الصيف ضيّعت اللبن.. حلقة جديدة من برنامج ضفاف (فيديو)

Cover Image for الصيف ضيّعت اللبن.. حلقة جديدة من برنامج ضفاف (فيديو)
نشر بتاريخ

في حلقة جديدة من برنامج “ضفاف” الثقافي والأدبي اختارت الإعلامية هاجر الكيلاني الحديث عن الصيف، وكيفية استثمار الأوقات في فترة العطلة وملأ أوقات الفراغ الكبيرة التي تتاح خلالها.

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَزْرَعْ وَ أَبْصَرْتَ حَاصِداً — نَدِمْتَ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي زَمَنِ الْبَذْرِ

وانطلق هذه الحلقة التي بثتها قناة الشاهد الإلكترونية في الحديث عن ضرورة البحث في هذا الصيف عن السبيل لتكون العطلة فرصة تجمع بين الاسترواح والتخفيف من مشاق السنة، وبين الجد والحفاظ على الأوقات فهي رأس مال الناجحين. نُقل عن عمرو بن عبد قيس أحد التابعين الزهاد أن رجلا قال له: كلمني، فقال له عامر ابن عبد قيس: أمسك الشمس، يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك، فإن الزمن متحرك دائم المضي، لا يعود بعد مروره، فخسارته خسارة لا يمكن تعويضها واستدراكها، لأن لكل وقت ما يملأه من العمل.

ديوان الصالحين

وأوردت مقدمة البرنامج عدة حكم من كلام الصالحين، فقد قال ابن عطاء الله السكندري: “رُبَّ عُمُرٍ اتَّسعت آمادُه وقلَّتْ أمدادُه ورُبَّ عُمُرٍ قليلةٌ آمادُه كثيرةٌ أمدادُه“، أي ربّ عمر لشخص اتسع زمنه حتى طال وقلت فوائده بأن كان من الغافلين، وربّ عمر لشخص آخر قليلة آماده كثيرة أمداده بأن كان من الذاكرين، كما وضح ذلك بقوله: “ومَنْ بوركَ له في عُمرِه أدركَ في يسيرٍ مِنَ الزمنِ مِنَ المِنَنِ ما لا يدخلُ تحتَ دائرةِ العبارةِ، ولا تلحقُه وَمْضَةُ الإشارةِ“.

وأضافت المتحدثة بقولها أن سلفنا الصالح كانوا يحرصون على حفظ أوقاتهم وأيامهم فيما يرجع عليهم بالفائدة في الدنيا والآخرة، فهذا أبو الوفا ابن عقيل رحمه الله يقول: “إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن المذاكرة وتعطل بصري عن المطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره“. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي”، وكان رضي الله عنه يمقت الرجل يراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة. قال الحسن البصري رحمه الله: “يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك“.

يحكى أن

في فقرة الحكاية اختار “ضفاف” مثالا عربياً قديما “الصيّف ضيعت اللبن“، حيث قيل هذا المثل في العصر الجاهلي نابعا من تجربة حقيقية وحادثة واقعية، فقد روى الرواة أن أحد سراة الجاهلية وهو عمرو ابن عمرو ابن عدس، تزوج ابنة عمه بعد ما ارتفع سنه وصار شيخا كبيراً، وكان يحبها ويكرمها ويسخو عليها بماله الوفير، لكنها كرهت شيخوختها، وقارنت بين حالها وحال صديقاتها اللائي تزوجن بفتيان يقاربنهن في العمر، وتأسفت على حالها وشبابها الذي ينفلت منها في ظل شيخ مسّن، ونسيت في غمار هذه الحسرة ما يتمتع به زوجها من كرم وشجاعة وذكاء ووجاهة في قومه، فضلاً عن حبه العظيم لها.

لكنها فركته حتى طلقها، أي ظلّت معه على سوء الطباع والخصام والنفور حتى طلقها، ثم تزوجت ثانية بشاب آخر، لكن هذه المرة كان فقيرا إلى حد أنها كانت تتشهى أن تشرب الحليب الذي لم تكن تفتقده في بيت عمرو بن عمرو، بل كانت تشربه بديلا للماء عند الزوج الأول، وبلغ بها اشتهاء اللبن درجة شديدة إلى أن كانت ذات ليلة واقفة أمام خيمتها ومعها جاريتها، فمرّت بها قافلة عظيمة من الإبل كانت تسدّ الأفق، فقالت لجاريتها: اطلبي من صاحب هذه الإبل أن يسقينا من اللبن، فذهبت الجارية وأبلغت الرسالة لصاحب القطيع، وإذا به عمرو بن عمرو بن عدس زوجها الأول، فسأل الجارية أين سيدتك؟ فأشارت إلى حيث تقف زوجته السابقة، فقال لها: قولي لها الصيف ضيعت اللبن، ورفض أن يعطيها من حليب إبله، وكان يشير بقوله إلى إضاعتها له، وإسراعها إلى الزواج بغيره ممن لم يدانوه في خلقه وحبه لها، ولم يستطيعوا مثله أن يمهّدوا لها العيش الكريم.

وصارت مقولة عمرو بن عمر مثلاً يضرب لكل من يضيع ما بيده من خير، طمعا في غيره، وبطرا بالنعم، وجهلاً بقيمة ما يملكه من متاح النعم، والفراغ نعمة فلا تضيعها.

علمتني اللغة

في فقرة علمتني اللغة اختار البرنامج ما يستشف من الأسماء من معان، فالاسم الصحيح من سلم اسمه من ياء اليأس، واليأس ضيق باب الأمل والرجاء، وفتح باب القنوط والشقاء، فقد تعلمت أن أظل متعلقا بباب الأمل، وأن لا أسمح لنفسي أن تغلق أمامه النوافذ، وتسد حوله الفرج والفرص، وسيل الرجاء والأمل، علمتني الأسماء أن أخرج من اليأس والشك إلى اليقين، ومن الكسل إلى الحركة، ومن العزلة إلى المخالطة، ومن الفردانية إلى الجماعية. فالناس في سباق يتنافسون، وإنما هي عزمة وحسب، وفتح باب أمل وصبر ونصر.

علمتني الأسماء أن أبرأ من ياء اليأس، وأن أقول لا لقيود الأرض، وأن لا أبقى مشدودا في تيه الأماني، وأن أسلك طريق الهمة غير مستكين إلى التواني والانسحاب والانكفاء، علمتني الأسماء أن من أراد السيادة والاستزادة والريادة هاجر الوسادة، وأعلن الفاقة وسجد تحت عرش ربه، تاليا بقلبه: “وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا“.

يا طَالِبًا لِلمَعَالِي

تَبْغِي لَحَاقَ الرِجَالِ

شَمِّرْ بِعَزْمٍ لِتَرْقى

لِشَاهِقَاتِ العَوَالِي

وَغَالِبِ الجُبْنَ وَاهْجُمْ

بِمَاضِيَاتِ النِّصَالِ

شذرات شعرية

أما في فقرة الشعر، فقد اختار البرنامج انتقاء أبيات “لأمير الشعراء” أحمد شوقي، يقول فيها:

الناسُ جارٍ في الحَياةِ لِغايَةٍ — وَمُضَلَّلٌ يَجري بِغَيرِ عِنانِ

وَالخُلدُ في الدُنيا وَلَيسَ بِهَيِّنٍ — عُليا المَراتِبِ لَم تُتَح لِجَبانِ

فَلَو أَنَّ رُسلَ اللَهِ قَد جَبَنوا لَما — ماتوا عَلى دينٍ مِنَ الأَديانِ

المَجدُ وَالشَرَفُ الرَفيعُ صَحيفَةٌ — جُعِلَت لَها الأَخلاقُ كَالعُنوانِ

دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ — إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني

فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها — فَالذِّكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني

لِلمَرءِ في الدُنيا وَجَمِّ شُؤونِها — ما شاءَ مِن رِبحٍ وَمِن خُسرانِ

الناسُ غادٍ في الشَقاءِ وَرائِحٌ — يَشقى لَهُ الرُحَماءُ وَهوَ الهاني

وفي ختام الحلقة، دعت المقدمة بالدعاء المأثور: “اللهمّ إنّا نسألُكَ صلاح الساعات، وَ البركَة فِي الأوقات“.