الرجولة صفة من صفات من أحبهم الله، ذكورا وإناثا، وجعل مفاتيح التغيير بأيديهم تكرمة ورفعة…
فلا غرابة أن تجد عبر التاريخ أن كل من يحمل مشروعا تغييريا عميقا يركز على بناء الإنسان قبل العمران…
لكنني سأركز في هذا الموضوع على أهم تغيير عرفته البشرية، لنتخذه نقطة ارتكاز، ألا وهو التغيير الذي يجعل موضوعه الإنسان ومصيره عند الخالق بعد مغادرة دار العمران، دار العمل والامتحان. ذاك التغيير العظيم الذي واكب البشرية عبر تاريخها، وقاده ساداتها الأنبياء عليهم السلام في موكب نوراني يستضاء به…
ماذا يتمنى الرجال؟
لا يعرف قدر الرجال إلا من توسط معمعان التغيير، وباشر العمل، واصطدم بمعادن الناس، ووجد أن “الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة”، فأصبح كل همه تمني العثور على المعادن النفسية وتربيتها واستصلاحها…
ـ تمني عمر رضي الله عنه
“عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله وأتصدق. وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجدا وجوهرا فأنفقة في سبيل الله وأتصدق. ثم قال عمر تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين. فقال عمر: أتمنى لو أنها مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان” 1 .
ألا وإن أهم ما في أمر التغيير هو أن يكون للمغيِّرين مجموع مقبول من صفات الرجولة التي ذكرها الله في القرآن الكريم:
1ـ رجولة الارتباط الدائم بالله بالمداوة على ذكره
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ.. (النور 36-37).
فلا عبرة برجل أو امرأة غافل عن الله، غائب عن تجمعات المسلمين في بيوت الله التي إنما يعمرها مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (التوبة 18) كما نصت على ذلك الآية.
ومن اهتدى حُق له أن يقود، ووجب على الغير الاقتداء والاهتداء به…
2ـ رجولة القِوامة
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ.. (النساء 34)، فَحَرِيٌّ بالناجح في قيادة سفينة الأسرة عبر ضبط تخصصه واحترام تخصصات الآخرين والتعاون على أساسها، كما هي الحافظية من تخصص المرأة رجولتها، أن يُرشح لقيادة مشروع أكبر، مشروع جماعة أو مشروع أمة…
3ـ رجولة السعي إلى معرفة الله عز وجل
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (الأعراف 46)، إذ لا قيمة لأي معرفة ميتة لا تسري فيها حياة، وكل معرفة أوعلم أوحركة مقطوعة عن الله هي من الأموات حتى وإن كانت تدب فيها الحياة البيولوجية…
معرفة الله تعالى تعطي علم التمييز والتميز بما هو ناجع في الدنيا ناجح في الآخرة…
معرفة الله تجعل من الرجل الفاعل نافعا في الدنيا فائزا في الآخرة، لا ينفصل سعيه لإسعاد نفسه عن سعيه لإسعاد بني جنسه…
4ـ رجولة المشاركة في المشروع
ــ بالمؤازرة والمناصرة: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (يس 20-24).
إن لم تكن قادرا على تبليغ المشروع كما هو، فالأنجح أن تدل الآخرين على أصحابه بكل وسيلة وطريقة تستطيعها…
ــ بنصح أصحاب المشروع والدفاع عنهم…
وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ...
فمن لم يستطع مناصرة المشروع وأصحابه مباشرة فلا أقل أن يقدم لهم يد العون حسب مركزه وما يملكه من إمكانيات…
ــ بالتحريض على الخير وتقديم الاقتراحات العملية…
فرفع المعنويات بدل التثبيط، والتبشير بدل التنفير، والتيسير بدل التعسير، وتقديم الاقتراحات بدل الإكثار من الانتقادات… كل هذه الأمور تساعد في البناء والتسديد…
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.. (المائدة 23).
5ـ رجولة الجهاد والصدق في كل مراحله
هذه الآية الكريمة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب 23) جاءت في سياق الحديث عن غزوة الأحزاب…
فإذا كان الجهاد ذروة سنام الإسلام، فلا شك أن الصدق هو ذروة سنام الإحسان، والله فضل المجاهدين على القاعدين، وهو عز وجل يحب المحسنين…
والذي جمع للصحابة الكرام المجموع الطيب في كل صفات الرجولة هو صحبتهم للمصحوب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم… وكذلك في كل زمان ومكان لا يجمع على الله إلا صحبة أولياء الله، فعلى قدر المصحوب ينتفع الصاحب، وقد تجد وليا لله يجمعك على الله مع القعود. خير منه ولي لله يجمعك على الله مع الجهاد)، كما نصح بذلك الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في “المنهاج النبوي”.
والحمد لله رب العالمين.