السلطة بالمغرب.. من السقوط السياسي إلى السقوط الأخلاقي

Cover Image for السلطة بالمغرب.. من السقوط السياسي إلى السقوط الأخلاقي
نشر بتاريخ

تتوالى الفضائح السياسية والأخلاقية لسلطة ما يسمى بالعهد الجديد بالمغرب، بعد عمليات الاختطاف المروعة بمدينة فاس فجر الإثنين 28 يونيو 2010 في حق سبعة من نشطاء العدل والإحسان، وما تلا ذلك من فصول مأساوية من التعذيب البدني والنفسي استخدمت فيه جميع أساليب التعذيب الحقيرة التي تفتقت عنها عبقرية جلادي القرن العشرين (ينظر بيان هيئة المحامين وبيان المعتقلين أنفسهم)، مما يدفع كل مواطن حر إلى التساؤل عن جدوى شعارات العهد الجديد والمفهوم الجديد للسلطة، وهل فعلا دفنَّا الماضي بتعبير الكاتب المغربي الكبير عبد الكريم غلاب؟

إن واقعة فاس الأليمة ليست حدثا منعزلا، بل يأتي في سياق من الوقائع والأحداث تنم عن توجه سياسي لإدارة البلاد بعقليات الماضي نفسها، وبالأساليب ذاتها، ورغم ذلك فإن الإعلام السلطوي سيظل يسوق الوهم ويروج للشعارات الكاذبة .

إن ما حدث يؤشر بشكل جلي على قمة السقوط الأخلاقي بعدما توالت شواهد السقوط السياسي .

فمؤشرات السقوط السياسي بدأت تحديدا مع تراجع المغرب عن شعار التناوب الديمقراطي بعد استنفاده لأغراضه السياسية المتمثلة في ضمان الانتقال السلمي للعرش، ثم استمرت السلطة والأجهزة الأمنية بعد ذلك في ضبط المشهد السياسي من خلال التدخل في شؤون الأحزاب، وصل إلى حد التدخل في قراراتها وتزكية من يتزعمها، وتحديد الدوائر التي يترشح فيها هذا الحزب والدوائر التي يمنع عليه الترشح فيها. ولم تكتف السلطة بذلك بل أعادت إنتاج أهم تجارب الماضي في التحكم في الواقع السياسي من خلال إنشاء الأحزاب الإدارية، فأوعزت إلى وزير الداخلية الأسبق وصديق الملك فؤاد عالي الهمة بتأسيس حزب سياسي جديد يقوم على أنقاض أحزاب أخرى بعد تفجيرها من الداخل، كما وضعت جميع إمكانات السلطة رهن إشارته لتهييئه لاكتساح انتخابي مغشوش وغير متكافئ، فكانت النتيجة أن أعلنت الأغلبية الشعبية في الانتخابات الأخيرة عن مقاطعتها لهذا العبث السياسي بسبب غياب شروط النزاهة، ولا جدوى المؤسسة التشريعية في دولة يتيح دستورها للسلطة العليا الجمع بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية دون أن يتيح للأمة إمكانية المحاسبة أوالمساءلة، بل إن مجرد مناقشة ذلك يجرمه الدستور .

ورغم أن الكثير من القوى السياسية في البلاد بما فيها جماعة العدل والإحسان ظلت مدركة أنه لا يمكن أن يحقق المغرب أي إقلاع سياسي أو إصلاح ديمقراطي في ظل دستور يشرع الحكم المطلق ولا يعطي للشعب الحقوق الأساسية، وأُعِدَّ ليكون على مقاس السلطة السياسية، ولم يصدر عن جمعية تأسيسية منتخبة، إلا أن الوقائع السياسية وخيبات الأمل المتوالية كانت أكبر مؤشر على السقوط السياسي لما يسمى ب”العهد الجديد” وتبخر شعاراته في الهواء .

وبالتوازي مع ذلك كان لا بد للقوى الحية من شرفاء هذا الوطن -ممن لم تنطل عليهم شعارات العهد الجديد كليا أو جزئيا- أن تضطلع بمسؤولياتها في الدفاع عن المواطن المغربي المقهور والمطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري، وأن لا تبرح خندق المعارضة السياسية السلمية مهما كلف ذلك من ثمن، فكان ذلك محكا آخر للسلطة السياسية التي لم تراوح مكانها في التوسل بأساليب الماضي، والرجوع إلى أساليب المخابرات العتيقة في تصفية الخصوم السياسيين وترويضهم، و من هذه الأساليب تلفيق التهم الأخلاقية وتشويه السمعة، والاختطاف والتهديد بالاغتصاب، وقطع الأرزاق …

إن ما حدث في ملف السلفية الجهادية من ظلم وتلفيق للتهم، ومحاكمات انتفت فيها أبسط شروط المحاكمة العادلة، واستعمال لجميع أساليب التعذيب والتنكيل البائدة التي تحط من كرامة الإنسان وتجرمها كل الشرائع والقوانين حتى وإن كان المستهدف منها متهما فما بالك بمئات الأبرياء، يعد أكبر مؤشر على أن العهد القديم لا يزال مستمرا في ثوب جديد، وعلى عكس ما ظن البعض-في ملف ما يعرف بالسلفية الجهادية- أن الأمر يتعلق بضغوط دولية ومناخ عالمي كان وراء ما حدث، جاءت مهزلة معتقلي ما يعرف قضية بليرج التي اتهم فيها شخصيات وطنية وسياسية معروفة بالنزاهة والاستقامة والاعتدال، فاتهام المرواني والمعتصم والركالة والعبادلة والسريتي بتكوين خلية إرهابية تؤشر إلى عودة العقل الأمني المبني على نظرية المؤامرة والحنين إلى أساليب التصفية السياسية القديمة التي تلفق فيها التهم الواهية ويؤخذ الناس بالظِنَّة.

وهكذا تستمر في العهد الجديد أجواء الترهيب والخوف وتكميم الأفواه ومحاكمة الصحفيين ويحاصر أصحاب الرأي والكفاءات العلمية مثل المهدي المنجرة، ويعود رجال المخابرات إلى الواجهة، ليرسموا سياسة الدولة في ضبط المشهد السياسي والاجتماعي والإعلامي والثقافي، من خلال ترسانة من الجواسيس والمخبرين الذين باتوا من بلادتهم وانفضاحهم مسخرة للجميع .

أما المعارضة السياسية السلمية في ظل “العهد الجديد” فكل الوسائل مباحة ومتاحة لإسكات أصحابها وإخراس أصواتهم، حتى ولو كان تشميع بيوتهم وطردهم منها كما حدث لفضية الأستاذ محمد عبادي بوجدة، عضو مجلس إرشاد العدل والإحسان وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أما اختطاف المعتقلين السبعة بمدينة فاس وتعذيبهم والتنكيل بهم بتلك الصورة المروعة والمؤلمة، كما تناقلتها وسائل الإعلام، فهو بالتأكيد إنجاز جديد انضاف إلى سجل “العهد الجديد”، الذي سجل سقوطا أخلاقيا مريعا.