عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءَة (النكاح) فليتزوج، فإنه أغَضّ للبصر وأحصن للفرج» رواه الإمامان البخاري ومسلم.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي الشباب بالزواج ويحفزهم ويرغبهم فيه، يُعدد محاسنه وفضائله، وهو الخبير صلى الله عليه وسلم بنزوات الشباب وقوتهم وعنفوانهم، حيث الغرائز والشهوات في قمتها، وحيث الشيطان متربص بالشباب يزين لهم شهوة النساء ويملي لهم فعل الفواحش، وحرصا منه صلى الله عليه وسلم على تربية الشباب تربية إيمانية متوازنة تحافظ على الدين وتضمن للأمة النصر والتمكين، أوصاهم بالزواج كلما توفرت لأحدهم القدرة والرغبة في ذلك، فالباءة في الحديث تشمل الاستطاعة والقدرة على تحمل أعباء الزواج وتكاليفه المالية والجسدية، ومنها القدرة على الجماع والرغبة والميل إليه، وكذلك القيام بالمسؤولية.
المقصود هنا الشاب الذي وجد القدرة على النكاح، والرغبة والميل إليه، لأنه مستهدف من شياطين الإنس والجن، متأثر بإغراءات الشهوة، وهذا من شأنه أن يفسد عليه دينه، ويشتت قلبه، ويضعف إرادته وهمته، فيصبح عاجزا غير قادر على جهاد العدو ومجاهدة النفس.
نعم، هنالك الصوم وسيلة وأداة يمكن أن يستعين بها الشباب للتحكم في الشهوات والحد من تأثيرها، لأن الصوم نصف الصبر، كما أنه تضييق لمجاري الشيطان، وتشبه بالملائكة حيث النور والإيمان، ورغم ذلك يبقى الصوم وسيلة مؤقتة، أما الوسيلة الدائمة فهي الزواج لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، إنه وقاية وحصن بالنسبة للشباب. الزواج هنا عبادة وعبودية تامة لله لأنه يجمع شتات قلوب الشباب على الله، ويقوي الإرادة والهمة ويضعف الشهوة، كما أنه حصن وسياج يحميهم من النظر إلى ما حرم الله، أو الوقوع في الفاحشة لا قدر الله.
الزواج عبادة لأن الدافع إليه طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخوف من الوقوع فيما حرم الله، الزواج بالنسبة للشباب ضرورة وأولوية للتخلص من مغريات الشهوة وتحرير الإرادة للانطلاق في مسيرة العلم والإيمان، مسيرة بناء الشخصية الإيمانية المتوازنة، حيث تربية العلم في العقول، وتربية الإيمان في القلوب، حيث الإرادة القوية والهمة العالية، لأن الشباب المحصن بالزواج، المتخلق بأخلاق الإيمان، هم قوة الحاضر، وصمام أمان المستقبل.
لهذا نجد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يرغِّب الشباب في الزواج ويحثهم عليه، ويعدد محاسنه وفضائله، حتى اعتبره صلى الله عليه وسلم نصف الدين.
فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي. رواه الطبراني في الأوسط والحاكم ومن طريقه للبيهقي وقال الحاكم صحيح الإسناد، وفي رواية البيهقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي. حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
الزواج إذن عبادة وعبودية تامة لله عزوجل، وبه يتحصن الشباب من إغراءات الشهوة والغريزة، إنه نصف الدين، والذي بدونه يبقى دين الشاب والشابة ناقصا مهما اجتهد في سائر أنواع العبادات، إن هذه النظرة النبوية للزواج هي التي جعلت الشباب في عهد النبوة وعهد الخلافة الراشدة يقبلون على الزواج، حرصا منهم على استكمال دينهم والانجماع على الله.
إن شباب الأمة المسكين اليوم يعاني من إغراءات الشهوة والغريزة، والتي أبدعت الحضارة الغربية في إثارتها، من خلال إعلام الخلاعة والمجون، ومسلسلات قصص الحب والغرام، ومسابقات العري والانحلال، كما أنه يعاني أيضا من ظاهرة العزوف عن الزواج، وعدم وجود القدرة والرغبة والميل إليه، وانتشرت ظواهر غريبة وأمراض نفسية كثيرة من قبيل: التخنث، الشذوذ، المثلية… وهي نتائج طبيعية لمجتمع الحرية المطلقة وإطلاق العنان للشهوات والغرائز، مجتمع العري وإعلام الخلاعة والمجون، مجتمع الانحلال الخلقي.
إنه كلما لجأ الشباب إلى الزواج عبادة وتحصنا واستكمالا للدين، كلما تطهرت القلوب من وساوس النفس والشيطان، وإغراءات الشهوة والغريزة، وانعكس ذلك على المجتمع، فتطهّر من أمراض العري والتبرج و الزنا، والتخنث والشذوذ والمثلية، وكلما انتشرت ظاهرة العزوف عن الزواج كلما سيطرت الشهوة على القلوب، وانحرف الشباب عن الجادة، وضعفت منهم الإرادة والهمة، وتراجع مستواهم في تحصيل العلوم وإتقان الحِرف والمهن، ومالوا إلى التقليد ونفروا من الإبداع والتجديد، وأصبح شغلهم الشاغل، وهمهم الأول والأخير إشباع الغرائز والشهوات.
لقد صدقت يا رسول الله، صلى الله عليك وسلم عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. إن الزواج أغض للبصر وأحصن للفرج، الزواج نصف الدين، الزواج نصف السلوك إلى الله، الزواج تطهير للمجتمع من التبرج والزنا، الزواج مفتاح التربية المتوازنة بالنسبة للشباب، ومفتاح التماسك الاجتماعي بالنسبة للأمة.