مدخل
السمت خصلة من الإيمان لا يكتمل إلا بها، بالسمت يتزين المؤمن ويتزايل، هو وراثة نبوية وبعض من أجزائها. ماذا نعني بالسمت، إذن؟ وكيف يكون منهاجيا نبويا؟
جاء في وصية الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: (.. وأوصي بسمت الإسلام، السمت الجميل في خُلق المومن والمومنة ومظهرهما ومخبرهما. نتميز شامة بين الناس عن ضوضاء الناس وتشعث أخلاق الناس وأفكار الناس، وحديث الناس وإعلام الناس ولهو الناس وعبث الناس. نعوذ بالله من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجِنة والناس..).
السمت لغة
في “لسان العرب” لابن منظور: (السَّمْتُ: حُسْنُ النَّحْو في مَذْهَبِ الدِّينِ، والفعلُ سَمَتَ يَسْمُتُ سَمْتاً، وإِنه لحَسَنُ السَّمْت أَي حَسَنُ القَصْدِ والمَذْهَب في دينه ودنْياه.. السَّمْتُ إتباع الحَقِّ والهَدْيِ، وحُسْنُ الجِوارِ، وقِلةُ الأَذِيَّةِ.. والسَّمْتُ الطريقُ.. السَّمْتُ: القَصْدُ.. والتَّسْمِيتُ: ذِكْرُ الله على الشيءِ؛ وقيل: التَسْمِيتُ ذكر الله، عز وجل، على كل حال.. والسَّمْتُ الدُّعاء)، ومنه نفهم أن السمت خلق حسن وهداية إلى طريق الخير والقصد له، مع ذكر الله والدوام عليه، والدعاء للمسلمين. ذكر الإمام المجدد في “رسالة تذكير”: أن (السَّمْت التميُّز شكلا ومضموناً عن مظاهر الجاهلية ومخابر الفتنة. السمت الحسن أن تكون لغة خطابنا ومعاني مذهبنا تمْتَحُ من معين القرآن).
أحاديث في السمت
جاء في “المنهاج النبوي: تربية وتنظيما وزحفا” في الخصلة السابعة: “عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة” رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، رواه الإمام أحمد ومالك وأبو داود بنحوه. وروى الضياء عن أنس هذا اللفظ: “السمت الحسن جزء من خمسة وسبعين جزءا من النبوة” وصححه السيوطي. عادة ما تختلط الأمور عند الناس، ويصعب عندهم التمييز بين الصواب والخطأ، ويجبره العيش مع الناس الانغماس في حمأة الفتنة، لكنه يتساءل عن ميزان يمكن به فهم واقعه والتواصل معه، دون أن يلتهمه ثم يشكله بطابع الفتنة. يفضل بعض الناس التميز في المظاهر والسلوكيات ويسمي ذلك تميزا، الذي هو زيالا بلغة القرآن والحديث. نقل ابن القيم في “زاد المعاد” في حديث طويل صححه عن عبد الله بن الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع لقيطا بن عامر على (إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك، وأن لا يشرك بالله شيئا). إن مزايلة الفتنة لا يجب أن يدفعنا إلى الهروب عن الناس، رغم ما يمكن أن يصيبنا من أذى قد يعظم في جل الأحيان، بل قد يصل إلى الأذى اللفظي أو الجسدي في الأعراض والأموال. جاء في “كنز العمال” للمتقي الهندي: “المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم”، وروى الإمام مسلم في صحيحه، والترمذي وقال: “حسن صحيح” عن سيدنا أبي مسعود، واللفظ للمتقي الهندي: “حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلا موسرا وكان يخالط الناس وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر فقال الله عز وجل لملائكته: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه”.
الأمراض الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها مجتمعات المسلمين، ومعها مجتمعات المستضعفين، هي أمراض معدية فتاكة، وعلى رأسها أدواء الاستبداد والفساد، لأن فيها من الإيذاء واستجلاب الأمراض اللاصقة بها ما يقود حتما إلى الموت البطيء ف”السكتة القلبية”، وهذا ما حصل فعلا ويحصل في كثير من مجتمعاتنا، والطبيب المعالج والممرض المساعد، رجال الدعوة ونساؤها، لا يكتفيان بوصف المرض وتشخيصه فحسب، وإنما يقومان باستئصاله بعلم وحكمة وكلمة طيبة حتى يتم العلاج والاستشفاء، وإلا هلك المريض وقد يذهب معه كل محيطه إن كان المرض معديا، وكفى بمرض الاستبداد من معد سريع الانتشار، فتاك بالعباد والبلاد ويرحم الله عالمنا الجليل السيد الكواكبي، ووصفه لهذا الداء الخبيث وتداعياته. فلا سبيل للخروج من هذه المصيدة، وذلك لمن رام دخول الحياة العامة، ولا مناص لاتقاء شرر نار الشيطان والسلطان، إلا السمت الحسن، سمت النبوة والوراثة النبوية، صحبة خير ترتقي بالفرد والجماعة درجات المحبة صعدا ومعراجا، إلى كمال صرح المحبة وتمامها: حب الله ورسوله والحب في الله والبغض في الله، أوثق عرى الإيمان، وأكمل صور السمت الحسن ..
يتبع ..