العقل والقرآن من كتاب “القرآن والنبوة”

Cover Image for العقل والقرآن من كتاب “القرآن والنبوة”
نشر بتاريخ

يتناول الأستاذ المرشد ـ رحمه الله ـ في فقرة [القرآن برهان] من كتاب “القرآن والنبوة” علاقة العقل بالقرآن. فقد بين في الفقرة التي سبقتها [فرقان] أن الناس بإزاء القرآن صنفان “فريق هداهم الله بالقرآن وفريق حقت عليهم الضلالة. فريق اتبعوا السبل فتفرقت بهم عن سبيل الله، وفريق اعتصموا بحبل الله وما تفرقوا” 1 مؤكدا على أن القرآن فرقان بين أهل الحق وأهل الباطل “من لا يدخل تحت لوائه فذلك فرقان ما بيننا وبينه” 2

ثم يوضح رحمه الله معنى كون القرآن برهانا من خلال عدة معان منها:

أـ أن القرآن هو المرجع الذي نرجع إليه لنعرف صواب العقل من خطئه وهدايته من ضلاله. قال رحمه الله: “… كلام الله هو المرجع، به يبرهن على الهدى والضلالة، على الصلاح والفساد، على إصابة العقل وخطئه، على سلامته وهدا” 3. والسبب في تأكيده هذا المعنى هو هيمنة العقلانية الكافرة الغازية على العالم والتي سربت إلى فكر المسلمين فكرة تمجد العقل في الظاهر، إذ تجعله قرينا للقرآن لكنها تخفي سيادة العقل وإمامته، وتجعل القرآن تراثا من التراث وتربطه بمحمد البطل العبقري والبيئة التي عاش فيها في عزل تام عن الوحي وعن الجناب الإلهي، وتمجد العقل الذي صنع وابتكر “وضبط في زعمه سير الحضارة” 4.

ب ـ أن القرآن كلام الله الأزلي هو الحاكم على عقل البشر المخلوق الذي يتأثر بتطورات الزمان والمكان، فلا مناص إذن للعقل من أن يتتلمذ للوحي. قال رحمه الله: “معنى كون القرآن برهانا أن نحكم بكلام الله الأزلي على عقل البشر المخلوق العبد الخاضع لتطورات الزمان والمكان. معناه أن يجلس العقل مجلس التلميذ يستهدي الوحي ويستنير به” 5.

ثم يقسم تلامذة القرآن إلى صنفين: صنف اتخذوا القرآن إماما ثم استخدموا عقولهم في استنباط أحكامه واستخراج درره، وصنف لم يحسنوا مجالسة القرآن ولا الفهم عنه. ومن هنا يطرح جملة من التساؤلات عن علاقة العقل والقرآن بواقع المسلمين يقول رحمه الله: “لماذا اختنق العقل فكان اختناقه سببا لانحطاط المسلمين؟ لماذا انحطوا والقرآن فيهم يتلى؟ لماذا هزموا والقرآن قوة؟ …” 6.

فكان جوابه رحمه الله أن العقل المسلم تعرض للخنق من خلال سد باب الاجتهاد ومصادرة العقل المستنير بالقرآن ومن خلال تسخير العقل لتأويل القرآن تأويلا يبرر به كل فريق مذهبه في خضم الحروب الداخلية والغزو الخارجي والصراع بين الطوائف حول الزعامة والملك ومن خلال الجدل الذي اصطلت بناره وحميته الأمة.

· تألق العقل المسلم في تاريخ الأمة

يشير رحمه الله إلى تألق العقل وإشعاعه لدى الصحابة الذين جعلوا العقل خادما للقرآن فربحوا خيري الدنيا والآخرة. كذلك تألق العقل لدى علماء المسلمين في الفقه والحديث وعلوم النقل. وظهرت عبقرية العقل المسلم في ميدان العلوم الذي أنتج حضارة رائعة وتقدم في منهاج البحث والاختراع. ويتأسف رحمه الله على الأثر الذي خلفه الانفتاح على الفلسفة اليونانية وترجمتها من صراع مع العقل الأصيل وجدال، مما أدى بالفكر المعتزلي إلى الطعن في الوحي من خلال القول بخلق القرآن.

إلا أن التحدي المطروح في غد الإسلام هو مواجهة عالم يؤله العقل الزائغ عن وظيفته وينكر الوحي. ليؤكد على أن القرآن يجب أن يكون هو “البرهان على مكان العقل بين المخلوقات. للعقل وظيفة مرسومة يجب أن ينشط فيها كل النشاط. له حدود معلومة لا يتعداها إلا حصد الإنسان الوبال”نفسه، ص 22.

ثم يشير رحمه الله إلى اقتران العقل في القرآن بالقلب فيقول رحمه الله: “يقترن ذكر العقل في القرآن بالقلب. قال الله تعالى: أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها[سورة الحج 46] فنفهم أن من الناس من يعقل بالهوى: ومنهم من يعقل بالقلب. القلب المؤمن هو الذي يعقل عن الله. العقل المعتبر شرعا هو وظيفة تابعة للإيمان” 7. العقل إن اتبع الهوى صار وبالا على الإنسان نفسه وعلى المجتمع وعلى البشرية جمعاء، والدليل على ذلك ما أنتجه العقل في الحضارة الغربية من أسلحة الدمار والقتل والفتك في الوقت الذي تعيش فيه كثير من شعوب العالم الفقر والبؤس والحرمان. لكن إن اهتدى العقل بهداية الإيمان أثمر ذلك طهارة في النفس ورحمة ورخاء في المجتمع وسعادة تغمر البشرية كلها. يقول رحمه الله: “على العقل أن يجالس القرآن والداعيَ ويتلمذ له و”يسمع”. فالسماع بهذا المعنى القرآني هو مصدر العلم. ثم يتسرب الإيمان للقلب، ويتسع ليكون وعاء صالحا لاستيعاب القرآن ورسالة القرآن” 8.


[1] القرآن والنبوة ص 17.
[2] نفسه، ص 18.
[3] نفسه، ص 18.
[4] نفسه، ص 18.
[5] نفسه، ص 19.
[6] نفسه، ص 19.
[7] نفسه، ص 22-23.
[8] نفسه، ص 24.