الرحمة المحمدية بالنساء

Cover Image for الرحمة المحمدية بالنساء
نشر بتاريخ

الرحمة صفة الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا تنفك عنه أبدًا، ، لا في سِلم ولا في حرب، ولا في حَضر ولا في سفر، وقد سماه ربُّه سبحانه وتعالى رؤوفا رحِيما، فقال عز وجل: لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٞ مِّنَ اَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُومِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞۖ [سورة التوبة: الآية 129]. وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رحمة للخلائق، لأنه جاءهم بما يُسعدهم، وينالون به كل خير من خيري الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فقد فاته نصيبه من تلك الرحمة العظمى.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الوصية بالنساء، مؤكدا ذلك بقوله: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا” 1، وقد جاءت النصيحة نفسها في حجة الوداع، وهو يخاطب الآلاف من أمته، موقنا أن هذه الوصية لها أهمية كبرى، فأفرد لها جزءًا خاصًا من خطبته في هذا اليوم العظيم… حيث قال صلى الله عليه وسلم: “َاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ” 2. وقال أيضا: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي” 3.

يحث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على المعاشرة الطيبة للنساء ويحذر من كرههن فيقول: “لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ” 4، وهو نفس التوجيه الرباني الوارد في قوله سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَس۪يٰٓ أَن تَكْرَهُواْ شَيْـٔاٗ وَيَجْعَلَ اَ۬للَّهُ فِيهِ خَيْراٗ كَثِيراٗۖ}[سورة النساء: الآية 19].

ويعد صلوات ربي عليه أروع النماذج البشرية في الرحمة بالمرأة؛ فكان نِعم الزوج لزوجه، وخير الناس لأهله وبناته، إذ هو المثل الأعلى والأسوة الحسنة، فكان صلى الله عليه وسلم يعامل زوجاته وأولاده بكل سُموٍّ خُلقي، من محبة ورحمة، وعطاء ووفاء؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَرْحَبًا بابْنَتي، ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ، أوْ عن شِمَالِهِ، ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلتُ: ما رَأَيْتُ كَاليَومِ فَرَحًا أقْرَبَ مِن حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قالَ، فَقالَتْ: ما كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى قُبِضَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلْتُهَا، فَقالَتْ: أسَرَّ إلَيَّ: إنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أُرَاهُ إلَّا حَضَرَ أجَلِي، وإنَّكِ أوَّلُ أهْلِ بَيْتي لَحَاقًا بي. فَبَكَيْتُ، فَقالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ -أوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ؟ فَضَحِكْتُ لذلك” 5.

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي ظروف المرأة ويُقَدِّر مشاعر الأمومة فيها؛ حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ» 6.

وقد جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال، وكريم الصفات والأفعال، في تعامله مع الخلق عامة ومع المرأة خاصة، وقد صوّر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه ذلك أبلغ تصوير حينما قال :

وأجمل منك لم ترَ قط عيني … وأكمل منك لم تلد النساء

خُلقت مبرّأً من كل عيب … كأنك قد خُلقت كما تشاء

ولله در الشاعر أحمد شوقي رحمه الله إذ يقول:

وَإِذا رَحِمتَ فَأَنتَ أُمٌّ أَو أَبٌ … هَذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ

فقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة، فهو رحمة، وشريعته رحمة، وسيرته رحمة، وسنته رحمة، وصدق الله عز وجل في قوله: وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةٗ لِّلْعَٰلَمِينَۖ[سورة الأنبياء: الآية 106.].


[1] البخاري: كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء [4890]، ومسلم: كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء [1468]، وأبو يعلى [6218].
[2] الترمذي [1163]، وابن ماجة [1851]، وأحمد [20714]، وقال الألباني: حسن.
[3] الترمذي [3895] وقال: حسن صحيح، وابن ماجة [1977]، وابن حبان [4177]، والطبراني في الكبير [853]، وقال الألباني: صحيح. انظر حديث [3314] في صحيح الجامع.
[4] مسلم: كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء [1469]، وأبو يعلى [6418]، والبيهقي في سننه الكبرى [14504].
[5] البخاري: [3623، 3624]، ومسلم [2450].
[6] البخاري: [709] ، ومسلم [470].