قال الشيخ ماء العينين: قال بعض العلماء إن فيها “يعني الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم” ثلاث خصال ما اجتمعت في غيرها: وهي ذكر الله وذكر نبيه وكونها دعاء، واعلم أن زيادة الصلاة على النبي لفاعلها أمر مشهور وفضلها ظاهر ومذكور.
نكت لطيفة في فوائد الصلاة عليه صلى الله وسلم عليه لابن الجوزي:
قال في البستان ص: 364: واعلموا رحمكم الله أن في الصلاة على نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم إشارات جميلة ونكتا كثيرة، وذلك أن الله تعالى أجرى الصلاة على النبي الرشيد، السيد السديد، مجرى شهادة التوحيد، قال تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة آل عمران: 18. وهكذا قال رب القريب والبعيد، وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصادق الرشيد: إن الله وملائكته يصلون على النبي الأحزاب: 56.
إشارة حسنة ونكتة مليحة. قال الله تعالى: فاذكروني أذكركم البقرة: 152. ولم يقل: أذكركم عشر مرات، وقال تعالى وجل وعلا: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا الحشر: 7. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا). فكأن الله سبحانه وتعالى يقول: عبدي إذا أثنيت علي مرة أثنيت عليك مرة، وإذا أثنيت على حبيبي مرة أثنيت عليك عشراً، لأنه أكرم الخلق علي وأجلهم عندي.
– ثانية: قال الله تبارك وتعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي. وقال في المؤمنين: هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور الأحزاب: 43. بصلاتكم على النبي المحبوب.
وأنشدوا:
فأكثروا التسليم بعد صـلاتكم
للسيد المختار ذاك الأمجد
ومن يك ذا بخل شديد بذكره
فذاك عن الحق المنير مبعد
إشارات وبشارات:
قال ابن الجوزي في البستان ص: 371: إشارة حسنة: وذلك أن الصلاة من الملك الجبار رحمة ونجاة من عذاب النار، لأن الله إذا صلى على المؤمنين فقد رحمهم.
إشارة أخرى: قال الله تعالى: إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض يونس: 24. وقوله: كأن لم تغن بالأمس يونس: 24. فإذا جاءت الساعة بعذابها وأهوالها ذهب نبات الأرض وتلاشى في جنب العذاب، حتى تبقى الأرض كأن لم يكن فيها نبات قط، وإذا كان هذا فعل العذاب فرحمة الله أولى وأكثر إذا جاءت تلاشت ذنوب المؤمنين في جنبها كأن لم تكن قط، هذا في رحمة الله الكريم مرة واحدة فكيف في عشر مرات ؟!. فهذه بشارة حسنة للمؤمنين والمؤمنات بكثرة صلاتهم على سيد السادات، وخير البريات. روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله تعالى ولم يذكرواْ النبي صلى الله عليه وسلم، إلا كان ذلك المجلس عليهم وبالا وحسرة يوم القيامة]. فتزينواْ يا أمته وزينواْ مجالسكم بالصلاة على نبيكم صلى الله عليه وسلم.
طيب المجلس الذي صلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم:
قال ابن الجوزي في بستان الواعظين ص: 353: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال: (ما جلس قوم مجلساً فتفرقواْ عن غير صلاة علي إلا تفرقواْ عن أنتن من جيفة حمار)، فإذا كان المجلس الذي لا يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم تفرق أهله عن أنتن من جيفة حمار، فلا غرو أن يتفرق المصلون عليه من مجلسهم عن أطيب من خزامة العطار. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين، وكان إذا تكلم امتلأ المجلس بريح المسك، فكذلك مجلس يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم نمت فيه رائحة تخترق السماوات السبع حتى تنتهي إلى العرش ويجد كل من خلق الله ريحها في الأرض غير الإنس والجن فإنهم لو وجدوا تلك الرائحة اشتغل كل منهم بلذته عن معيشته، ولا يجد تلك الرائحة ملك أو خلق من خلق الله تعالى إلا استغفر لأهل المجلس، ويكتب لهم بعدد هذا الخلق كلهم حسنات، ويرفع لهم درجات، سواء كان بالمجلس واحد أو ألف كل واحد يأخذ من الأجر مثل هذا العدد، وما عند الله تعالى أكثر. فيا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا على حبيب غُذي بماء الوصال، وكُسي ثوب الجمال والكمال، وزين بكتاب الكريم المتعال. “….”
وأنشدوا:
نـــور النبي عـلا على الأنـوار
فهو الدلـيل لسبل دار قـرار
صلـوا علـيه لعـلكم تنـجوا بـه
يوم الحساب وكشفه الأسـرار
صلـوا على القمر الـمنير إذا بـدا
فهـو الحبـيب لربنا الجـبار
صـلوا على نـور تكـون بالهـدى
فهو الشـفيع لصاحب الأوزار
عباد الله ارغبوا فيما رغبكم فيه الملك القهار، من فضل الصلاة على نبيه المختار ولا تغفلوا عن الصلاة عليه بالليل والنهار، فإن الله ينجيكم بها من عذاب النار، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، الصلاة على النبي فضيلة جزيلة، والصلاة على أصحابه سنة وفضيلة، والصلاة على الملائكة قربة ووسيلة، صلوا رحمكم الله على النبي الرفيع، والنور البديع والحبيب الشفيع، أكرم من ولد، وأعز من فقد،
وانشدوا:
صـلاة رب مـاجـد وهـاب
على النبي الصـادق الأواب
صلوا على المختار أنوار الهدى
صلوا عليه معـشر الأحباب
صلوا على النـور البهي محمد
صلوا عليه جماعة الأصحاب
عـجيبـة:
ذكرها ابن الجوزي في بستان الواعظين ص: 341: (قلت: ولدي أكثر من رواية لمثل هذا الحديث) روي عن محمد بن النعمان رضي الله عنه أنه قال: “كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه فتى من الأنصار في حاجة فوسع له رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر لعلك يشق عليك أن أجلست هذا الفتى بيني وبينك؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: إي والله يا رسول الله إنه ليشق علي أن يكون بيني وبينك أحد”.
فضل المصلي وأبو بكر:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر هذا الفتى يصلي علي صلاة، ما يصليها علي أحد من أمتي، فقال أبو بكر رضي الله عنه: كيف يقول يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: اللهم صل على محمد عدد من صلى عليه، وصل على محمد عدد من لم يصل عليه، وصل على محمد كما أمرت بالصلاة عليه، وصل على محمد كما تحب أن يصلى عليه، وصل على محمد كما ينبغي أن يصلى عليه). واعلم يا أخي علما يقينا لا شك فيه أنه ليس أحد أحظى عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا عند ربنا سبحانه بعد النبيين من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم عمر بعده كذلك، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وصلوات الله ورحمته عليهم وعلى العشرة وجميع الصحابة، ولكن خص النبي صلى الله عليه وسلم الفتى بإقعاده بينه وبين أبي بكر لما ألهمه الله من تلك الصلاة فأكرمه النبي كذلك، صلوات الله وسلامه عليه، ما حن مشتاق إليه. “…” ص: 343:
وأنشدواْ:
لهـجت بذكـرك مهجتي ولساني
وحللت من قلـبي بكل مـكان
فـأنا بذكـرك في البـرية كـلها
علـم وحـبك آخـذ بعـناني
سلطان حبك في الهوى عين الهوى
وبه تعزز في الهوى سلطاني
أنـت النـبي الهاشـمي محــمد
صلى الإله عليك في القـرآن
أنـت الحبـيب لأهل ديـنك كلهم
يـوم المعاد وموقف الخسران
أنـت الشفيع لمن عصى رب العلا
أنـت الـدليل لجنة الرضوان
فلأ ذكـرنك ما بقـيـت معـمرا
حتى الممات ولا يـمل لساني
فصـلاة ربي ماجـد ومهـيـمن
تترى عليك تعاقـب المـلوان