الشباب المسلم وتجديد المسار

Cover Image for الشباب المسلم وتجديد المسار
نشر بتاريخ

أكد الإمام المجدد رحمه الله على أهمية الأخذ بنهج رعاية الشباب وتوظيف طاقاته لما فيه الخير والنفع لهذه الأمة، فعالج قضاياهم وحدد حاجاتهم، ورسم لهم منهجا دقيقا للخلاص، انسجاما مع رؤيته التغييرية الداعية إلى تخليص المجتمع المسلم من التخلف، والعودة به لوظيفته الحقيقية في حمل أمانة الله ورسالة الإسلام، وكل ذلك لا يتحقق إلا من خلال بناء الإنسان بناء يتلاءم مع ضخامة المهمة، وعظم تبعاتها.

ويرى رحمه الله أن هذه الغاية لا يمكن إدراكها وتحقيقها إلا بمشاركة الشباب في تحمل أعباء التغيير ومهمة البناء. إذ “يُنتَظَرُ من الشباب المسلم أن يُنقذ الأمة من مهواة الموت، وأن يُنقذ العالم من الاستكبار الجاهلي، وأن يقاتِل التخَنُّثَ، والترفَ، والظلمَ، وأن يسهر على إقامة دولة العدل والأخلاق، وأن يرابط مستعداً لنجدة المستغيث، وأن يُفْرِغَ كل طاقاته لحماية القومة الإسلامية، ودفع العاديات عنها. يُنتَظَرُ من الشباب المسلم أن يكونوا أسْدَ العرين، وحماة الدين، وعمادَ الأمة” 1.

وقد وضع الإمام رحمه الله آلية الوصول إلى ذلك، بإعطاء عناية أكبر لتوعية الشباب المسلم بطبيعة مرحلته ومتطلباتها الضرورية وتوعيته بالتزاماته، وكذلك بكل ماله من حقوق وعليه من واجبات تجاه ربه وأمته، مستحضرا التحديات التي تواجهه من طاحون التعليم والإعلام الغربي. كما حدد رحمه الله المعالم الكبرى لكيفية الانتقال من الفتوة التي يغلب عليها طابع الحماس إلى الرجولة، وفق منهجية معلومة المسارات، وخطة مرسومة الخطوات، ولخصها في تربية مستقبلية تبنى على أسس إيمانية وفكرية وحركية.

ملامح إعداد الشباب المسلم

الشباب المسلم عند الإمام رحمه الله هم جيل الصحوة وروادها، هذه الصحوة التي تعبر الطريق الأسلم نحو التجدد والتحرر القائم على معالم الإسلام وحقائقه، وعلى الرجوع إلى ينابيعه الأصلية وأسسه الثابتة، التي فيها النجاة لا للمسلمين فحسب، بل للإنسانية كلها لإنقاذها من ضلالاتها. لذلك فشبابنا اليوم يحتاج إلى هبة واعية، تبصره بما ينبغي أن يكون عليه. وخير ملاذ في هذا المجال هو العناية بتربية الشباب على الولاء للدين الحنيف مما يقضي على الفراغ الروحي الذي هو سبب ما تعانيه الإنسانية كلها من مشاكل. وقد ركز الإمام المجدد رحمه الله في مشروع صناعة الشباب على الأصل التربوي بما هو رأس البناء وأساسه، ثم الأصل التعليمي والعلمي الذي أعطاه الإمام حيزا مهما في هذا المشروع، ثم الأصل الاجتماعي؛ وهو حركة الشباب وسط المجتمع. وقد أرشد الإمام المجدد رحمه الله إلى ثلاثة مستويات أساسية وجب استحضارها في عملية إعداد الشباب وهي: 

1. البناء التربوي الروحي

يعتبر الإمام رحمه الله مصير الإنسان في الآخرة محور الأمر كله، لذا وجب قبل كل شيء العمل على بناء الشباب روحيا، بغرس الإيمان في قلوبهم عبر الانقياد لأوامر الله سبحانه ونواهيه، والانكباب على تحقيق الغاية من وجوده التي هي عبادة الله تعالى وإعمار الأرض وتحقيق الاستخلاف. وعظمة هذا الأمر يحتم علينا أن نأهل شبابنا تأهيلا تربويا شاملا متكاملا، أساسه التفقه في الدين، ورافده فقه الواقع المحيط وتحدياته ورهاناته. كما يجب كذلك تضمين التربية لكل جوانب الشاب؛ عقله وقلبه وجوارحه، وهذا ما يؤكده الإمام رحمه الله حين يقول “إن مهمتنا الأولى أيها الأحباب، اليوم وغدا وبعد غد، أن نكون روحا سارية في المجتمع موصولة بأجيال بعدنا إلى يوم القيامة تتحسن نوعية إيمانها وترتفع همتها الإحسانية جيلا بعد جيل، وتنتشر، وتعم..” 2.

2. البناء العلمي الفكري

“مسؤوليتنا أن نجند الشباب لمعركة العلم، وأن نسترجع أدمغتنا من بلاد الجاهلية، ونحبك شبكة علمية نجمع فيها الخبرات المتاحة، لنبدأ عملية تأثيل التكنولوجيا في بلادنا، وتوطينها، وتغذيتها، وإشاعتها، وتصنيعها” 3، خاصة وقد كان الإسلام هو الذي كيف حضارة العالم وأصلح مسارها بالجمع بين الدين والعلم لأول مرة في التاريخ، وبفضله بقي الاعتقاد بوجود الله حتى في المجتمعات غير الإسلامية وازدهرت سائر العلوم والفنون وتفتح الفكر الإنساني للابتكار والاختراع. ومن هنا أصبح البناء الفكري للشباب إحدى ضرورات قيام أي أمة، وأهم محددات تجديد مسارها، فالتغيير المنشود أساسه وجود فكر معتدل داعم للتنوع والاحتواء، يمتلك العمق في استيعاب متطلبات البشرية ومقتضيات الرقي بالمجتمعات الإنسانية. هذا الأمر يقتضي توجيه بوصلة العمل إلى تعزيز اليقين الإيماني في قلوب الشباب، وبناء عقل ناقد، عارف بما حوله، قادر على مجابهة الضار منه، ومعرفة الاتجاهات الفكرية المختلفة وتاريخها والنقد المُوجه لها.

3. البناء الحركي الجهادي

 يرى الإمام رحمه الله أن الشباب ركن مهم في عملية التغيير والتجديد، فهم كما سماها جزء من القوة الاقتحامية الجماعية في المجتمع، ذلك أنهم يمتلكون القوة العقلية والجسدية والنفسية، فهم الأقدر على الإنتاج والإبداع والتغيير، وهم الذين تسير بهم العملية التعليمية والصناعية والزراعية والتكنولوجيا الحديثة. والشباب قادر على تخطي العقبات التي تعترض مساره بالحكمة للوصول إلى الهدف المنشود، كما أنه صادق في تحمله الأعباء، لأنه يتعامل مع قضايا الأمة بطرق علمية حضارية قائمة على العلم والإحاطة بالتحديات الحاضرة والمستقبلية التي تجابهها. وهذا الأمر يقتضي زيادة الاهتمام بتربية الشباب على القيادة والريادة في العطاء، وبزيادة الانفتاح على أفكار وطموحات الشباب المعاصر، وفهم شخصيته واستعداداته، واستبعاد نظريات الإقصاء والتهميش، واستبدالها بتفعيل دورهم وفتح المجال أمامهم للتعبير عن ذواتهم وقدراتهم القيادية والفكرية. وهذا ما أكد عليه الإمام رحمه الله في قوله: “إذا فهمت الأمة واجبها، وقبلت الاضطلاع به، ووجدت قيادة منها لإنجازه، فسيكون الشباب أنفسهم هم الحل لأزمة تكاثر السكان، وتفشي الجهل، ونقص المتطوعين. الشباب المؤمن هم الحل لأزمة الشباب إن أصبح كل منهم يحمل بدل أن يبقى محمولا” 4.

وختاما، “فلكيلا يكون هذا الجيل المبارك “يُغَثِّي” أجيالا لاحقة نرجو من الله نور السماوات والأرض أن ينور القلوب بربانية تزكي وتصفي. وليكون عمل هذا الشباب الطاهر إن شاء الله من كل لوثة عملا صالحا موصولا إلى يوم القيامة غير منقطع لا بد أن تتحكم الأيدي المتوضئة في الزمان وتوجه المسار، عارفة مهمتها بالضبط” 5. والتي هي إعادة شباب المسلمين إلى جادة الحق وطريق الصواب، فيبتعد عن السلبيات، ويرتفع عن النقائص ويدفعه إلى القيام بدوره الأساسي في المجتمع الإسلامي الذي يعيش صحوته الكبرى في طريقه إلى التغيير والتجديد. وهذا الأمر يدعونا إلى تقويمه بالقدوة وبالتعهد الدائم، وطريقنا إلى ذلك هو إعادة بناء الأمة وتحصينها من الاختراق الثقافي، وهو ما يستلزم اعتماد استراتيجية ممتدة في الزمن عبر أجيال، تعمل على التعبئة الواسعة للشباب إقناعا لهم بجدوى التغيير وضرورته وصعوبته، وتربية لهم على المشاركة صبرا وتحملا.


[1] عبد السلام ياسين، إمامة الأمة، ص 62.
[2] عبد السلام ياسين، سنة الله، ص 256.
[3] عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ص 330.
[4] عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص 261.
[5] عبد السلام ياسين، سنة الله، ص 265.