انخراطا فـي فعاليات الذكرى الثانية عشـرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، والتـي اختير لها الشباب محورا عاما، وسعيا لإبراز مكانة الشباب فـي فكر ومشـروع مرشد جماعة العدل والإحسان، يروم المقال الجواب علـى سؤالَـيْ حق الشباب العدلـي وواجبه.
وحيث إن “الشباب – يقول الإمام المرشد عبد السلام ياسين فـي مؤلفه “الإسلام غدا” – هو القوة الأكثر فاعلية وحيوية في المجتمع”، فقد أولاه رحمه الله اهتماماً بالغاً، واعتبره عماد المستقبل وقوة التغيير، فاحتضن الشباب طلبة وتلاميذ، بل ويافعين، وخصهم منذ رفع الحصار عليه صيف 2001 بلقاءات مباشـرة وبحضور قيادة الجماعة ممثلة فـي أعضاء مجلس إرشادها، فـي إشارة واضحة أن المسألة الشبابية ذاتَ بُعد استراتيجـيّ فـي مشروع العدل والإحسان؛ رعاية واحتضان وحضور مكثف فـي مكتوباته مسوغها يتجلـى فـي اقتناعه الراسخ بحيوية أدوار الشباب، متـى نال حظه من التربية والتأهيل، فهو المؤهل لأن “يُنقذ الأمة من مِهواة الموت، وأن يُنقذ العالم من الاستكبار الجاهلـي، وأن يقاتِل التخَنُّثَ، والترفَ، والظلمَ، وأن يسهر على إقامة دولة العدل والأخلاق، وأن يرابط مستعداً لنجدة المستغيث، وأن يُفْرِغَ كل طاقاته لحماية القومة الإسلامية، ودفع العاديات عنها. يُنتظر من الشباب المسلم أن يكونوا أسْدَ العرين وحماة الدين، وعماد الأمة. وذلك لا يأتـي إلا بتربية تزرع فـي القلب الإيمان والتقوى”. (إمامة الأمة، ص: 64).
وظائف جليلة اقتضت فـي تقدير الأستاذ المرشد، وهو الخبير التربوي، تأهيلا متوازنا وشاملا، وذلك من خلال:
1. توفير بيئة تربوية تنتشل الشباب من تيارات الغفلة والانحراف وتُكسبه شُعب الإيمان. “فـي الشباب – يقول الإمام المرشد جدد الله عليه الرحمات فـي “سنة الله” – خير كثير، نرجو من كرم الملك الوهاب أن يقيض في الجيل الحاضر طليعة تتلقـى الربانية من أهل الربانية، وتتلقى العلم من أهل العلم، والحكمة من أهل الحكمة، والهمة الجهادية من أهل الهمة، حتـى تكون رسول الأجيال النيـّـرة من سلفنا الصالح”. (ص: 260).
2. التحفيز علـى طلب العلم والتفوق الدراسـي باعتبار ذلك مجالا تعبديا وواجباً دينياً. فنجيب الدراسة نجيب الدعوة بالحال قبل المقال.
3. التشجيع على التفكير النقدي بناءً للشخصية المستقلة والمتوازنة نبذا للإمعية؛ أسست لها وكرّستها لقاءات المرشد التفاعلية مع التلاميذ والطلبة، وما أكثر ما شجع علـى إبداء الرأي فـي كتاباته: تدريج (من الدارجة) المنهاج النبوي نموذجا!
4. التوعية بالقضايا المستجدة والمشاركة فـي اقتراح حلول عملية لها. “مسؤوليتنا – يُذكّــر الإمام المرشد فـي المنهاج النبوي – أن يصبح الشباب دواءً لمشكلة الشباب”.
5. التدريب علـى تحمل المسؤولية والجندية فـي المخيمات والمعسكرات الشبابية، حيث يتدرب الشباب علـى الرجولة وروح الاقتحام قصد تنشئة أجيال واعية تُستأمن علـى مستقبل الأمة.
6. تشجيع المبادرات والثقة فـي قدرات الشباب، وفسح المجال للارتقاء التنظيمـي والإسهام فـي إسماع صوت الشباب وصناعة القرار.
7. بناء الثقة بين الأجيال المختلفة داخل الجماعة علـى قاعدة النواظم المنهاجية الثلاث. فشباب الجماعة هم قادتها والمستأمنون عليها مستقبلا، وجماعة العدل والإحسان مسؤولية فـي أعناقهم علـى حد تعبير الإمام المرشد، على قاعدة العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوصية السبب. ورحم الله سيدنا أبا سعيد الخدري كان إذا رأى الشباب قال: “مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوسع لكم فـي المجلس، وأن نفهمكم الحديث، فإنكم خَلوفُـنا، وأهلُ الحديث بعدنا”.
هذا مُجمل القول فـي تجليات مركزية الشباب فـي مشـروع الإمام المرشد رحمه الله، وهو جواب علــى سؤال حقوق الشباب فـي جماعة العدل والإحسان تأهيلا للاضطلاع بواجباته فـي بناء الجماعة وتنزيل مشروعها التغييري استشرافا لموعود الخلافة الثانية علـى منهاج النبوة؛ واجباتٌ وأدوار نوردها مختصرة فيـما يلـي:
1. ضخ دينامية شبابية فـي جسم الجماعة، وتطوير أساليب اشتغالها مواكبة للمستجدات.
2. السير فـي الأقران قبل عموم الناس بنور الهداية والتوبة بالحال قبل المقال.
3. التعريف بمشروع الجماعة وتثبيت وجودها والذود عن مكاسبها، الساحة الطلابية نموذجا.
4. توعية الشباب بأدواره الطلائعية فـي حمل لواء التغيير والإصلاح.
5. التصدي لتيار الانحراف والتجريف القيمـيِّ من خلال بناء جبهة ممانعة مع مختلف الشبيبات الفاعلة قصد ممارسة الضغط علـى صناع القرار.
6. الانخراط فـي قضايا الشأن المحلـي والفعل المجتمعـي الميدانـي تعزيزا لمكانة الجماعة ورفع منسوب جاذبيتها.
إن مركزية الشباب لا تخطئها عين متتبع جماعة العدل والإحسان، جسدها الحضور الكثيف للمسألة الشبابية فـي مكتوبات الإمام المرشد بنفَس استشرافـيّ من يرى بنور الله، ورسخها احتضانه المباشـر ورعايته وتعهده للتلاميذ والطلبة، بل للزهرات والبراعم، سرعان ما تمأسس وأضحـى مكونا رئيسا من مكونات الجماعة، وأُحْدِثت للإشراف عليه مؤسسات مختصة؛ جهود مباركة أثمرت خراجا طيبا، وأهّلت أطراً مشهودا لها بالاستقامة سلوكا، وبالخبرة والكفاءة مهْنيا انزعج لمنسوب إشعاعها النظام، فابتدع (من البدعة وليس الإبداع) قرارا تعسفـيا سماه: الإعفاء من المهام الإدارية.
إن شباب الجماعة هم ثروتها، وبقدر ما يجب عليهم الوعـي بدورهم فيها، بقدر، وربما أكثر، علـى الجماعة أن تصنف الاهتمام بالشباب قضية استراتيجية ذات أولوية خاصة، كما جسدها فكر الإمام المرشد وجميل احتضانه وتعهده لهذه الفئة الحيوية فـي المجتمع. ذلك أن المهمة الأساسية للعاملين فـي حقل الدعوة “اليوم وغدا وبعد غد، أن نكون روحا سارية فـي المجتمع موصولة بأجيال بعدنا إلى يوم القيامة، تتحـسن نوعية إيمانها وترتفع همتها الإحسانية جيلا بعد جيل، وتنتشر، وتعم”. (سنة الله ص: 265).
والحمد لله رب العالمين.