تتطلب المرحلة الحاضرة والمستقبلية العمل الجاد للحفاظ على هوية المجتمع، وعقيدته، ووحدته، وتعاونه، ووضوح الرؤية الصحيحة لمجريات الأحداث القائمة، والنظرة بعين البصيرة استشرافاً للمستقبل القريب، وقد أجرى موقع “الإسلام اليوم” ـ في هذا الشأن ـ حلقة حوار لوضع رؤية مستقبلية وعملية للتعامل مع الأحداث والمتغيرات التي باتت تسابق سرعة الضوء.
وكان من ضمن أهداف هذه الحلقة تقديم أفكار وموضوعات مقترحة للمرحلة القادمة، يمكن أن يستفيد منها طلبة العلم والدعاة والخطباء من جهة، وتحدد معالم المستقبل لغيرهم من جهة أخرى.
عناوين مختصرة
تم توجيه هذا السؤال في البدء على عدد من العلماء والمهتمين بمتابعة المستجدات، ومنهم: فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة، وفضيلة الشيخ إبراهيم الدويش، وفضيلة الشيخ سعود الفنيسان، وفضيلة الشيخ عبدالوهاب بن ناصر الطريري، وفضيلة الدكتور عوض القرني، والدكتور خالد العجمي، والدكتور عبدالله الصبيح .
حرصنا أن تكون إجاباتهم عناوين مختصرة وواضحة، ومقسمة إلى قسمين، أولهما: وصايا للدعاة وطلاب العلم، وثانيهما: موضوعات مهمة للطرح في هذا الوقت على مستوى الخاصة والعامّة؛ لتكون لها الأولوية في الطرح، وتكوين الوعي العام.
أولاً: وصايا للدعاة، وطلاب العلم:
01 المشاركة الجادة في مؤسسات المجتمع الرسمية منها ، وغير الرسمية؛ للقرب من الناس، والإسهام في الإصلاح والتأثير، ومن ذلك وسائل الإعلام المرئي منها، والمقروء والمسموع.
02 طرح الإصلاحات المطلوبة من الدولة باعتدال، ووضوح، ولغة صادقة؛ اتباعاً لهدي القرآن والسنة في ذلك، فإن هذه الأزمة كشفت عن ثغرات هائلة تتطلب جدية الإصلاح.
03 تنوع الطرح، وتعدده ضمن إطار القواعد الشرعية.
04 قبول سماع الرأي المخالف، ما دام في دائرة الاجتهاد، ولم يخالف أمراً عَقَدياً، أو مُجمعاً عليه.
05 دعوة الطوائف المخالفة لأهل السنة، مع المحافظة على عدم تأجيج النـزعة الطائفية؛ تفويتاً لفرصة العدو في استثمار الخلاف الطائفي والمذهبي.
6 محاورة جميع شرائح المجتمع، واكتشاف المساحة الواسعة من المتفق عليه واستثمارها، والتعاون مع الجميع في القدر المشترك، مع الدعوة والمناصحة في مساحة الاختلاف بالطريقة المناسبة للإصلاح .
7. دعوة المبهورين بالأنموذج الغربي، وبيان تهافته في الميدان العملي، وإدارة الحوار حول ذلك.
8. العناية بالمرأة: دعوةً، وتعليماً، وتفقيهاً، والتركيز على ذلك، فهي مستهدفة في هذه المرحلة، وذلك بطرح برامج تستوعب المرأة في المجتمع، بنشاطات متنوعة، تناسب جميع شرائح المجتمع.
9 بث المعاني العقدية الكبيرة في نفوس الدعاة، وطلاب العلم؛ بل وعامة الناس أيضاً، مثل: الإيمان، التوكل، اليقين، حسن الظن بالله، والثقة به، عدم القلق والتوتر إزاء الأحداث، الارتباط بالله – عز وجل – ، والاعتراف بالخطأ والمسؤولية، وليس إلقاؤها على الآخرين.
10 التواصي بحفظ أمن المجتمعات المسلمة؛ فكرياً واجتماعياً واقتصادياً، والتعاون على ذلك بكل الوسائل الممكنة شرعاً.
11 الاجتهاد في حماية المؤسسات الشرعية، والتعليمية، والإغاثية، وغيرها، وعدم العمل على زعزعتها أو تقليصها. 12 محاولة تحويل جهود الأفراد – ما أمكن- إلى أعمال مؤسسية تقوم على الدراسة والتشاور؛ لتحقق مكاسب أوسع.
13 الجد في بناء علاقات وثيقة بين العاملين في مجال الدعوة والإصلاح، وتقوية التعاون، وتعميق التواصل بينهم، وتدارس المستجدات بحيوية وشفافية وجدية وعدم تباطؤ.
14. تعميق التلاحم بين فئات المجتمع العملية والإدارية، والعامة والخاصة، والتعاون بينهم فيما يخدم الإسلام والمسلمين، وكل ما فيه مصلحة البلاد والعباد.
15 عدم احتقار النفس بأي جهد يقوم به الداعية، فهو على ثغر.
16 محاورة كل من له فكرة غالية، أو رأي مؤثر في الأمة وشبابها، محاورة علمية مؤصلة؛ لتوصل إلى الأهداف المرجوة.
17 بث الثقة في العلماء الربانيين، والرجوع إليهم في الأزمات والنوازل.
18 بث معاني الأخوة بين أفراد المجتمع، واستيعاب أسباب الخلاف، ومحاصرة مظاهر القطيعة والتنافر، والحرص على التماسك الداخلي بكل ما يستطاع من الوسائل المناسبة، وتفويت الفرصة على كل عدو يستثمر الفرقة.
19 الاهتمام بالشباب الجاد، ومحاورتهم، والجلوس معهم في موضوعات جادة من خلال جلساتهم، ورحلاتهم…، وغيرها.
20 إظهار التفاؤل والبشائر وعدم اليأس، مع الوقوف على الداء، ومعالجته بالأساليب المناسبة، ويدخل في ذلك أهمية إظهار نقاط الضعف عند العدو، ومواضع الخلل.
21 الحرص على عدم مخالفة الجماعة، مهما كان رأي المخالف عنده راجحاً، ورأي غيره مرجوحاً، فالاتفاق على المرجوح – ما دام ضمن الضوابط الشرعية- أولى من الاختلاف.
22 كتابة مشاريع إصلاحية جادة، مجتمعة ومتفرقة، تقدم للحكومات بالأساليب المناسبة؛ أمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر.
ثانياً: موضوعات مهمة للطرح في هذا الوقت على مستوى الخاصة والعامة:
01 الإيمان بالله وتعميقه، وعوامل زيادته، وأثره.
02 التوكل على الله مفهومه، وأهميته، وواقع الناس تجاهه.
03 التفاؤل، والتشاؤم، وأثرهما.
04 الدعاء، وأثره في حل المعضلات ونصر الأمة.
05 مواقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في الأزمات والمهمات.
06 مصادر التلقي بين الإفراط والتفريط.
07 الاجتماع وتوحيد الكلمة، وأثر ذلك، والفرقة وأثرها.
08 مفهوم الجهاد، وأنواعه، ووسائله، ويدخل فيه إعداد العدة.
09 الصدق مع الله – تعالى- وأثره.
010 المخرَج من الفتن.
011 الإشاعات، وأثرها في خلخلة الصف.
012 العلماء: مكانتهم، وأهمية الرجوع إليهم، والثقة بهم.
014 الإرجاف، وأساليب المرجفين والمنافقين.
015 المصالح والمفاسد العامة، وضوابطها.
016 الخلاف بين أهل العلم، والتعامل معه.
017 تربية النفوس على الجد والجهاد.
018 الأمن، والمحافظة عليه وأثره، وخطورة الفوضى.
019 الإيجابية في التعامل مع الأحداث.
020 النصر، والهزيمة، المفهوم والعوامل.
021 الاعتصام بالكتاب و السنة؛ مفهوماً وتطبيقاً.
022 “إن كيد الشيطان كان ضعيفاً “.
023 الواجب والمؤمل في مثل هذه الأوقات على الشباب..
024 المرأة: واجبها، وما يراد لها.
025 الأعداء، ووسائلهم، ومخططاتهم ضد الإسلام وأهله.
026 البيت المسلم، والمحافظة على تماسكه.
027 المكتسبات الشرعية، والمحافظة عليها.
واستكمالا لللرؤية قمنا أيضاً باستكتاب عدد من الشخصيات العلمية والثقافية وسألناهم -أيضاً- عن “أولويات المرحلة القادمة” من وجهة نظرهم، وقد قاموا مشكورين بالتفاعل مع هذه القضية ويسرنا ان ننشر إجاباتهم بين إيديكم، مصنفة حسب موضوعها…
الرجوع إلى الله هو خط البداية
لا يمكن أن نتحدث عن أولويات المرحلة القادمة دون أن نبدأ بهذه القضية التي أجمع المشاركون على أهميتها، وضرورة التأكيد عليها، يقول فضيلة الشيخ الدكتور رياض المسيميري: ضرورة العودة الصادقة إلى الله تعالى على مستوى الدول والشعوب، فقد جُرّبت جميع المذاهب والمناهج الأرضية؛ فلم يفلح منها شيء في تحقيق إنجاز يُذكر سواء في المجال العسكري، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، ويمكن أن تتحقق العودة إلى الله بإسهام الدول، والشعوب، والعلماء، والدعاة في نشر الوعي الديني، وبعث السُنّن المحمدية، وتخليص الدين بما علق به من الخرافة والبدعة.
ويؤكد فضيلة الشيخ محمد الدحيم على أهمية ربط الناس بربهم وخالقهم؛ حتى يعلموا أن النصر من عند الله، وأن الأمر له يؤتي وينـزع، ويعز ويذل، وأن الخير فيما يختاره جل جلاله. مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون هذا الربط ليس ردة فعل تصرّفٍ تغلب فيه العواطف، وتُلغى فيه العقول، وليكن هذا الربط حافزاً لإعداد القوة، والتهيئة للنصر .
ويُفصِّل هذا المعنى فضيلة الشيخ الدكتور حمد الحيدري ببعض التوجيهات، منها:
– الفرار إلى الله تعالى والصدق في ذلك، فإن من تقرب منه -تعالى- ذراعاً تقرب إليه – سبحانه- باعاً ومن أتاه يمشي أتاه -سبحانه- هرولة، وهو الغني سبحانه .
-التعرف على الله تعالى في الرخاء بشكر نعمه، وكثرة دعائه، وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً:”تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة”
-كثرة الدعاء، والإلحاح فيه، وعدم اليأس أو الاستعجال؛ فيكثر المسلم من الدعاء لنفسه، ولمجتمعه ، ولأمته، ويلح في ذلك، وفي الحديث:”لا يرد القدر إلا الدعاء”.
-الإصلاح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بالطريقة الشرعية التي لا تفسد القلوب؛ بل تؤلفها وتحبب إليها الخير وأهله، فالإصلاح سبب للنجاة “وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون” وأول ما يبدأ به الإنسان إصلاح نفسه، وأهل بيته.
-كثرة الاستغفار الصادق، قال الله تعالى:”وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون”.
-كثرة الصدقة والإحسان إلى عباد الله، فإن الصدقة تطفئ الخطيئة، والخطيئة سبب كل مصيبة، والإحسان إلى العباد سبب لرحمة الله “والراحمون يرحمهم الرحمن”.
ويواصل فضيلته: وقبل ذلك وبعده، التنبه إلى السبب الحقيقي لما يحصل من تسلط على المسلمين، وذلة واقعة بهم، ثم طلب الأسباب الحقيقية للتخلص من هذا الواقع المرير، والسبب الحقيقي قد وضحه الله -تعالى- بقوله:”وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير”،وقوله تعالى: “أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم”
تفعيل دور العلماء والدعاة
من ضمن القضايا التي أكد عليها المشاركون “ضرورة تفعيل دور العلماء والدعاة في هذه الأزمة”، ففي ذات السياق يتوجه فضيلة الشيخ الدكتور أحمد أبا بطين إلى علماء الأمة، ويحمّلهم مسؤولية المشاركة في وضع الحلول لهذه الأزمة، والالتفات حولهم، ومطالبتهم بعقد جلسات طارئة لاستصدار قرارات تنطلق من رؤية شرعية، يوضح فيها كيفية التعامل مع هذه الأحداث وقت الفتن.
ويرى الشيخ هاني الجبير ألا يُكتفى بتصريحات وفتاوى وأقوال العلماء والمفكرين منفردة؛ بل لا بد من وجود فتاوى وتوجيهات جماعية تتسم بالسرعة، والمبادرة مع التعقل في الطرح.
ويؤكد الشيخ علي الألمعي على ضرورة اتصال الدعاة بالشخصيات المعتبرة في الدولة؛ لإيصال فكرة “أننا جميعاً أمام عدو مشترك، فيجب التعاون للوقوف في وجهة، وصده عن مخططاته التي أصبح يرددها علناً دون مواربة ولا استحياء، قال تعالى: “ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنـزل عليكم من خير من ربكم” الآية.
والتأكيد على العلماء بأن يكون لهم دور واضح ومعلن فيما يجري، وتذكيرهم بما عليه الناس من المعاناة ومن فقدان الثقة، وأنه لا بد لهم من بيان مشترك؛ يسمعه العدو، وينتفع به الناس فيجبر الكسر ويعيد للناس الأمل، قال تعالى: ” وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه” الآية.
يرى فضيلة الشيخ أحمد الخضيري: “ضرورة قيام العلماء- وبخاصة من أحيلت إليهم أمور إفتاء الناس- بواجبهم في بيان الموقف الشرعي للمسلم من هذه الأحداث؛ حتى لا تضطرب أفكار الناس، فيتجهوا إلى الأخذ بفتاوى شاذة، أو آراء متعجلة يطالعونها في وسائل الإعلام المختلفة، وينشأ عن ذلك ابتعادهم عن الاتصال بكبار العلماء وأهل الحل والعقد ، وإذا ابتعد الناس عن أهل العلم التمسوا البديل في بعض الفتاوى التي لا يُطمأن إليها، أو إلى من أصدرها ، وبخاصة مع ازدياد مساحة حرية الكلمة عما كانت عليه سابقا . كما أن في بيان أهل العلم وتوضيحهم هذه الأحكام لعامة الناس وطلبة العلم ما يعزز الثقة بهم ويقوي الارتباط معهم ويساعد في القضاء على ما قد يحدثه الشيطان في النفوس من الظنون السيئة.
العلاقة الإيجابية المتبادلة بين العلماء والشباب
ربما شعر الجميع من خلال توالي الأزمات بالانجذاب الطبيعي بين هاتين الشريحتين … العلماء والشباب، واختلفت مستويات هذا التفاعل مداً وجزراً. في هذا الصدد يؤكد فضيله الشيخ أحمد الخضيري: إن على العلماء أن ينزلوا إلى الشباب، ويصبروا على محاورتهم والسماع منهم، وليعلموا أن حال الناس في السنوات الأخيرة اختلف كثيرًا عما كان عليه قبل سنوات معدودة؛ من حيث انتشار وسائل الإعلام في كل مكان -تقريبًا-، فأصبح يتوفر للمرء سماع ومطالعة كثير من الآراء والاجتهادات المتنوعة، بخيرها وشرها، فيقتضي هذا من أهل العلم أن يواجهوا هذا السيل العارم بالبيان والتوجيه في النوازل التي تهم الأمة عبر وسائل الإعلام المتاحة ، وبخاصة مع ازدياد مساحة حرية الكلمة عما كانت عليه سابقا.
وفي هذا السياق يؤكد فضيلة الدكتور حمد الحيدري: على الحرص على جمع الكلمة، واحتواء الشباب، والأخذ بزمام المبادرة في ذلك؛ لئلا يكون الشباب مرتعاً خصباً للجماعات المنحرفة التي تستميلهم بإرضاء العواطف وتغذيتها، ولأن كبار العلماء عندهم ما يشغلهم من الأمور الكبار؛ فأقترح على كبار الدعاة -ممن هم محل الثقة والقبول عند الجميع- أن يتولوا هم هذا الأمور ويكونوا حلقة وصل بين الشباب وكبار العلماء؛ فيكون فزع الشباب وتوجههم إليهم، وهم يبلغون عنهم وإليهم.
ويرى فضيلة الشيخ عمر المقبل ضرورة فتح أهل العلم -من علماء وطلبة علم- أبوابهم للشباب والاستماع لأصواتهم -مهما كانت توجهاتهم- وفتح باب الحوار معهم، وإبداء وجهات النظر، مدعمة بالأدلة الشرعية، والعلل المرعية، ومقاصد الشريعة العامة.
ويقول: إن من الملاحظ أن كثيراً من الاحتقان -الذي يعيشه كثير من الشباب- هو بسبب تلقيهم عبر وسائل كثيرة من الإنترنت، أو المجالس الخاصة أو غيرها، ومن ثم عدم مقدرتهم على فهم وجهة النظر الشرعية، أو على الأقل وجهة النظر الأخرى، التي قد تخالف ذلك الرأي المطروح، إن كثيراً من الشباب يجلس أحدهم أمام الإنترنت؛ فيبحر في عباب هذا البحر الخضم، عبر مواقع كثيرة، فيستقبل؛ لكنه لا يرسل! وأحسب أن مثل هذه المجالس لو فتحت أمام هؤلاء الشباب، لكانت فرصة لبدء الإرسال عندهم، فهل من تواصٍ بين طلاب العلم بهذا؟، إن أقل ما يُطالب به في هذه الفترة بالذات، أن يوجد في كل بلد مجموعة من طلاب العلم، يفتحون أبوابهم؛ لاستقبال الشباب، وسماع ما لديهم، بل وأرى أن تكون هذه المجالس مفتوحة أمام أطياف المجتمع كلها ليرتادها شباب الصحوة، وعامة الناس، ومن على ظاهرهم بعض المخالفات الشرعية؛ ليكون لأهل العلم دورهم الذي يليق بهم في توجيه سفينة المجتمع، حتى ترسو على شاطئ النجاة -بإذن الله تعالى-، ومن جرب هذه المجالس، سواء بفتحها أو بحضورها ومدى استفادة الشباب منها؛ أدرك تعطشهم إلى مثلها، فكم استرشدها من شاب! وكم استنار بها من جاهل!.
نشر الوعي بأبعاد القضية
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله وكيل الشيخ يرى ضرورة نشر الوعي بحقيقة الأهداف الأمريكية، وقد لا يجد الباحث قرارات صادرة بهذه الأهداف لكن الأمر المتواتر -الذي لا يُشك فيه- أن القرارات لا تُتخَذ إلا بعد سيل من الدعاية الإعلامية، والدراسات البحثية؛ لتهيئة النفوس لتقبٌّل القرارات، وقد يُظن أن نشر مثل هذه الأهداف يوهن من عزيمة الفرد المسلم، وربما يُبتلى بالإحباط واليأس؛ لكن حقيقة الأمر أن المعرفة بأهداف العدو تُولِّد حالة التحفز والاحتياط عند المسلم، وهنا تأتي الحاجة إلى البرامج التي تحول المعلومات من وسيلة للإحباط إلى وسيلة للتفاعل الحي، فنحن أمام عدو شرس، منتهك لكل الأعراف والقوانين، يعيش حالة من الغرور، عزّزها في نفسه ضعفُنا وهوانُنا وعجزُنا من اتخاذ مشاريع الدفاع عن النفس.
وفي هذا السياق يؤكد الشيخ أحمد الخضيري على أهمية العناية في هذا الوقت بفضح خطط الأعداء من النصارى، وبيان ارتباطهم مع اليهود والمنافقين ، وكشف الوجه القبيح لهؤلاء الأعداء، الذين يتسترون بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والشرعية الدولية، وهم أول من يكفُر بها إذا تعارضت مع مصالحهم وأطماعهم ،وتجلية هذا الأمر يكشف الغفلة عن كثير ممن خُدِع بثقافة هؤلاء الأعداء، فاتخذهم الأعداء بوقا وأداة لهم في تضليل المسلمين .
ويؤكد ذلك الشيخ محمد الدحيم بضرورة رفع الوعي، وفك الغموض حول هذه الحملة بجرأة كافية تتلاءم مع الحدث، وليس هذا خاص بعلماء الشريعة؛ بل هو مسؤولية الشرعي، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، وهذه المنظومات يكمَّل بعضها البعض؛ لتخرج برؤية متكاملة متناسقة.
ويربط الشيخ علي الألمعي “قضية الوعي بالأحداث ومخططات الأعداء” بالمنظار الشرعي حول الأحداث، وذلك ببيان عداوة اليهود والنصارى، وظلم وطغيان الغرب في الجملة، ثم تذكيرهم بعقيدة الولاء والبراء، وبسنن الله الكونية والشرعية، وتنيبه الخطباء، والأساتذة والمعلمين، والكتّاب إلى ضرورة التحدث في الوضع القائم بمنهجية واضحة، مع البعد عن التهويش والفوضى التي لا فائدة منها، ويجب التذكير بالثوابت التي يجب ألا تتغير، وإظهار الحق وقواعده الثابتة، وبيان الباطل وأساليبه، وضلوع اليهود في العالم، ودورهم في التخريب والفساد وإيقاد الفتن والحروب، فهم عبر التاريخ كله لا يعيشون إلا على هذا النمط، كما قال تعالى: ” كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين”.
الاهتمام بالدراسات المستقبلة
الأزمات تتكرر، والتاريخ يعيد نفسه، والحاجة إلى إعادة أسلوب تجاوبنا مع الأحداث؛ بحيث نتجاوز وصفها بأنها (ردود أفعال) إلى أن تصبح استباقية تستوعب الواقع، وتستشرف المستقبل، في هذا السياق يدعو الشيخ أحمد الخضيري إلى أخذ الأهبة والاستعداد لما يتوقع أن تؤول إليه الأمور في المستقبل في المنطقة ، وهذه الدعوة تكون عامة لولاة الأمر، وللمجتمع وأفراده كل فيما يخصه، بحسب ما أمر الله -تعالى- وأرشد إليه؛ لتتوافر أسباب الجهاد. والاستعدادُ يشمل جوانب كثيرة منها: الجانب العسكري، والاقتصادي، والعلمي، والتقني، والاجتماعي…، وغير ذلك. ولا ينبغي أن تُسكرنا الغفلة، وتلهينا حياة الترف عما يراد بنا.
ويرى د.رياض المسيميري ضرورة صياغة البرامج السياسية والاقتصادية والتربوية الفاعلة، المرتكزة على شريعة الإسلام، والكفيلة بتحقيق مصالح الأمة في هذه المجالات المهمة، ووأد كافة الخيارات المخالفة لأحكام الدين الحنيف.
ويذكّر الشيخ يوسف القاسم بضرورة تقديم البحوث والدراسات العلمية في شتى الميادين، حتى يرتفع الجهل عن الأمة، وحتى نرتقي بالفكر إلى الحد الذي يجعلنا في مستوى المواجهة .
ويرى د.حمد الحيدري ضرورة إعادة النظر في معالجة بعض الأمور، والاستنارة في ذلك بسنن الله التي لا تتخلف، فإنها كما جرت في قوم سابقين ستجري فيمن بعدهم، إذا وجدت أسبابها، وهذه السنن تستفاد من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم من وقائع التاريخ. وأكاد أجزم أن الدول لم تستفد منها شيئاً؛ لأن أكثر المستشارين لا يبالون بها، أو لا يدركونها بالرؤية الشرعية.
وفي نفس السياق يرى الشيخ محمد الدحيم ضرورة متابعة الحدث أولا بأول، ومن مصادر عدة، وإعداد دراسات مستقبلية توقعية- غير قطعية- لكل مرحلة؛ حتى لا نفاجأ بما لم نفكر فيه، وهذا لن يكون سهلاً ما لم نتواجد مع الحدث أينما حصل.
ولأن التاريخ يتكرر، ويمكن أن نستفيد منه لفهم كثير من دورات التاريخ التي تتغير في ظاهرها، وليس في حقيقتها. يؤكد الشيخ هاني الجبير على أهمية دراسة التاريخ، وخصوصا مرحلتي: الهجمة المغولية، وزمن ملوك الطوائف بالأندلس المفقود، حيث صارت كل مدينة دولة لها توجهاتها ومصالحها التي تهمها أكثر من أي شيء!.. حتى استعان بعضهم على بعض بالنصارى الذين وجدوا طريقا مُعبّداً، ودرباً سالكاً؛ لابتلاع هذه الدول!! الغارقة في لهوها..إن في كل صورة وموقف دروساً كثيرة، وعبراً عديدة، وجوانب يمكننا من خلال تأملها أن نستجلي وسائل الإصلاح.
الإصلاح الداخلي
لقد لاحظ الجميع اللغة التي تستخدمها الإدارة الأمريكية لدغدغة مشاعر العراقيين في الداخل، وذلك بالعزف على وتر العلاقة المتردية بين الحكومة والشعب.
في هذا الصدد يوجه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن علوش المدخلي نصيحةً للحكومات الإسلامية -بصفة عامة-، وحكومات المنطقة – بصفة خاصة – أن تسعى لتحقيق التلاحم مع شعوبها، مما يعمق الانتماء للبلد، ويسد الثغرات والفجوات، ويسد كافة الطرق على أعداء الأمة المتربصين.
أمّا كيف يتم ذلك؟؛ فيرى الشيخ حسن أحمد القطوي وجوب تقديم القضايا الكبرى والمصيرية على الأمور الآنية والمحدودة، فإن قوى الشر في العالم بعمومها -والغربية منها على وجه الخصوص- قد قررت إعادة احتلال بلاد العروبة والإسلام، بحجة أن هذه البلاد تمتلك ما لا تستحقه من الثروات الهائلة، أو أنها لم تحسن استخدام ما تملك من تلك الثروات، وقد رأت قوى الغرب – في الحقيقة- أن هناك بوادر تنبئ عن امتلاك الأمة العربية والإسلامية لبعض الإمكانات التي يمكن بها مقاومة قوى الشر الغربية، فأعلنت خوفها من أن تؤول تلك الإمكانات إلى أيد الصادقين، فاعتبرت ذلك مما يهدد كيانها، ويعرض مصالحها (الانتهازية) للخطر.
وينبه الشيخ عمر المقبل إلى ضرورة توعية الجمهور -وخاصة الشباب- بأهمية توحيد الصف أمام العدو المتربص المتفق عليه، ولا يعني -بالضرورة- الاتحاد في الآراء في المسائل الاجتهادية، فهذا لم يحصل لخيار هذه الأمة في عهد نبيها -صلى الله عليه وسلم-، بل المقصود الاجتماع على ما اجتمع عليه السلف، من معرفة ما لا يجوز الاختلاف فيه، وما يجوز الاختلاف فيه، ولكنه لا يبيح التفرق.
ويطالب د.عبد الله وكيل الشيخ الحكومات بتوسيع هامش الحرية للشعوب؛ للتعبير عن مشاعرها، حيث تمتلئ مشاعر المسلمين بكم هائل من الغضب على هذا العدو الذي ينتهك حرية المسلمين، الذين يربط بينهم إخاء الإيمان “إنما المؤمنون إخوة ” هذه المشاعر لا بد أن يسمح لها بالظهور، قولاً وفعلاً لا يؤديان إلى الغرر والنيل من مصالح المسلمين، ومن عدم التوفيق تجاهل هذه المشاعر أو مصادرتها حتى تنقلب إلى أعمال ارتجالية، تغيب عنها الرؤية المصلحية الشرعية، والتعبير عن هذه المشاعر لا يتخذ صورة واحدة؛ بل تتنوع صوره إلى مالا نهاية. فسلوك هذه المسالك يخفف من الاحتقان من ناحية، ويوجد الرعب في نفوس العدو من ناحية أخرى، وكم هي فتنة شديدة أن لا يعرف هؤلاء المعتدون حجم الكراهية لهم في نفوسنا، فيُغريهم ذلك بالاستمرار في عدوانهم، ولا ينبغي الاعتذار هنا بأن التعبير عن هذه المشاعر الإيمانية يقترن بأنواع من التخريب والتدمير، لأنه بالوعي المستمر، والتعامل الحسن، والتدريب على الانضباط تتلاشى هذه السلبيات، أو تخف إلى حد كبير، وبكل المقاييس فالبديل المتمثل في مصادرة التعبير، وتكميم الأفواه أعظم ضرراً، وأفدح خطراً، وقد تقرر شرعاً احتمال أقل الضررين لدفع أعظمهما.
الدعوة للجهاد العام
يؤكد د. رياض المسيميري على ضرورة إحياء فريضة الجهاد، بوصفها ذروة سنام الإسلام، وسببٌ رئيسي لرفع الذلة والصغار عن الأمة، وبناء هاجس الرهبة في قلوب الأعداء؛ لوأد كل مخطط ماكر لغزو ديار الإسلام.
ويقول إننا لو تأملنا قوله تعالى : ” ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا” لأدركنا حتمية الجهاد، وضرورة إعداد العدة لمواجهة هذه الحقيقة الأبدية، وذلك القدر المحتوم.
ويؤكد د.محمد الخضيري على أن ضرورة الاستعداد للجهاد حقيقة. فما دامت قوات الصليب تمركزت واحتلت بلاد المسلمين؛ فقد تَحقّق ما يسميه الفقهاء “الجهاد العيني”.
ويرى الشيخ ناصر بن محمد آل طالب ضرورة (تديين الحرب) بأن تذكي الجذوة الدينية في النفوس، فإن هذا بالإضافة إلى أنه الواجب الشرعي؛ فهو أثخن في العدو، و