يُقابل الفتوة مصطلح المراهقة، وهي العمر الفاصل بين الطفولة والرشد، وهو مصطلح مرتبط بالاضطراب والانحطاط الأخلاقي والإخفاق الدراسي والعقوق.. أو بالأحرى مصطلح جاء لتغييب البعد الروحي والديني والأخلاقي في مفهوم الشاب.
عكس مصطلح الفتوة، أو فتى، فكلمة فتى وردت في القرآن الكريم ست مرات؛ مذكرة ومؤنثة ومفردة وجمعاً.
والفتوة مرحلة الخصب والتطلع إلى المزيد، والقابلية للتغيير والتجديد. الشباب ثروة وثورة، ومن الواجب رعايته واحتضانه وتفعيله، فهو محطة اهتمام مختلف الأطراف خدمة لغايتها؛ النظام الفرعوني يُريد منه الخضوع للخنوع والفجور، وتتهافت الأحزاب السياسية على الشباب لأنها وقود حملاتها، وكذا الجماعات الإسلامية التي تُريد أن تحول من هذه القوة الشبابية العددية والنوعية من انفعال واندفاع إلى تجسيد الفتى كما هو في القرآن والمنهاج النبوي.
وقد تعددت مفاهيم الفتوة لُغةً واصطلاحاً، ومن أهم الآيات التي ذُكرت فيها:
إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13].
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء: 60].
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا [الكهف: 62].
خصائص مرحلة الشباب
1- الإيمان
فتية الكهف فرُّوا بدينهم إلى الكهف تحت رعاية الحق سبحانه، وقد فرُّوا جماعةً، ما يُسمى خلوة في جلوة، سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22]؛ تنبعث من الآية الكريمة أهمية الجماعة، لا يختلي المرء بنفسه وهواه، لنا خلوة في جلوة مع الجماعة، فالمؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.
وتميز فتية الكهف بالقوة واليقظة والفطنة، في الشورى بينهم والانتباه لكي لا يشعر بهم أحدًا في المدينة. وكلها صفات مقرونة بصفة الفتوة.
2- الاقتحام والشجاعة
الفتى إبراهيم، أي الشاب إبراهيم، وهو ما سماه الإمام عبد السلام ياسين بالفتوة الإبراهيمية، الشاب المقبل الباحث عن الحق، تميز بالشجاعة الأخلاقية والدينية التي ولَّدَت لديه الاقتحام، فكسر الأصنام بكل قوة.
من أين تأتي القوة؟
القوة تبدأ بتحطيم صنم النفس ما يخول لك تحطيم صنم الظلم. ولا يحصل ذلك إلا عند من له صفة الشجاعة، من الوجدان إلى الوجود، حيث يأتي الإيمان مُلحقاً بالشجاعة يليها الاقتحام. والشجاعة نقيض الخوف.
3- الخدمة والتواضع
خِدمة سيدنا يوشع لسيدنا موسى سلام الله عليهما، سمَّاها الإمام عبد السلام ياسين فتوة الخدمة. والخدمة نقيض الأنانية وتحطيم لصنم الأنا. لم يحب الإمام أن يُسميها تضحية، بل سمَّاها خصلة البذل، فالتضحية إيثار دنيوي والبذل له أجره في الدنيا والآخرة.
فما الجامع لكل هاته الخصال؟
الشباب في منهاج الإمام عبد السلام ياسين
الفتوة المحمدية، وهي الكاملة، الجامعة بين الصلاح الفردي والخلاص الجماعي، من إيمان واقتحام وخدمة، سمَّاها الإمام البناء. فالفتى في المنهاج النبوي هو النموذج المثالي الواصف لنموذج العدل والإحسان.
يتكون الشاب من خلال المؤسسات الثلاث: المؤسسة الأسرية، التعليمية، المجتمعية، لكل دوره في تكوينه. فلابد أن يكون للشاب ثوابت لكي لا يتأثر بما يُعيق سلوكه الدنيوي والديني، وليكون شامة وسط الأفراد، في الجوانب الثلاث: التربوي الدعوي، النقابي، الأكاديمي العلمي.
– تربويا ودعويا، على الشاب التزود بالإيمان، وقد ترك لنا الإمام عبد السلام ياسين إرثاً نورانيا ينظم حياتنا ووقتنا، هو يوم المؤمن وليلته؛ يُؤطر سلوكه فتكون له رسالة تغيير لنفسه ليُغير الله به الأمة، ولابد أن تكون لنا خلوة في جلوة، كفتية الكهف.
وخدمة دعوة الله؛ فتوة الخدمة، كيف يكون شباب الدعوة خُدَّاما لها؟ بخدمتهم للناس، فهي سعي للخير، وتتطلب الصبر ثم الصبر ثم الصبر.
– نقابيا؛ على الشاب أن يتسم بالشجاعة، ويكسر أصنام الخوف لكي يستطيع كسر أصنام الظلم وهدم الباطل.
والشجاعة نقيض الخوف، والخوف يُفقد المرء كرامته، ويُلزمه الخضوع للخنوع، ولا تُقرن الفتوة بالتنازل عن الحقوق واللامبالاة اتجاه الأمة، بل في ثبات الأقدام في الميادين ومواطن التدافع. يقول سيدي عبد القادر الجيلاني: “اثبت حتى تنبت.”
فعلى الشاب أن يكون ثابتا صادحاً بالحق، في المسيرات والمظاهرات وساحات الجامعة.. فهو جهاد كلمة الحق، اقتداءً بالصحابة الشباب حول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كانوا في ساحات الجهاد رغم صِغر سنهم: سيدنا مصعب بن عمير، سيدنا معاذ بن جبل، سيدنا أسامة بن زيد.. رضوان الله عليهم جميعا.
– أكاديميا علميا، علم نافع ينتفع به وينفع الأمة به.
“صلاح الأطفال في الكُّتاب،
وصلاح الشيوخ في المساجد،
وصلاح الشبان في العلم”.
يقول الإمام عبد السلام ياسين: “فمن العلوم العينية كتاب الله عز وجل تلاوة وحفظا وفهما، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دراسة واتباعا، وإتقان لغة القرآن لمحاربة الهيمنة الثقافية الأجنبية واحتلالها عقول أبنائنا وميادين حياتنا” 1.
ويُضيف: “ومن علوم الكفاية اللغات الأجنبية، والعلوم التجريبية التقنية، وعلوم التنظيم والإدارة، وعلوم السياسة والاجتماع. ونجرد كل هذه العلوم مما علق بها من مباشرة الجاهليين لها” 2.
وإن أكثر ما يحبه المستبد هو الجهل، والأمة الجاهلة تسهل على حاكمها حكمها عكس الأمة المتعلمة. فبالعلم تنهض الأمة من خوفها وخنوعها، وبالعلم يتولد الوعي؛ فيبدأ المرء بالسعي وراء حقوقه الشرعية متحررا من أسره مقبلا نحو الحرية.
فيا شباب العدل والإحسان اعلموا أن لا إله الا الله هي الملاذ، وفي توحيد الله قوة، وكسر لصنم النفس والخوف وقيود ظلم السلاطين والشياطين.
وأن خلاصنا الفردي مرهون بخلاصنا الجماعي.
وأن الصلة لا تحبس برازخ الموت.
وأن سر الجماعة يكمن في سر الصحبة. وبالخصال العشر يُبنى المرء ليبلغ الفتوة المحمدية.
رحم الله الإمام عبد السلام ياسين وغفر لنا تقصيرنا.