الصلاة صلة ووصال

Cover Image for الصلاة صلة ووصال
نشر بتاريخ

تقديم:

الصلاة صلة والصلة اتصال والاتصال تواصل ووصال، والوصال معرفة والمعرفة حضور والحضور شهود وبين هذا وذاك شوق وفي الشوق ذوق ومن اشتاق ذاق ومن ذاق راق.

هذه هي الصلاة ومقام الصلاة وسموق الصلاة أيها الأحباب.

وروح الصلاة الخشوع فيها، قال الله -تعالى- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 1 ورونقها الصحبة والجماعة، 2 وهذا لا يأتي إلا بصحبة الخاشعين، وبالكلمة الطيبة حين تخالط بشاشتها القلوب. فميزان إيمان كل وارد وكل مؤمن ومؤمنة بينه وبين نفسه ما يجده من خشوع في صلاته، ينظر هل زاد إيمانه أو نقص ويحمل كل امرئ نفسه على الحضور في كل صلاته ما أمكن. فإنه لا يكتب له من صلاته إلا ما حضر فيه بقلبه ونيته مع الله عز وجل. والغفلات من طبيعتنا. فأدنى ما علينا، وأقصى ما نستطيع، أن نجتهد لنذكر الله كلما نسينا. ونستغفر الله ثلاث مرات دبر الصلاة ليجبر غفلاتنا ويغفر تقصيرنا.

وللصلاة آداب ينبغي التمسك بها لتجميلها وتهذيبها، وتاجها الصلاة لوقتها وفي المسجد مع الجماعة هي الضابط للمسلم، إذ تنقله من الوقت السائب، المقيد بعلاقات العمل والراحة والطعام واللهو، إلى الوقت الإيماني، المقيد بداعي الله خمس مرات في اليوم ومرة في الجمعة. تنقله من المكان السائب المنطلق في ساحة الغفلات، إلى بيت الله يلبي النداء رمزا للطاعة والانقياد. تنقله من الوحدة السائبة، وضياع الرفقة الغافلة، إلى صف المصلين المتراصين بين يد الله.

وينبغي الحرص على صلاتي الصبح والعشاء في المسجد والجماعة. وينبغي ألا يعذر الوارد على تأخير الصلاة عن وقتها ولا على التراخي في حضور الجماعة والمسجد. فما صلاة الفذ عند العذر، وما صلاة المرأة في بيتها إلا استثناء من القاعدة، وهي صلاة الجماعة. 3.

ولكي يضمن العبد دوام المذاق في وصله بربه ينبغي أن تكون الصلاة أولى أولوياته “صلاتك أولاً، ثم أطلب من الله ما شئت”، اللهم ارزقني قلباً لا يتكاسل عن الصلاة ولا يؤخرها. (علي الطنطاوي)

وبما أن الصلاة وصال بين المحب والمحبوب فقوامها عشق ومحبة، فكيف إذا كان الوصال بين العبد وربه؟ يقول جلال الدين الرومي: توضّأ بالمحبة قبل الماء.. فإن الصلاة بقلب حاقد لا تجوز.

أهمية الصلاة في الإسلام:

الصلاة لها الكثير مِنَ الآثار الإيجابيّةِ التي تَعودُ على الفرد والمُجتمع؛ فالصّلوات الخمس هي تزكية للنّفس وتطهيرٌ لها من أدران الذّنوب والمعاصي، وقد شبّهها النّبي عليه الصّلاة والسّلام بنهرٍ بباب أحدنا يغتسل منه خمس مرات في اليوم واللّيلة، فهل يبقى بعد ذلك من درنه شيء، فمن صلّى الصّلوات الخمس وأقامها في أوقاتها يتحصّل على الأجر منها فتُكفّر له خطاياه.

 الصّلوات الخمس توثّق الصّلة بين العبد وربّه، وتجعل المسلم في اتصال دائمٍ مع الله تعالى، ولا شكّ بأنّ ذلك يُشعر المسلم بالعزّة من اتصاله بالله، كما يشعره بالاطمئنان والسّكينة بأنّ من يصلي له هو ربّه جلّ وعلا الذي سيحميه من السّوء ويدفع عنه الأذى، وفي الأثر من أراد أن يُكلِّم الله تعالى فليصلّي ومن أراد أن يُكلِّمُه الله تعالى فليقرأ القرآن. 4

الصّلاة في الإسلام هي تربيةٌ للمسلم على الخشوع ورقّة القلب في علاقته مع الله تعالى وفي علاقته مع النّاس، وبالتّالي يكون المسلم متسامحًا رفيقًا في كلامه وفعله مع النّاس، لما تُحدثه الصّلاة من أثرٍ عجيبٍ في ترقيق القلوب وتهذيبها حين تتّصل بالله تعالى الذي كانت من صفاته الحسنى أنّه رحمن رحيم.

ومنها ما يأتي: 5 تجعلُ العبدَ على دوام الصّلة بِربِّه، ويُغذِّي نفسَه بِطاعة الله وذِكره، ويُبعدُ عن نفسِه الخطايا، بالإضافة إلى أنّها سببٌ لاستقامةِ العبدِ، وصلاحه وصلاحِ أخلاقه، وسلامةِ قلبه وعقله. تجعلُ العبدَ يُفْرِدُ خالقهُ بِالعِبادة والتوحيد، كما أنّ التوجّه للقِبلة فيه رمزٌ لِوحدة المُسلمين، وفي السّجود تَمام التسليم والخُضوع لله -تعالى-. تُزيلُ الحقدَ والبغضاء بين أفراد المُجتمع من خلال اصطفافِهم وتلاصُقهم بِجانب بعضهم في الصلاة، وتَزيدُهم قوّة من خلال التغيير الذي يَحصل بأدائِها في جماعة. تُظهر الوحدة بين أفراد المُجتمع من خلال الالتزام بها والاجتماع لأدائها. تحفظُ الإنسان الذي يُحافظُ عليها بِخُشوعها وآدابها، وتُبعِدُهُ عن الشرك، وتُكسِبه العِزّة والتواضع والتقوى. 6

قبسات من نور الصلاة في حياة الصحابة:

في هذا الصدد اخترت لأحبتي مقالا عبقا في حب الصلاة والشوق إليها أتقاسمه معكم داعيا الله سبحانه وتعالى أن يجعل الصلاة نور طريقنا ونبراس منهجنا وأن يجعلها حجة لنا مبيضة لوجوهنا يوم القيامة.

قد عرف السلف الصالح رضي الله عنهم منزلة هذه الصلاة 7، فحافظوا عليها، بل أحبوها واشتاقوا إليها، كيف لا وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر أو أصابته شدة فزع إلى الصلاة، وكانت قرة عينه في الصلاة، وكان ينادي بلالاً فيقول: “أقم الصلاة؛ أرحنا بها يا بلال”. بل لم يكن يكتفي بهذه الصلوات المفروضات من شدة حبه للصلاة، فكان يقوم الليل يحييه بالصلاة ويطيل الصلاة، اسمع إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه). يقول فيه عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

 يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

وقال عنه شوقي رحمه الله:

 محيي الليل صلاة لا يقطعهـــا

إلا بدمع من الإشفاق منسجـــــم

 مسبحا لك جنح الليل محتملا

ضرا من السهد أو ضرا من الــورم

 رضيَّةً نفسه لا تشتكـي سأمـا

وما على الحب إن أخلصت من سأَم
وانظر إلى الفاروق رضي الله عنه يعلنها مدوية: (ألا إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع). ولما طُعن رضي الله عنه وحُمل إلى بيته فغشي عليه قالوا: إنكم لن توقظوه بشيء مثل الصلاة. فقالوا له: الصلاة يا أمير المؤمنين، فأفاق وقال: أصلَّى الناس؟ قالوا: نعم. قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحه ليثعب دمًا. أما بلال بن رباح رضي الله عنه فحاله مع الصلاة عجيب، فإنه ما توضأ وضوءً في ساعة ليل أو نهار إلا صلى به ما شاء الله أن يصلي، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: “فإني سمعتُ دف نعليك بين يدي في الجنة”. أما عدي بن حاتم رضي الله عنه فكان يقول: (ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها). وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقرأ القرآن في ركعة، وأبو سفيان رضي الله عنه كان يصلي في الصف نصف النهار ثم يمسك إذا كان وقت الكراهة ثم يصلي من الظهر إلى العصر. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليوم الذي مات فيه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي فإذا اقترب الفجر كان يوقظ الناس للصلاة فيقول: الصلاة الصلاة. وقال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك. وهذا سيد العبّاد بعد الصحابة – كما سماه الشاطبي – سيد التابعين أويس بن عامر القرني – رحمه الله تعالى – يحن إلى الصلاة حتى لا يكاد يفارقها، فقد ذكر الربيع بن خيثم، قال: أتيت أويسًا القرني فوجدته قد صلى الصبح وقعد، فقلت: لا أشغله عن التسبيح، فلما كان وقت الصلاة قام فصلى إلى الظهر، فلما صلى الظهر صلى إلى العصر، فلما صلى العصر قعد يذكر الله إلى المغرب، فلما صلى المغرب صلى إلى العشاء، فلما صلى العشاء صلى إلى الصبح، فلما صلى الصبح جلس فأخذته عينه، ثم انتبه، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من عين نوّامة وبطن لا تشبع. ولا تعجب أيها الحبيب، فهذا الرجل كان يقول: لأعبدنّ الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء. نسأل الله أن يجعل قرة أعيننا في الصلاة وفي طاعته، والحمد لله رب العالمين.

أقوال وإضاءات في الصلاة:

ومن أجمل ما ورد في الصلاة بعد كتاب الله تعالى من أحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأقوال الشيوخ والعلماء والمفكرين – من مشارب ومذاهب مختلفة – نورد ما يلي:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث الشريفة عن الصلاة ومنها:

–       “أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة عن الصلاة، فإن صلحت، صلح سائر عمله، وإن فسدت، فسد سائر عمله”.

–       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حافظ عليها – أي الصلاة كانت له نورا وبرهانا يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف). (ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وضوءها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ).

–       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فيُتِمُّ الطُّهُورَ الذي كَتَبَ اللَّهُ عليه، فيُصَلِّي هذِه الصَّلَواتِ الخَمْسَ، إلَّا كانَتْ كَفّاراتٍ لِما بيْنَها).

–       الحسن البصري قال: “تفـقـَّـد الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة والقرآن والذكر، فإن وجدت ذلك فأمض وأبشر، وإلا فاعلم أن بابك مغلق فعالج فتحه”.

–        أبو بكر الصديق قال: “من حافظ عليها – أي الصلاة- كانت له نورًا وبرهانا ونجاة من النار”.

–       أحمد خيري العمري قال: الصّلاةُ يُمكن لها أن تُحدث تغيراً مستمراً فيك، في سلوكك، وفي جعلِكَ إنساناً كُنت تريدُ، دوماً، سراً أو علناً، أن تكونه.

–       خالد أبو شادي قال: العبد في حال غفلته كالهارب من مولاه، فإذا جاء إلى الصلاة كان كالعائد إليه والراجع إلى ملكه، لكن بأي وجه يرجع؟!

–       عبد الله المبارك قال: إنه ليس إلا وجه التذلل والانكسار، ليستدعي عطف سيده وإقباله بعد أن أعرض عنه.

–       أدهم الشرقاوي: في صلاة الفجر شيء لا تستطيع حتى نسبية أينشتاين أن تشرحه، وهي اسجد لترتفع.

–       محمد الغزالي: إن الصلاة مع الرياء أمست جريمة، وبعد ما فقدت روح الإخلاص باتت صورة ميتة لا خير فيها.

–       المهاتما غاندي: صلاة في القلب بلا كلام، خير من صلاة بالكلام والقلب عنها غائب.

–       نيكولاس سباركس: إن حياة بلا صلاة هي أمر لا يمكنني تخيُّله. علي الطنطاوي: ليس في الدنيا شيء أجلَّ ولا أجملَ من الصلاة.

–       نبال قندس: أَخجل من الله، إذا نادى المنادي للصَلاة وصدح بصوته: الصلاة خير من النوم، فأُعجّل لتَلبية النداء حبًّا بالله وتقرّبًا منه وخَجلًا، فما بال الذين لا يسمعون وإذا سمعوا لا يُلبّونْ، أين سَيذهبون بوجوههم من الله؟

–       مصطفى محمود: قبل الأمر بالصلاة والصيام وقبل تفصيل الشرائع وقبل الكلام عن العقيدة، قال الله: “اقرأ “.

–       أبو حامد الغزالي: قوة الصلاة تصل الخادم بالمخدوم سرًا.

–       علي عزّت بيجوفيتش: ليست الصلاة مجرّد تعبير عن موقف الإسلام من العالم، إنما هي أيضًا انعكاس للطريقة التي يريد الإسلام بها تنظيم هذا العالم.

–       حجي جابر: كيف تستطيع صلاة واحدة أن تزيل صدأ الروح، بحيث يعود الواحد أنقى في كل مرة؟

–       هيكنز: صلاتنا ورحمة الله هما مثل دلوين في بئر، عندما يرتفع الواحد ينزل الآخر.

–       وليم كوبر: يرتجف الشيطان عندما يرى أضعف مؤمن على ركبتيه.

–       بلي جراهم: في هذا العصر المتقدّم، تعلمنا أن نستخدم كل قوة وكل طاقة في الطبيعة لإنارة مُدننا، وإشغال محرّكاتنا، ودفع آلياتنا، وإلى ما هنالك، لكن قلّة قليلة منا تعلم استخدام قوة الصلاة في حياتنا.

 وختاما، أحبتي، الله الله في الصلاة، فهي تزكية وطهر وروح وريحان.


[1] سورة المؤمنون، آية: 1-2.
[2] المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا ـ عبد السلام ياسين ـ ص 156، 157 ـ الطبعة الثانية 1989 ـ الشركة العربية الإفريقية للنشر والتوزيع
[3] المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص 156
[4] أهمية الصلاة في الإسلام – عن موقع https://horofar.com/
[5] ياسين عبد الصمد كريدي التميمي، أثر الصلاة في تشكيل الفكر التربوي الإسلامي، صفحة 140-142. بتصرّف.
[6] الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 131، جزء 30. بتصرّف. ما هم فضل الصلاة عن موقع https://mawdoo3.com .
[7] حب الصلاة والشوق إليها – عن موقع https://ar.islamway.net/