بقلم: ذ. رضوان الشفقي
إن الزواج من أكبر نعم الله جل وعلا على الإنسان، فقد جعله وسيلة للتراحم والتواد والألفة والوفاق والسكينة، وبه تستريح الأنفس وتأنس من متاعب الحياة ومشاقها وعنائها، قال عز من قائل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(سورة الروم، الآية: 20). ومن أجل التعرض لهذه النعم وجب اتخاذ الأسباب كما علّمنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإليك أخي الشاب وإليك أختي الشابة بعض ما يجب قبل ولوج مؤسسة الزواج. أسأل الله لكما التوفيق.
إن أول خطوة تجب قبل الزواج؛ استحسان تعرف الخاطب والمخطوبة على بعضهما، فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة حينما خطب امرأة ليتزوجها: “أنظرت إليها؟” قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما” 1. أي أن تحصل بينكما الموافقة والملاءمة.
وقال رسول الله صلى الله عليه لجابر رضي الله عنه: “إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل” 2. فقام سيدنا جابر رضي الله عنه بتطبيق هذه النصيحة النبوية فقال: “فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها” 3.
استنبط جمهور الفقهاء من هذين الحديثين الشريفين استحباب نظر الخاطب إلى مخطوبته ونظرها إليه من أجل وقوف كل منهما على أحوال الآخر.
“وفيما يتعلق بنظر المخطوبة إلى خطيبها فقد قرر الفقهاء جواز نظرها إليه حتى تكون على بيّنة وبصيرة على ما هي قادمة عليه، فإن لم يتيسر لها النظر إليه لفرط حياء يغلب عليها، فلها أن ترسل من محارمها من يخبرها عن صفاته الخَلقية والخُلقية. وفي هذا يقول الشافعي: يسن لها النظر إذا أرادت أن تتزوج، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها” 4.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، حيث خطب أم سلمة وتحدث إليها وتحدثت إليه، وقبل كل ما ذكرته من عيوب، وبيّن لها صلى الله عليه وسلم حلولا لأعذارها.
ويُشترط في النظر إلى المخطوبة أن لا يكون في خلوة، وأن يعلم الخاطب أو يغلب على ظنه أنه سيجاب إلى خطبته، وألا يقصد بنظرته اللذة والمتعة.
أما بخصوص ما يصح النظر إليه في المخطوبة؛ فأكثر الفقهاء مالوا إلى جواز النظر إلى وجهها وكفيها، أما مذهب الإمام أحمد فقد اشتهر عنه أنه يسن نظر الرجل إلى ما يظهر من الجسم غالبا كالوجه والرقبة والكتفين والقدمين.
وبخصوص الصفات التي تؤهل الرجل والمرأة للزواج المثالي؛ نذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه المرأة وأولياءها إلى الاجتهاد في حسن اختيار الرجل الذي يصلح أن يكون شريك الحياة لموليتهم. قال صلى الله عليه وسلم: “إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” 5.
وننبه هنا إلى أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قد ذكر الدين والخلق كليهما في هذا الحديث، فليس كل متدين خلوقا وليس كل خلوق متدينا، فينبغي ألا ننخدع بجمال صورة الرجل أو مركزه الاقتصادي والاجتماعي. وفيما يلي بعض الصفات التي يجب على المرأة و أهلها مراعاتها في الخاطب عند تقدمه للخطبة:
استشعار عظم مسؤولية الزواج، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،…”
الاستعداد للإحسان في المعاشرة الزوجية: قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ(سورة النساء الآية:19)، و يقتضي ذلك العزم على الابتعاد عن كل ما من شأنه أن ينفر المرأة من بيت الزوجية، بل ومن علاقة الزواج نفسها في بعض الأحيان.
احترام الذمة المالية: فالزوج لا حق له في مال زوجته إلا بإذنها، قال تعالى: فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا(سورة النساء، الآية 4)
الاهتمام بالحقوق الزوجية.
التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير البيت وشؤون الأسرة.
وجوب التحلي بالرفق و الابتعاد عن العنف : والأحاديث النبوية التي تنبذ العنف و تحث على الرفق كثيرة، منها: «إن الله رفيقٌ يحبٌ الرفق في الأمر كله» 6
كما ينبغي للرجل أن يتخير المرأة ذات الدين القويم والخلق الحميد، فلا يهتم بالجمال الظاهر فقط، بل يجب أن تكون المرأة ذات جمال باطني كذلك. يقول محمد بن أحمد الصالح: “أما إذا اجتمع في المرأة حسن الظاهر مع جمال الباطن وكانت مع هذا متحلية بخلق ودين وعفة ونزاهة واستقامة ومروءة وحياء يكون الزواج منها أكمل وأجمل” 7.
“ينبغي لكل فتى مسلم يروم الزواج أن يبحث عن الفتاة المناسبة التي تحقق له كل أحلامه. والحال أن المسألة شخصية تختلف فيها مقاييس الناس اختلافا بينا. ولقد رسمت السنة النبوية العطرة لمثل هذا الفتى أحسن السبل إلى ذلك: لقد حثت بالدرجة الأولى على التدين وحسن الخلق، ويا حبذا لو صاحبهما الجمال والمال والحسب والنسب، فتكون تلك قمة مطالب الرجال في النساء” 8. وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك” 9.
وفيما يلي بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الصفات المستحبة في المرأة المطلوبة للزواج:
“تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة” 10.
“خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا أقسمت عليها أبرتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك” 11.
“إياكم وخضراء الدمن، قيل وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء” 12.
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على العناية العظيمة التي يوليها الشرع الحنيف للأوصاف المطلوبة في كل من الزوج والزوجة اللذين يرومان تأسيس أسرة سعيدة يسعد معها المجتمع والأمة.
وما جهد الإنسان وتعبه في اختيار شريكه إلا أسباب وإن لم يوكل الأمر لمن بيده الأمر فلن يحصد من تعبه إلا البوار والخسران المبين فالله عز وجل هو الفعال لما يريد. فالله تعالى نسأل التوفيق و السداد لكل مقبل ومقبلة على الزواج.
[2] رواه أبو داود في صحيحه (2082).
[3] نفسه.
[4] شرح جلال الدين على المنهاج / وحدة فقه الأسرة / ج3 ص 14.
[5] “الجامع الصحيح “، الترمذي 3/393، 395 رقم 1074،1075 ط دار الكتب العلمية 1408 هـ.
[6] متفق عليه
[7] ” فقه الأسرة عند شيخ الإسلام ابن تيمية في الزواج و آثاره”، محمد بن أحمد الصالح، ص 130.
[8] “القوانين الفقهية”، محمد بن جزي ص 143.
[9] أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم: (5090)، ومسلم، كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين، رقم: (1466).
[10] أخرجه أبو داود (2050).
[11] أخرجه النسائي في “السنن الكبرى” (5/ 310 رقم 8961)، والطبري في تفسيره (5/ 60).
[12] خرجه الدارقطني.