فائدة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن الجوزي في كتابه بستان الواعظين ورياض السامعين، ص 367-368: توسلواْ بالصلاة على النبي الرفيق، والحبيب الشفيق، يغفر لكم مولاكم ما عملتم من الآثام، ويدخلكم برحمته دار الخلد والسلام، توسلواْ بالصلاة على النبي المختار، يكن شفيعكم من عذاب دار البوار، وينجيكم مولاكم من سموم النار، ويدخلكم برحمته جنات تجري من تحتها الأنهار، توسلواْ بالصلاة على النبي الصادق الأواب، ينجيكم مولاكم من أليم العذاب، ويدخلكم الجنة وحسن المآب. توسلواْ بالصلاة على النبي الرشيد، ينجيكم مولاكم من العذاب الشديد، ويدخلكم برحمته النعيم الذي لا يبيد. توسلواْ بالصلاة على النبي البر الرؤوف الرحيم، يدخلكم مولاكم جنات النعيم، وينجيكم برحمته من سموم الجحيم.
روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: [الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمحق للذنوب من الماء البارد للنار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عتق الرقاب، فاسمعواْ وعواْ يا أولي العقول والألباب].
وأنشدواْ:
تواترت الخيرات شرقاً ومغربـاً
بذكر رسول الله في السر والجهـر
فـذكرك للمختار فخر ورفعـة
وذكرك للمختار من أفضـل الذكـر
ذكر في بعض الأخبار أنه إذا كان يوم القيامة وضعت حسنات بعض المؤمنين وسيئاتهم في الميزان، فترجح سيئاتهم على حسناتهم، فيشفق المؤمنون لذلك، فتنزل صحائف بيض من عند الله تبارك وتعالى على حسناتهم فترجح حسناتهم على سيئاتهم فيقول الرب جل جلاله: (هذه صلاتكم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثقلت بها موازينكم، وجعلتها لكم ذخيرة وقربة). فهذا يا إخواني فضل الله العظيم، بالصلاة على الرسول الرؤوف الرحيم.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تذهب في الديْن يوم القيامة
سمعت من أحد العلماء رحمه الله قوله: أنه من الأسرار التي أخذناها بالسند عن بعض علمائنا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تذهب في الدين يوم القيامة كما تذهب الحسنات التي كسبها العبد لِما ورد في الحديث أن العبد يأتي يوم القيامة وقد سب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا… فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى تنفذ كل حسناته، فتبقى صلاته على النبي محفوظة له لا تذهب في الدين.. كما في الأثر السابق.
في بعض الآداب في لفظة الصلاة والسلام على سيد الأنام
قال السيد محمد حقي النازلي في خزينة الأسرار ص: 203- 204: قال أهل الحديث والتفسير أن الصلاة والسلام على سيد الأنام أفضل العبادات وأحسن الحالات وأعظم القربات وأشرف المقامات لقوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنواْ صلواْ عليه وسلمواْ تسليما. اعلم أن آداب لفظة الصلاة والسلام على سيد الأنام أن يذكر المصلي فيها اسما من أسماء الله حقيقة أو حكماً فمن لم يسند الصلاة إلى الله تعالى فلا يعد منها ويجوز الصلاة والسلام على سيدنا محمد أي ليصل الله على محمد وليكن صلاة الله على محمد على طريق الإنشاء، وأما السلام فهو من أسماء الله تعالى، وأفضل أسمائه وأعظمها هو اسم الله تعالى، وأصل اللهم: يا الله فحذف حرف النداء وجعل الميم بدلا منه (….). [قلت: وقيل: إن أصل اللهم: يا الله وأن الميم المفتوحة المشددة زيدت لتشعر بأن هذا الاسم الأعظم اجتمعت فيه أسماء الله كلها، فالاسم الأعظم *الله* هو المستغرق لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، والميم مشعرة ومعينة على كمال استحضار ذلك الاستغراق، لأنها هي المستغرقة لجميع الأسماء فافهم ذلك]. وأيضا يذكر فيها اسم محمد فهو أفضل أسمائه وإن جازت الصلاة بذكر صفته كالنبي والرسول لكن اسم محمد وقع التعبد به دون غيره، وفي ذكر اسم محمد في أثناء الصلاة فوائد كثيرة منها أن الملائكة تنادي بالصلاة على المصلي لما أخرجه ابن أبي الدنيا: (من قال: صلى الله عليك يا محمد سبعين مرة ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان لم تسقط لك حاجة) أي إلا قضيت. ومنها مزيد من التفخيم والتعظيم وللإيذان بأنه الاسم الأعظم الذي أسس عليه الدين المحمدي وبه فسر قوله (هل تعلم له سميا). ومنها التبرك والتشرف به والتوصل إلى ذاته المحمدية. وأيضا يذكر في أثناء الصلاة اسم آله وأصحابه لما ورد من الأمر بالتعميم، وأخرج أبو سعيد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قالوا وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد وتسكتون بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد). ليدخل جميع أمته تحت ذكر الآل. [قلت: قيل: لكن لا بد من لحظ آله صلى الله عليه وسلم بمزيد تعظيم وتشريف وتكريم كما لا يخفى على ذي العقل السليم، فلا بد فيه بعد التعميم بجميع أمته من التخصيص لآله]. فإن الصلاة امتثال لأمر الله تعالى وتبع للملائكة وتعظيم وتوقير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وثناء عليه ودعاء لأمته جميعاً حتى نفس المصلي، وفي ذكر الآل فائدة أخرى: سرعة الإجابة وحصول المطلوب لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب) وغيرها من الفوائد كما بيناه وأيضا يذكر المصلي في أثناء الصلاة مطلوبه ومقصوده ومحذوره (….) وفيه إشارة إلى قوله تعالى: (يسأله من في السماوات والأرض) وإلى قوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يسأل الله يغضب عليه) ويجوز ذكر الصلاة الواحدة أو السلام الواحد مكرراً بل هو أفضل من ذكر الصلوات المتعددة كما قال بعض الخواص: خذ حرفاً قل ألفاً، فإن مفتاح الأسرار ذكر الورد بالتكرار…. ويكون ذلك الورد اسما أعظم من حقك لدوامك بالتكرار إليه ولقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب الملحين في السؤال والمكررين في الطلب) (…) وأيضاً في أثناء ذكر الصلاة اسم العدد لتكثير الثواب والأجور على طريق إحاطة كل شيء علماً في خزائن رحمة الله وراجيا إحسانه بالزيادات على نبيه وعلى أمته أجمعين وعلى نفس المصلي، ولا يبخل أثناء صلاته وسلامه وتوحيده وتهليله وتسبيحه فضل الله وكرمه وإحسانه لعباده المؤمنين بعدم ذكر العدد لما أخرج النسائي وابن حبان والحاكم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه فقال: ماذا تقول يا أبا أمامة؟ قال: أذكر ربي، قال: ألا أخبرك بأكثر وأفضل من ذكرك الليل مع النهار: أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء الأرض والسماء، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدد كل شيء، وسبحان الله ملء كل شيء، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك) وغيرها مثل ذلك، ولا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم الله (…)
وأخرج الطبراني والترمذي والبزار عن صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنها جمعت عندها أربعة آلاف نواة لتعد بها تسبيحاً، فجاء صلى الله عليه وسلم ووقف عند رأسها فقال: (قد سبحت منذ وقفت على رأسك أكثر من هذا، أي أكثر من مجموع هذا العدد من غير طي اللسان أو بسط الزمان فقالت: علمني يا رسول الله في زمان يسير تسبيحي بعدد كثير، فقال: سبحان الله عدد ما خلق) أي تصوري جميع أفراد مخلوقاته. ثم إن العلماء والمشايخ رحمهم الله تعالى أجروا ذكر العدد في التهليلات والتسبيحات والصلوات لكثير الثواب والأجور. انتهى
وقال الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين في كتاب الإحسان ج1 ص: 300-301: قال صلى الله عليه وسلم في رواية أحمد والنسائي بإسناد حسن عن زيد بن خارجة: (صلوا علي، فاجتهدوا في الدعاء وقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد). اللهم شكرا على نعمتك العظمى وتعرضا لوعدك الكريم نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
(حكاية): قال عبد الله بن الحكم: رأيت الشافعي في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما تزف العروس، ونثر علي كما ينثر على العروس. فقلت: بم بلغت هذه الحال؟ فقال لي قائل: يقول لك: بما في كتاب الرسالة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: فكيف ذلك؟ قال: وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون. قال: فلما أصبحت نظرت إلى الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت صلى الله عليه وسلم. (قلت: ويروي أصحاب الحديث روايات كثيرة من أمثال هذه الرواية).
قال صاحب التحفة المرضية ص: 10: اختلف فيمن قال: اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما خلق وشبه ذلك، هل يحصل له أجر واحد أو بعدد ما ذكره؟ ذهب الإمام التلمساني إلى أنه يحصل له الأجر بعدد ما ذكر ولا حرج على فضل الله، ويؤيد ذلك ما ذكره الإمام الجزري في الحصن الحصين عن الإمام أبي داود وصحيح المستدرك للحاكم: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية وبين يديها أربعة آلاف نواة تسبح الله بهن فقال: قد سبحت منذ وقفت على رأسك أكثر من هذا، قالت: علمني، قال: قولي سبحان الله عدد ما خلق).