ذكر المواطن التي يتأكد ويستحب فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -2-
– عند إلمام الفقر والحاجة أو خوف وقوعه: روى أبو نعيم عن جابر بن سمرة السوائي والد جابر رضي الله عنهما قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله ما أقرب الأعمال إلى الله؟ قال: صدق الحديث وأداء الأمانة. قلت يا رسول الله زدنا، قال: صلاة الليل وصوم الهواجر، قلت يا رسول الله زدنا، قال كثرة الذكر والصلاة علي تنفي الفقر. قلت يا رسول الله زدنا، قال: من أم قوماً فليخفف، فإن فيهم الكبير والعليل والصغير وذا الحاجة) قال السخاوي: أخرجه أبو نعيم بسند وأخرجه القرطبي بلا إسناد من حديث أبي بكر الصديق وجابر بن عبد الله ويحتاج ذلك إلى تحرير.
وقال أيضا: وحكى عبد الله القسطلاني أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فشكا إليه الفقر فقال له: قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وهب لنا من رزقك الحلال الطيب المبارك ما نصون به وجوهنا عن التعرض إلى أحد من خلقك، واجعل لنا اللهم إليه طريقاً سهلا من غير تعب ولا نصب ولا منة ولا تبعة وجنبنا اللهم الحرام حيث كان وأين كان وعند من كان وحل بيننا وبين أهله واقبض عنا أيديهم واصرف عنا قلوبهم حتى لا تنقلب إلا فيما يرضيك ولا نستعين بنعمتك إلا على ما تحب يا أرحم الراحمين.
- عند افتتاح الكلام وعند كل أمر ذي بال: روي عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله تعالى والصلاة علي فهو أقطع ممحوق من كل بركة) ذكره في الجامع عن الرهاوي وسكت.
- عند طنين الأذن وخدر الرجل: لما ذكره في الجامع الصغير: (إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي، وليقل ذكر الله من ذكرني بخير) ثم قال الترمذي وابن السني ورمز للعقيلي والطبراني وابن عدي عن أبي رافع وعنه وقال شارحه هو حديث حسن.
وأما الصلاة عليه عند خدر الرجل فرواه ابن السني من طريق الهيثم بن حنش وابن بشكوال من طريق أبي سعيد قال كنا عند ابن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل أذكر أحب الناس إليك، فقال: يا محمد صلى الله عليك وسلم، فكأنما نشط من عقال. قلت وفيه روايات عديدة.
- عند العطاس: قال السخاوي وأما الصلاة عليه عند العطاس فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عطس فقال الحمد لله على كل حال ما كان من حال وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته أخرج الله من منخره الأيسر طائراً يقول اللهم اغفر لقائلها) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس له بسند ضعيف.
وعند ابن بشكوال من حديث ابن عباس مرفوعاً مثله إلى قوله: الأيسر وقال بعده: (طيراً أكبر من الذباب وأصغر من الجراد يرفرف تحت العرش يقول اللهم اغفر لقائلها). وسنده كما قال المجد اللغوي لا بأس به سوى أن فيه يزيد بن أبي زياد وقد ضعفه كثيرون لكن أخرج له مسلم متابعة والله أعلم.
- عند الشدائد والهموم والكروب والمضايق: وقد تقدم الحديث عنه.
- عقب الذنب إذا أراد أن يكفر عنه: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا علي فإن الصلاة علي كفارة لكم فمن صلى علي صلى الله عليه عشراً).
وحديث أبي كاهل: (يا أبا كاهل من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاث مرات حباً أو شوقاً إلي كان حقاً على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة أو ذلك اليوم).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلواْ علي فإن الصلاة علي زكاة لكم). قال ابن القيم: والزكاة تتضمن النماء والبركة والطهارة، والذي قبله فيه أنها كفارة وهي تتضمن محو الذنوب، فتضمن الحديثان أن بالصلاة عليه صلى الله وسلم عليه تحصل طهارة النفس من رذائلها ويثبت لها النماء والزيادة في كمالاتها وفضائلها، وإلى هذين الأمرين يرجع كمال النفس، فعلم أنه لا كمال للنفس إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي هي من لوازم محبته ومتابعته وتقديمه على من سواه من المخلوقين صلى الله عليه وسلم.
– في الصباح والمساء: لحديث أبي الدرداء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة) ذكره في الجامع برمز الطبراني وحسنه.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مما لم أقف له على أصل: (من صلى علي مساء غفر له قبل أن يصبح ومن صلى عليه صباحا غفر له قبل أن يمسي).
- إذا نسي الشيء وأراد ذكره: ذكره الحافظ أبو موسى المديني وروى فيه من طريق محمد بن عتاب المروزي أنبأ أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نسيتم شيئاً فصلواْ علي تذكروه إن شاء الله) قال الحافظ وذكرناه من غير هذا الطريق في كتاب الحفظ والنسيان.
- عند لقاء الإخوان: لحديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من عبدين متحابين في الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر) رواه ابن السني وذكره الحافظ رشيد الدين. وفي لفظ:(ما من مسلمين يلتقيان…ما تقدم منها وما تأخر). رواه ابن بشكوال وهو غريب في ذكر ما تأخر.
- عند زيارته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: فعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) صححه النووي في الأذكار وقال ابن حجر رواته ثقات. قال الإمام الحافظ السخاوي الشافعي: قال شيخ الإسلام أبو الحسن السبكي في شفاء الأسقام له: اعتمد جماعة من الأئمة على هذا الحديث يعني: “ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي” الحديث، في استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وهو اعتماد صحيح لأن الزائر إذا سلم وقع الرد عليه عن قرب وتلك فضيلة مطلوبة يسرها الله لنا عودا على بدءٍ.
وذكر أيضاً: ويستحب لقاصده صلى الله عليه وسلم إذا وقع بصره على معاهد المدينة وحرمها ونخيلها وأماكنها الإكثار من الصلاة عليه والتسليم {ويضاعف ذلك}، وكلما قرب من المدينة وعمرانها زاد من ذلك، ويستحضر تعظيم عرصاتها، وتبجيل منازلها ورحباتها، فإن المواطن عمرت بالوحي والتنزيل، وكثر فيها ترداد أبي الفتوح جبريل، وأبي الغنائم ميكائيل، واشتملت تربتها على سيد البشر، وانتشر عنها من دين الله تعالى وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتشر، فهي مشاهد الفضائل والخيرات، ومعاهد البراهين والمعجزات، وليملأ قلبه من هيبته وتعظيمه وإجلاله ومحبته كأنه يراه ويشاهده محققاً أنه يسمع سلامه وفي الشدائد يساعده وليتجنب الخصام والخوض فيما لا ينبغي من الفعل والكلام.
وقد قال بعض المتأخرين أنه يستحب لمن مر بمنزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو موضع جلس فيه أن يصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، واستأنس لذلك بما أخرجه البخاري من حديث عبد الله مولى أسماء أنه كان يسمع أسماء تقول كلما مرت بالحجون: “صلى الله على رسوله لقد نزلنا معه ها هنا ونحن خفاف الحقائب”. الحديث.
وجاء في قصة العتبى الذي قال كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ولو أنهم إذ ظلمواْ أنفسهم جاؤوك فاستغفرواْ الله واستغفر لهم الرسول لوجدواْ الله تواباً رحيماً وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي، وأنشد يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ** فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفـداء لقبر أنت ساكنه ** فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: (اِلحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له). وهذه القصة ذكرها العديد من فحول العلماء، والمروي عن علماء الأمة في صيغ زيارته كثير جداً
قال ابن أبي فديك سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتلى: إن الله وملائكته يصلون على النبي الآية ثم قال: صلى الله عليك يا محمد حتى يقولها سبعين مرة، ناداه ملك: [صلى الله عليك يا فلان لم تسقط لك حاجة]. أخرجه البيهقي أيضاً من طريق ابن أبي الدنيا.