من مدينة أزمور تلك المدينة الصغيرة الهادئة والجميلة المهمّشة المقصية، المطلة على المحيط الأطلسي، الواضعة خدها على راحتي نهر أم الربيع، ينحدر الشاب مصطفى دكار، شاب وأب وزوج وفاعل جمعوي وناشط حقوقي ومناضل مناهض للتطبيع ومدافع عن مدينته ومقاوم للوبيات الفساد والاستبداد النافذ في هذه المدينة التي ترزح تحت وطأة التهميش والإقصاء.
مصطفى الذي يحاكم اليوم بابتدائية الجديدة بتهم عديدة مفصلة ومحبوكة، تظهر فيها بصمة الصناعة المخزنية وتطريزاتها، وتشم فيها روائح الترضيات والتطمينات لجهات خارجية ولوبيات محلية ضاغطة، كإهانة موظفين عموميين، والإساءة لمؤسسات ونشر الكراهية والتحريض على اليهود، وكلها تهم تُخفي التهمة الأكبر المسكوت عنها، والتي تفسر ما يقع، فإذا عرف السبب بطل العجب كما يقال، فالشاب من النشطاء المنتمين للعدل والإحسان وهذه هي التهمة، ولذلك فالمقصود سعد لا سعيد، فالجماعة هي المستهدفة خاصة إذا علمنا أنه ليس المتابع الأول، فقبله تم الحكم على سعيد بوكيوض ب 3 سنوات سجنا نافذة، وبعدها عبد الرحمن زنكاض ب5 سنوات، فضلا عن ملاحقات واعتقالات طالت عشرات المناضلين والمناضلات لساعات في دوائر الشرطة وتعنيف وتضييق، والأمر المشترك بين المتهمين الانتماء للعدل والإحسان، والانخراط القوي في موقفها الداعم لفلسطين والمناهض للتطبيع من خلال التعبير السلمي عن رفض تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني الذي يرتكب جرائم ضد إخواننا في فلسطين، ويهدد مصالح المغرب الاقتصادية والأمنية والاجتماعية ويضر بمصالحه الإقليمية، لهذا فهذه المحاكمات هي رسائل مخزنية تحذيرية لقيادات الجماعة، التي عبرت منذ اليوم الأول من خلال الموقف السياسي والميداني بكل وضوح وجرأة عن موقفها من تطبيع المغرب الرسمي في ظل حالة من الصمت الذي طبع المشهد السياسي، الذي اعتبر مناهضة التطبيع صداما مباشرا مع الملك باعتباره من رعى الاتفاق منذ بلاغ القصر الملكي الأول بخصوص الموضوع، ومن خلال العدل والإحسان يوجه النظام رسائل مبطنة إلى باقي المناهضين للتطبيع، خاصة “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” ثم إلى عموم الشعب المغربي:
1- ترهيب الشارع المغربي وتخويف المغاربة من المشاركة في فعاليات المناهضة للتطبيع، بعد أن سجلت مشاركة جماهيرية واسعة امتدت إلى صغريات المدن والمداشر.
2-الحد من توسع قاعدة المناهضين للتطبيع من سياسيين وإعلاميين وحزبيين، بعد تململ بعض الأطراف خاصة مناضلي حزب العدالة والتنمية.
3- إرسال طمأنة للغرب و”إسرائيل” أن الوضع متحكم فيه جدا.
4- تحذير الجماعة من التصعيد الكمي أو رفع وتيرة الاحتجاج خاصة بعد استمرار الفعاليات لـ200 يوم دون توقف، ونشر الهيئات لأرقام غير مسبوقة في تاريخ المغرب من حيث عدد الفعاليات، فاقت حراك 20 فبراير.
5- محاولة إرهاق الجماعة وشغلها بمعارك جانبية، وتحويلها عن معركتها في فضح التطبيع وجرائم الصهاينة إلى الانشغال بالدفاع الحقوقي عن معتقليها.
6- اختيار بعض الأعضاء والقيادات المحلية وعدم استهداف القيادات الوطنية رسالة تحذيرية فقط، وإشارة إلى أن الملفات معدة سلفا، وأن متابعة التدوينات والمواقف والكلمات والتصريحات جارية على قدم وساق إحصاء وتسجيلا.
7-محاولة لكبح حملات التنسيق والتشبيك التي دشنتها الجماعة لخدمة القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع.
9- التشويش على مبادرات الجماعة السياسية وآخرها إعلان الوثيقة السياسية الذي أحدث زلزالا في المشهد المغربي السياسي، والذي أكدت فيه الجماعة موقفها من القضية الفلسطينية، ومن سياسة المغرب في هذا الملف.
10- ابتزاز الجماعة، فالمخزن تعوّد الاحتفاظ في كل مرحلة برهائن من العدل والإحسان كأوراق ضغط يوظفها عند الحاجة للابتزاز والمساومة، منذ ملف الطلبة المعتقلين 12، مرورا بملف عمر محب، وصولا إلى ملف الدكتور محمد باعسو.
هذه بعض رسائل المخزن لجماعة العدل والإحسان ولمن يماثلها في الموقف، ومن المؤكد أن الجماعة تدركها وتعيها جيدا ومستعدة للتضحية وتأدية الثمن من أجلها من منطلق مبدئي وشرعي، وإنساني وقومي وحقوقي دولي، ومن أرضية المصالح الوطنية.
فمتى يدرك النظام أن اتفاق التطبيع ورقة خاسرة بكل المقاييس، وورطة سياسية وأخلاقية وخطوة غير محسوبة العواقب، يثبت فشلها كل يوم، رغم محاولات “تبييض التطبيع” بتقديم مساعدات إنسانية أو إغاثية، ييسر العدو الصهيوني إيصالها استثناء من المغرب، وتلك سبّة أخرى ومنقصة لا مفخرة أو ميزة.