العفو والحراك الشعبي المؤجل

Cover Image for العفو والحراك الشعبي المؤجل
نشر بتاريخ

بالنسبة لهذا الحدث المؤسف الذي استأثر بنقاش واسع لمؤسسات المجتمع المدني الحقيقية، والنخب المثقفة، والشباب، وبفئة عريضة من شعب الفايسبوك الواسع، والجسم الحقوقي، ثم التحاق بعض الهيئات السياسية بالنقاش الوطني، لاستنكار هذا الفعل الشنيع، أود أن أشاطركم جميعا بعض الملاحظات الفارقة في هذا النقاش العمومي:

أولا: المؤسسة الملكية وصلاحيات دستور 1 يوليوز 2011

الحادث موضوع النقاش، أضحى فرصة مواتية لجميع الفرقاء المشار لهم في تقديمي وغيرهم كثير، لتسليط الضوء على الدور التنفيذي والاختصاصات الواسعة جدا التي تمارسها المؤسسة الملكية، خصوصا بعد تمرير دستور 1 يوليوز 2011، لتعيد النقاش من جديد، هل يمكن أن تكون هناك ملكية تنفيذية بكل هذه السلطات، بعيدا عن أي محاسبة أو مسألة؟

ثانيا: القصر ومربع صناعة القرار

الحادث جاء بمثابة وسيلة إيضاح قوية جدا، لكل حصيف ومدقق للنظر، بعيدا عن أي قراءة مباشرة انفعالية، غارقة في التفاصيل، من شأنها إعاقة الرؤية، حيث إن نقاش دور المؤسسة الملكية، وتخبط أدائها، ينبئ بوجود صراع في مربع صنع القرار السياسي والأمني داخلها.. ويكفي قراءة المشهد بكل تمعن، مع استحضار أوسع لتعاطي القصر مع الحكومة والفاعلين الحزبيين والسياسيين والقوى الاجتماعية الضاغطة..

ثالثا: الملكية في عمق النقاش

لقد تم كسر حاجز الخوف من قبل الكثير من الفاعلين، قوى اجتماعية، وشبابية وإعلام بديل “مجتمع الفايسبوك”، بجعل المؤسسة الملكية في عمق النقاش والنقد، بل وتحميلها المسؤولية السياسية، والأخلاقية، والشرعية، وصولا إلى المطالبة باعتذارها للشعب المغربي عموما، وأسر الضحايا خصوصا.. وما يترتب عن ذلك من إعادة النظر في الأداء والدور..

رابعا: نقاش سياسي خرج من جدران الوطن السميكة

انتقل النقاش العمومي من بعده الوطني وسط جدرانه السميكة، إلى رحابة التدويل وفضائها الفسيح، فلم يعد المواطن المنتهكة حقوقه وطنيا يعيش نفس العزلة التي أفرزتها عقليات الستينات والسبعينات والثمانينات وصولا للتسعينات، فقد أصبح العالم قرية صغيرة جدا، يمكن أن يتحرك بسرعة وقوة وفاعلية، متى أجادت القوى الاجتماعية الضاغطة الموحدة، حملاتها، وتوعيتها، وتواصلها، مع كل من يهمهم أمر الانتهاكات والخروقات، سواء أكانوا مؤسسات وطنية، أو هيئات دولية، أو منظمات عالمية، أو شخصيات ذات تأثير.. وهذا ما فعله الإعلام الإسباني وبعض القوى السياسية، حيث تحول إلى ضغط على الحكومة، بل وفتح نقاش عمومي حوله.. لا شك ستكون له تداعيات مباشرة على مربع صنع القرار في الرباط وبالتحديد في المشور السعيد..

خامسا: نقاش سياسي له مطالب عالية

هذه القضية وسيلة إيضاح مهمة، وصراع بالوكالة بين مختلف الفاعلين داخل المغرب.. قوى الضغط والتغيير الاجتماعي والقصر، بحثا عن إعادة النقاش، من أجل تعاقد سياسي حقيقي، ودستور ديمقراطي، تفرزه جمعية تأسيسية منتخبة، وربط ممارسة أي سلطة كيفما كانت بالمحاسبة..

سادسا: ولكن، ماذا يعتمل في وجدان المغاربة؟

هذه القضية أبانت عن مؤشر خطير يعتمل داخل المجتمع المغربي، بأن هناك مطالب عالية وعادلة، أحس الشعب، بالتفاف النظام السياسي عليها، حينما امتص غضب الشارع، بإصلاحات ترقيعية، لا ترقى لمطامحه الحقيقية المعبر عنها في شعاراته التي اهتزت لها شوارع مدنه وقراه وحواريه.. حيث تمخض الجبل ليلد فأرا.. ويمكن لعلماء الاجتماع الوقوف على عينات دراسية لتوضح هذه الخلاصات بشكل أدق و أكثر علمية..

سابعا: أي دور جديد للنخب..؟

على جميع النخب سواء أكانت سياسية، حقوقية، أكاديمية، شبابية.. مقاربة الموضوع من أعاليه، بعيداعن التفاعل العاطفي، أو الانفعالي، أوالرؤية التجزيئية، حيث يسعى البعض بقراءاته التجزيئية، إلى اختزال الموضوع، في أخطاء تقنية بسيطة، ليرمى الوطن الكبير في متاهات التعميم والتدجين.. لقد فشل هذا الخيار بالملموس، من خلال تداعياته المباشرة ممثلة في سيل القرارات الصادرة، سواء من قبل القصر، أو الوزراة المعنية، أو وكالة الأنباء الرسمية، أو توضيحات الجار الإسباني..

ثامنا: ماذا أثمر الضغط الشعبي

بروز جدوى ضغط القوى الاجتماعية المختلفة الصادقة، وإثمار ذلك لقرارات وسياسات تعيد بعض التوازن المختل في السياسات العمومية والقرارات السيادية..

تاسعا وأخيرا: طريق الكرامة والحرية..

ضرورة العمل الجماعي بين جميع العاملين لمصلحة الشعب، للوصول لمجتمع ديمقراطي حقيقي، ودولة مدنية عصرية وحديثة، شعارها العدل والكرامة والحرية، وهذا الأمر مطلب شعبي، ومسؤولية تاريخية، تطلب جرأة، وشجاعة وطنية، ونكرانا للذات، واصطفافا حقيقيا للجميع تقوية للصف الديمقراطي الوطني، بعيدا عن الوصولية والانتهازية ومنطق سرقة الثورات كما فعل البعض مع ربيع المغاربة في 20 فبراير..