغير منسجمين وهما:
*الصنف الأول: قرارات تشميع لا وجود مادي لها، بتعليمات صادرة عن “جهة عليا” لم تعلن عن نفسها -كما قيل مرارا من مسؤولين لأصحاب هذه البيوت- اعتبرها القضاء أحيانا قرارات منافية للمشروعية وبرأت ساحة أصحابها من تهمة كسر الأختام التي وجهت لهم، بينما سكت عن بعضها بل وأعرض عن فحص مدى شرعيتها، وبذلك استطاع أصحاب البيوت في الحالة الأولى استرجاع بيوتهم بكل من الناظور وزايو والعروي رغم تلكؤ السلطات في تنفيذ الأحكام القضائية وامتناعها لحوالي خمس سنوات، بينما بقي الحال كما هو عليه بالنسبة لمنزل الأستاذ عبادي بوجدة ومنزل الأستاذ عطواني ببوعرفة، وهو ما شكل تناقضا صارخا وتخبطا واضحا تجاوز 15 سنة لحد الآن.
* الصنف الثاني: قرارات إدارية مكتوبة صادرة عن عامل الإقليم بالإغلاق والهدم بدعوى مخالفة ظهير 02 أكتوبر 1984، والقانون رقم 12.90، وبغض النظر عن عيوب هذه القرارات نجد تناقضا بين مختلف المحاكم الإدارية على المرحلة الابتدائية، بين محاكم اعتبرتها قرارات إدارية بالمعنى القانوني للقرار الإداري، وأخرى اعتبرتها قرارات غير إدارية لا يمكن الطعن فيها أمامها، ناهيك عن الإدانة الصادرة عن المحاكم الزجرية بالحبس وغرامات خيالية في نفس النازلة، وهو ما شكل عقابا مزدوجا يخالف صراحة حقوق المتقاضين ومساواتهم أمام القضاء وضمانات المحاكمة العادلة.
وعليه يبدو أن “الجهات العليا” التي أعطت تعليماتها سابقا بإغلاق البيوت بدون سلوك أو الاستناد إلى أية مسطرة قانونية أو قضائية، هي نفسها التي أصدرت الصنف الثاني من قرارات التشميع بعدما غلفتها بقرارات إدارية بلبوس قانوني غير صحيح لتدارك خروقات قرارت التشميع السابقة، لكن ما يفضح حقيقة هذه القرارات المتعسفة والمخالفة للقانون هو استمرار الوضع على ما هو عليه بالنسبة لمنزلي الأستاذ عبادي والأستاذ عطواني لحد الآن رغم مرور 15 سنة على هذا الإجراء الظالم، دون أي غطاء قانوني أو قضائي يمكن أن تتوارى خلفه هذه “الجهات العليا”، كما تتوارى الآن خلف قرارات إدارية وأحكام قضائية ثبت للعام والخاص عوارها وتناقضها فيما بينها.
ختاما وبعد مرور 15 سنة على هذا التعسف والشطط والانتهاك الذي لم تعرف له البشرية مثيلا، يبدو أن أسباب لجوء السلطات إلى عقاب التشميع لم تعد مجدية وفعالة، لأنها ببساطة كانت تهدف إلى محاصرة حركة مجتمعية تغييرية سلمية تشتغل في إطار المشروعية القانونية وتحترم القوانين الجاري بها العمل، كما سبق للسلطات أن حاصرتها ومنعتها من التواصل والإشعاع في أغلب الفضاءات العمومية من دور شباب ومراكز ثقافية وقاعات عامة وخاصة ومساجد وأنشطة جمعيات ومخيمات، لكن يبدو أن كل ذلك أصبح غير ذي جدوى وفائدة تذكر، بعدما أصبحت الجدران الإسمنتية محدودة جدا في التواصل والتأطير والإشعاع مقارنة بفضاءات ومنصات ومنابر إلكترونية لا تعرف حدودا، ولعل هذا ما يفسر المحاولة الفاشلة لإصدار مشروع القانون 20.22 الذي رفضه المجتمع المغربي بشدة، والمتعلق بتكميم أفواه الناس ومصادرة حريتهم في التعبير حتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت كان ينتظر الجميع من الدولة أن تخرج بسياسات وقرارات ناجعة لمواجهة البطالة والفقر وهجرة الشباب المتزايدة، خاصة بعد وباء كورونا وما خلفه من آثار سلبية مست لقمة عيش فئات عريضة من المغاربة، وعرت واقع الاقتصاد والتعليم والصحة وغيره من القطاعات.