السمت الحسن
السمت الحسن واجب لمخالطة الناس ومد جسور التواصل والاتصال، جاء في المنهاج فليتعرف الناس على طيب الإيمان والمؤمنين نبسط لهم جسرا من الحفاظ على السمت الحسن، الذي تقبل عليه العين، ثم نتدرج بهم إلى سماع الحق واستطابته. لأنهم إن رأوا منا رثاثة الزي ازدرونا، فتفوتنا فرصة اللقاء والحوار)، وليس هذا من النفاق في شيء لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، كما جاء في الحديث، لكن حسن المظهر لا يجب أن ينسينا حسن الباطن وسمته.
المظهر والباطن
وعند المتقي الهندي في “كنز العمال” ما نصه: “عن الحسن قال: رأيت عثمان على المنبر، قال: أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذي نفس محمد بيده، ما عمل أحد عملا قط سرا إلا ألبسه الله رداءه علانية إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ثم تلا هذه الآية: “ورياشا” ولم يقل وريشا “ولباس التقوى ذلك خير” قال: السمت الحسن”. وفي “رسالة تذكير” لا يجب أن نقبل بغير عبادة الإحسان ظاهرا وباطنا لا ترضى جماعة العدل والإحسان بهدف اجتماعي سياسي دون العدل على شريعة الله، ولا ترضى بغاية تتطلع إليها همم المومنين والمومنات دون الإحسان. الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، الإحسان أن تحسن إلى الناس، الإحسان أن يحسُن عملك، الإحسان أن تُجيدَ وتفيد)، وما ينطبق على الفرد هو واجب في حق الجماعة عملا ومعاملة.
الفرد والجماعة
روى الإمام أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم”، وجاء في كتاب “زيادة الجامع الصغير”، للسيوطي، عن سيدنا أنس رضي الله عنه، عن سيدنا رسول الله صلى وسلم قال “والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير”. وفي كنز العمال “لا يستكمل عبد الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وحتى يخاف الله في مزاحه وجده”، من السمت الحسن أن يكون سيرنا سير الجماعة لا نسبقها ولا نبطئ عنها، شرط أن يكون سيرها سيرا إيمانيا جهاديا نبويا، في “مجمع الزوائد” للحافظ الهيثمي “عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى”، وعند الإمام أحمد في مسنده “عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك قال: قلت: في قرية دون حمص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية”، وفي المنهاج النبوي الأمة المسلمة مجموعة بشرية تتألف من أفراد يتفاوتون إيمانا. يتراوحون من النفاق إلى الإسلام الموروث إلى الإيمان المتطلع إلى الصلاح والإحسان، والمهمة أن تتألف من هذه الأفراد كتلة متماسكة مسؤولة عن إقامة دين الله في الأرض. ما المهمة، ولا يكفي أن نحارب شرك الأفراد وبدع المبتدعين. وما بذهنية التكفير يمكن أن نربي جيلا نموذجا يمثل الإسلام في عقيدته وأخلاقه، في عبادته وجهاده). الجماعة جسد واحد يمثل أفرادها أعضاءه، لا ينفصل أحد عن الآخر، تتوزع الأدوار وتتنوع لكنها تتكامل وتتآزر. لكن أي سمت يجب أن تمثله الجماعة، التي تكون الأمة في مجموعها، بالنسبة لباقي الناس والعالم؟
الأمة والعالم
يقول الله تعالى في سورة الحجرات، سورة الأخلاق والمعاملات والسمت الحسن، الآية 13 يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢوَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۭ التعارف هو أصل التواصل، ومعرفة الناس هي من معرفة الله الخالق الهادي والرؤوف الرحيم. تفوق غير المسلمين في العلوم والتكنولوجيا، والسبق العسكري والاقتصادي وكل مناحي الحياة المادية، يدفع بعضا منا إلى تقليد الغالب يصل في بعض الأحيان إلى الذوبان والاتباع الأعمى، لذا ينبهنا المنهاج إلى أن عباد الله حقا لا يستعبدهم استعلاء الجاهليين فيقلدوهم. وقد ابتليت الأمة بهذا الاستعمار الذي تطور من احتلال فعلي إلى احتلال عم فكرنا وعقيدتنا وأساليب حياتنا. ولا بد من طرد النموذج الجاهلي مع استخلاص ما هو قسمة مشتركة بين البشرية كالعلوم الكونية والصناعية التقنية. نقدر على ذلك فقط إن رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا)، لكن هل نظرتنا إلى الآخر يجب أن يطبعها “النفاق الاجتماعي” واللغة الدبلوماسية والإتيكيت فقط، أم أن الأمر هو رحمة للعالمين؟
الرحمة والنفاق
مالت القلوب لتعظيم الكافرين، وتسرب إلى العقول واحتلها فكرهم، وإلى مجالات حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقانونية واليومية معاييرهم وتقويمهم. وعلى سطح حياتنا، طافية على لسان حكام الجبر، شعارات الإسلام، منافقة تكتب في الدساتير الوضعية، وتعلن في المواسم. ولولا أن سواد الأمة بقي في قرارة نفسه يؤمن بالله ورسوله ودينه حقا لكان النفاق عم.. نعم إنه نفاق أجيال، وموالاة الكفار بالإعجاب بحضارتهم، والميل إليهم. وما يصيبنا وسط الذين ظلموا من عذاب إنما هو من انهزامهم أمام الكفر، ثم انخداعهم به، ثم ميلهم إليه. قال الله عز وجل: )بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا سورة النساء، الآيتان: 138 – 139. وقد مضى إن شاء الله عهد كان ذراري المسلمين فيه يعتز بعضهم بتقليد الغربي، والرطانة بلغته، والظهور إلى جنبه كالند، ومشاركته في فكره “التقدمي”، والانتصار والترويج له بيننا)، لكن الصبر مع الناس، ومداراتهم لسماع كلمة الحق، والرحمة لخلق الله هو الخلق القويم، ومهمة الأنبياء وأولي العزم من الرسل، لأنه كما جاء في “كنز العمال” عن ابن عباس “الخلق عيال الله فأحب الناس إلى الله تعالى من أحسن إلى عياله”، بل وأمر الله سبحانه وتعالى في كتابه بالجهاد في سبيل الله والمستضعفين حتى نرد لهم حقهم المسلوب وندفع عنهم الظلم والضيم، جاء في سورة النساء وَمَا لَكُمْ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّۭا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا، لابد لنا من سمت حسن إنساني، قبل كل شيء، نمشي به في الناس شامة ناصعة، تجلب النفع لهم وطيب العيش.
السمت الإنساني
سمتنا هو واجهتنا في العلاقات العامة والخارجية، نقول للعالم ونريه بالمثال الحي، والواقع المعيش الملموس أننا أهل قيم، حيث يتجاوزها الآخرون، وأهل عمران أخوي يحترم الحريات، ويحافظ على البيئة، وينصف المرأة والطفل، ويعالج المريض ويداوي السقيم، ويحنو على العجوز، ويأوي اليتيم، ويطعم الجائع، ويكسي العاري، وينشط الاقتصاد، ويجد في العمل والاستثمار، ويعدل في الحكم والقضاء والثروات، ويؤلف القلوب والمجتمعات، ويحض على الجمال والطيب من القول والفعل.. لكن هل هذه أضغاث أحلام وهوس الخيالات فقط؟ أم أنه ممكن التحقيق؟. في كتاب “سنة الله” يقول الإمام المجدد رحمه الله أوردنا في الفصل الأول من هذا الكتاب الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد يبشر فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بالخلافة الثانية على منهاج النبوة، ونورد هنا نفس الحديث من رواية الدارمي والبزار وفيه زيادة:)“إن أول دينكم نبوة ورحمة، وتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جل جلاله. ثم يكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويُلقي الإسلام بِجرانه (أي يستقر ويثبت) في الأرض، يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارا، ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئا إلا أخرجته”. دون هذا الموعود المبارك جهادُ القومة)، صدق الله، وصدق رسوله الكريم.
خاتمة
السمت في الأساس هو شهادة لله في السر والعلانية، فردا وجماعة، في الشدة والرخاء، سلما وحربا، في السوق والسكن، في إدارة البيت وحكم الدولة، في العلاقات العائلية والديبلوماسية الدولية، علما وعملا وحالا.
السمت الحسن هو صفاء السر، ونقاء القلب، وطمأنينة النفس، ونضارة الجسد، وطهارة الثياب، وصف الشعر، والتماس الفطرة البشرية، والتطيب في الرائحة، والتجمل في المظهر والخلق.. السمت دلالة على الله والاستعداد ليوم الميعاد وخلافة لنبيه فيما يمكن ويستطاع، يقول الحبيب الإمام المجدد، رحمه الله وجزاه خير الجزاء وإنما السمت الحسن أن نقصد بهمتنا وإيماننا وأعمالنا الصالحة مقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظهر بمظهره، ونقلده في جليل الأمر وعاديه. هذا الاتباع لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في سلوكه الخاص والعام، باستثناء خصوصياته صلى الله عليه وسلم في حياته اليومية والرسالية، في سلمه وحربه، في حله وترحاله، في تقلله وبساطته، هو الضامن الوحيد لقلع جذور الفتنة من بيننا. وليس الحرص الشديد على هذه المتابعة النورانية هو التنطع). لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.