مقدمة:
شكلت القيم على مر العصور إطارا مرجعيا يحكم سلوك الأفراد ويوجه تصرفاتهم، كما أنها تحفظ للمجتمع تجانسه وتماسكه وترابطه وعندما نتحدث عن القيم نتحدث عن المعايير والمبادئ التي من خلالها نحكم على الأشخاص أو الأفكار أو الأفعال أو المواقف، كونها على صواب أو على خطأ فالقيم هي ميزان نزن به أعمالنا، ونحكم بها على تصرفاتنا.
والقيم كما هي مرتبطة بالمرجعية الدينية للمجتمع وبالأعراف والعادات السائدة في المجتمع، فهي مرتبطة كذلك بطبيعة النظام السياسي الذي يحكم هذا المجتمع وطبيعة مشروعه المجتمعي، هذا إن كان له مشروع، ومرتبطة كذلك بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع والتي ما هي إلا نتاج المناخ السياسي السائد في هذا المجتمع.
واقع القيم في صفوف الشباب المغربي:
عندما نتحدث عن الشباب، نتحدث عن مرحلة عمرية يحتاج فيها المرء إلى عناية ورعاية وتوجيه وتربية على قيم نابعة من هوية مجتمعنا. على اعتبار أن الشباب هو أمل المستقبل، هو مجتمع الغد، وما سنغرسه من قيم في شبابنا اليوم هو محدد أساسي لهوية وقيم المجتمع غدا ولطبيعة العلاقة بين شرائح ومكونات المجتمع غدا.
وواقع الحال اليوم يدل على أن شبابنا يعيش أزمة حقيقة على مستوى القيم قد يكون مقدمة لا قدر الله لانهيار كلي لمنظومة الأخلاق والقيم لدى هذه الفئة الهامة من المجتمع مما قد يكون له انعكاسات سلبية على استقرار وتماسك المجتمع.
ولعل أحداث العنف المدرسي الأخيرة والتي شكلت حالة الصدمة لدى الرأي العام المغربي نظرا لطبيعة المستهدف ألا وهو الأستاذ والأستاذة اللذين ربونا وعلمونا جزاهم الله عنا كل خير واحترامهم وإجلالهم هو من أهم القيم التي تربى عليها المغاربة وهو من صميم ديننا الحنيف،وقبلها حادث الاغتصاب الجماعي العلني لفتاة من طرف شباب في حافلة عمومية وهو حدث آخر شكل حالة الصدمة للرأي العام ، جعل الكل يتحدث عن أزمة قيم حقيقية لدى الشباب، بل هناك من تحدث عن انهيار منظومة القيم لدى الشباب المغربي بما فيها تصريحات رسمية،لعل أبرزها تصريح وزير العدل المغربي الحالي ،بعد حادث الاغتصاب الجماعي والعلني، لموقع الكتروني ب”أن ما يحدث في المغرب يعتبر بمثابة مؤشر على انھیار القیم داخل المجتمع”، وهو اعتراف رسمي بعمق الأزمة.
إضافة إلى حالة الانهيار الأخلاقي وغياب تام لقيم الحياء والحشمة وحالات السرقة بالقوة وما يسمى بظاهرة التشرميل، كلها مؤشرات على عمق الأزمة التي يعيشها الشباب المغربي على مستوى القيم.
أسباب تدهور القيم في صفوف الشباب المغربي:
المتتبع لقضايا الشباب المغربي سوف يخلص إلى نتيجة واحدة هو أن هناك سياسة ممنهجة تستهدف الشباب في قيمهم، تستهدف تمييع الشباب وتربيتهم على قيم غير قيمنا، سياسة ممنهجة أوصلتنا إلى الحالة التي نحن عليها من ترد خطير على مستوى القيم في صفوف الشباب،يتم فيها توظيف:
– الإعلام: عبر برامج وأفلام تستهدف أخلاق الشباب عبر تشجيعها لثقافة العري والانحطاط الأخلاقي وتدمير كل ما يمت للحياء والحشمة بصلة، وانظر إلى حجم المسلسلات المدبلجة الغير تربوية والغير أخلاقية والتي تحمل قيما غريبة عن مجتمعنا وتتنافى كليا مع قيمنا الإسلامية.
– التعليم: عبر الاستمرار في نهج سياسة تعليمية فاشلة وبالتالي فشل المدرسة المغربية في القيام بدورها التربوي والتعليمي مما نتج عنه ارتفاع مهول في نسبة الهدر المدرسي… أرقام مهولة؛ عشرات الآلاف من الشباب يغادرون المدرسة وهم في مقتبل العمر، لم يستكملوا بعد مرحلتهم التعليمية الأساسية . تقرير المجلس الأعلى للحسابات يتحدث عن 218 ألف و141 تلميذ تركوا مقاعد الدراسة خلال سنة 2016، فأي مصير ينتظر هؤلاء الشباب في غياب تربية وتعليم يؤهلهم للاندماج في المجتمع؟
كذلك عبر استهداف الأستاذ، مربي وقدوة الشباب، وتحميله مسؤولية فشل التعليم والتنقيص من قيمته أمام الرأي العام، واستهداف مقررات التربية الإسلامية بالمراجعات التي لا تنتهي.
– توظيف المجال الفني: عبر طبيعة الأفلام التي يتم دعمها، والإصرار على تنظيم مهرجان موازين، وغيره، رغم المعارضة الشعبية الواسعة له، ناهيك عن تزامنه مع فترة الامتحانات الإشهادية لتلاميذ الباكالوريا.
– توظيف المجال الرياضي: عبر أنشطة رياضية تطبيعية مع الكيان الصهيوني، هدفها إبعاد الشباب عن الارتباط والتهمم بقضايا أمتهم، وما الدوري الدولي المفتوح للجيدو بمراكش وأكادير إلا مثال على ذلك.
إضافة إلى التغييب المتعمد لدور المسجد في تربية الشباب المغربي على القيم الإسلامية، يصل إلى حد التضييق على الشباب الراغب في الإقبال على الله تعالى في شهر رمضان إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.
كما أن الواقع السياسي المتأزم ببلادنا من استبداد وقمع للحريات وانتهاك لحقوق وكرامة الإنسان وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، %20 حسب الإحصائيات الرسمية وتصل إلى %41 في صفوف الشباب أصحاب الشواهد العليا، كان له الدور الأساسي في حالة التردي على مستوى القيم في صفوف شبابنا، أنتج نوع من الإحساس بالتهميش والحكرة وتنامي الشعور لدى الشباب بان لا مستقبل لهم ولا صوت لهم في المجتمع مما يجعل بعض الشباب يلجؤون للعنف كوسيلة للخروج من الأزمات الاجتماعية التي يعيشونها وكوسيلة للتعبير عن رفضهم للوضع السائد.
إضافة إلى حالة التعارض التي يعيشها الشباب بين ما يسمعه من خطابات وشعارات رسمية حول احترام حقوق الإنسان والتربية على قيم النزاهة ومحاربة الفساد ومحاربة العنف المدرسي ومحاربة الغش في الامتحانات وبين الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه، حالة التعارض هذه أنتجت حالة انعدام الثقة وفقدان المصداقية والرفض لهذه القيم.
ما السبيل للخروج من حالة التردي على مستوى القيم في صفوف الشباب المغربي؟
أولا: لا بد من إعادة الاعتبار للمدرسة المغربية ودورها المحوري في تربية أجيال الغد على القيم المغربية الإسلامية الأصيلة.
ثانيا: القطع مع كل أشكال الاستبداد والفساد وأعتقد أن الشريحة الأكثر تضررا من الفساد والاستبداد هي شريحة الشباب، وأعتقد أن القطع مع كل أشكال الفساد والاستبداد مدخل أساسي لمعالجة ظاهرة التردي على مستوى القيم التي نعيشها.
ثالثا: إيجاد حل حقيقي لأزمة البطالة التي يعاني منها الشباب خصوصا خريجي المعاهد العليا. فآخر إحصاء رسمي عن البطالة في صفوف هذه الشريحة من الشباب يتحدث عن نسبة% 41 وهي نسبة مرتفعة جدا، وكلنا يعلم ما ينتج عن البطالة من أزمات اجتماعية تؤثر بشكل مباشر على القيم في صفوف الشباب.
رابعا: لابد من إعادة الاعتبار لدور المسجد في تربية شبابنا على القيم الإسلامية السمحة، لابد من إحياء المساجد من خلال أنشطة تعليمية تربوية تربي شبابنا على قيمنا الإسلامية، فرسالة المسجد هي أعظم وأكبر من تأدية الصلوات فقط على عظمها وأهميتها في ديننا.
خامسا: إعادة النظر في السياسة الإعلامية الرسمية والتي يجب أن تعكس هوية الشعب المغربي وتستعيد دورها التربوي والتوعوي والتثقيفي سواء على مستوى البرامج أو على مستوى الأفلام التي تعرض مع إعطاء مساحة أكثر للشباب للتعبير عن قضاياهم وهمومهم.
سادسا: إعادة الاعتبار لدور الأسرة المغربية المحوري في احتضان وتربية أبنائها على قيمنا الإسلامية الأصيلة ووضع حد للمعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها، مما ساهم في تفككها وبالتالي الحد من دورها في احتضان وتربية الأبناء.
خاتمة:
الشباب المغربي اليوم هو أحوج ما يكون إلى التربية على القيم الإسلامية النابعة من هوية هذا المجتمع على اعتبار أننا ولله الحمد في مجتمع مسلم، أحوج ما يكون إلى التربية على قيم الرحمة والرفق والحياء، وعلى قيم التضامن والتكافل وعزة النفس ونصرة المظلوم وغيرها من القيم التي جاء بها ديننا الحنيف والتي ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها شباب الصحابة رضوان الله عليهم فخرج رجالا جسدوا هذه القيم ونشروها في شتى ربوع العالم، وهو أحوج ما يكون كذلك إلى رفع الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتعرض له، مما يتطلب من جميع القوى المجتمعية الحية والهيئات الشبابية الغيورة على مستقبل هذا البلد أن تتحمل مسؤوليتها في وضع حد لحالة التردي الخطيرة على مستوى القيم في صفوف شبابنا وكشف وفضح ما يخطط لمستقبل شبابنا ومستقبل مجتمعنا وتجنيب البلد ما هو أسوء لا قدر الله.