العلاقة الزوجية وصفارات الإنذار

Cover Image for العلاقة الزوجية وصفارات الإنذار
نشر بتاريخ

في كثير من الأحيان يواجه الواحد منا بعض المشاكل والمواقف الصعبة في حياته عموما أو داخل بيته خصوصا، فَتَصحبه حالة من التوتر والاضطراب، وهذا أمر طبيعي، لكن الأصعب من ذلك هو أن يعمد إلى تضخيم الأمور بدل أن يجتهد في البحث عن سبل لحلها، وتكريس مجموعة من الأفكار السلبية السيئة التي تكون بمثابة خيوط متشابكة ينسجها داخل عقله، وقد يترتب على ذلك مجموعة من القرارات الخاطئة التي يندم عليها لاحقا، ففي لحظة الاضطراب يغيب عن المرء حسن الفهم والبصيرة، وهي حالة غالبا ما تكون مؤقتة وقد لا تدوم طويلا، وربما تتغير الظروف لاحقا، وكل ما يحتاجه حينها هو التحلي بالصبر والروية، وعدم ترك الشعور بالاكتئاب والحزن يسيطر عليه، لأن ذلك لن يزيد الوضع إلا سوءاً.

إن ضغوطات الحياة، وما نمر به في حياتنا من مواقف، حتى السلبية منها، تقوي خبراتنا وتزيد رصيدنا لمواجهة العقبات، ومع قليل من التريث والصبر وعدم الاستعجال نكتشف أننا في معركة صغيرة فرضتها علينا ظروف الحياة، وأن أكثر الأمور تعقيدا يمكن أن تحل وتتلاشى، فكل عسير إذا استعنا بالله يسير، فلا نجعل من بيوتنا بيوتا يطغى عليها التشاحن والتصادم في كل الأوقات، ولنجعلها بنيانا مرصوصا متينا محصنا بأسوار عالية شامخة في وجه أغيار الحياة، لا تنخرها ولا تضعفها متاعب الدنيا ومشاكلها، بل تزيد بناءها قوة وتماسكا، كي لا تكون بيوتنا كبيت العنكبوت الذي وصفه الله في كتابه العزيز بالوهن والضعف وقلة احتيالها لنفسها. قال الله عز وجل وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون (العنكبوت، آية 41).

ذكر الله سبحانه وتعالى بيت العنكبوت ولم يذكر خيوطه، وخيط العنكبوت – كما هو معلوم – أقوى من مثيله من الصلب أربع مرات، ذلك أن الوهن يكمن في البيت لا في الخيط، كما قال بعض الشراح، حيث يكون البيت أسوأ ملجأ لمن يحتمي به، فهو مصيدة لمن يقع فيه من الزوار الغرباء. إن بيت العنكبوت هو أبلغ مثال يُضرب عن سوء الملجأ وسوء المصير.

ومعلوم أن كل علاقة بين شخصين كيفما كان نوعها مهددة بالذبول ثم الموت، وثمة صفاراتُ إنذارٍ أربع تشير إلى تضاؤل الرابطة العاطفية بينهما، فإن كنت حريصا على الحفاظ عليها واستمرارها، عليك أن تكون يقِظا تجاه تلك العلامات الإنذارية. وللإشارة فكلها ناجمة بشكل مباشر عما يسميه علماء النفس “الأكاذيب العاطفية”، والتي قد يقترفها كل طرف إما بشكل واعٍ أو عن سهو أو عن نسيان.

وفي ما يلي مقتطفات مما جاء في كتاب “Affectives Guérir de Ses blessures”  لصاحبه John Gray:

صفارة الإنذار الأولى: الممانعة، أو المقاومة الممانعة، توجد بشكل طبيعي في العلاقة بين اثنين مهما تكن درجة متانتها. والمقصود بالممانعة أن الطرفين – أحدَهما أو كلاهما – يبدأ يشعر بعدم موافقة الطرف الآخر فيما يقول أو يفعل أو يحس. آنذاك يشرع في انتقاده في قرارة نفسه ثم التباعد عنه شيئا فشيئا… أخطر ما في الأمر أن معظم الناس يتجاهلون صفارة الإنذار هاته متخذين للطرف الآخر أعذارا أو معتبرين ذلك أمرا طبيعيا تماما. والحال أن عدم مصارحته بهذه الأحاسيس يجعلها تتراكم فتتحول إلى صفارة إنذار من درجة أعلى.

– صفارة الإنذار الثانية: الغِل أو الحقد، هي مستوى من الممانعة أقوى وأشد وقعا وأثراً. هنا يظهر البغض والعتاب الشديد لأتفه الأسباب. هذا الغل وهذا الحقد يَليهِ غالبا تباعد بين الطرفين وإحباط عاطفي. وهنا أيضا، إذا ساد الصمت ولم يُخبَر الطرف الآخر بهذه الأحاسيس فإنها تتضخم لتتحول إلى صفارة إنذار جديدة.

– صفارة الإنذار الثالثة: النبذ والرفض التام، نصل هذه المرحلة بعد أن يبلغ كل من الممانعة والغل مستويات متقدمة، فيغدو من الصعب البقاء على تواصل مع الطرف الآخر. وهنا يزداد التباعد، بل قد ينقطع حبل التواصل، ويصاحب ذلك لا مبالاة، وربما قَرَف، ولا تعود ثمة رغبة حتى في الكلام.

وعلى مستوى العلاقة الزوجية؛ يتخذ كلٌّ موقعاً خاصا بالبيت يلجأ إليه. من جهة أخرى يصبح توجيه النقد اللاذع للآخر ومعارضته في كل ما يقول أمرا ممنهجا. وقد تخطر لأحد الزوجين – خصوصا الرجال – فكرة البحث عن شريك آخر! وهنا أيضا، إذا لم تكن المصارحة سيدة الموقف تسوء الأمور فننتقل إلى المرحلة الموالية.

– صفارة الإنذار الرابعة: استبطان المشاعر وإخفاؤها القسري صفارة الإنذار الأخطر… نصل إلى هذه المرحلة بعدما نكون قد سئمنا من الممانعة والغل ونبذ الآخر.. فحتى لا نعاني أكثر، نلجأ إلى دفن المشاعر السلبية لتحقيق نوع من “السلام الداخلي” أو “إنقاذ العلاقة” أو “الحفاظ على المظاهر أمام المقربين والناس بصفة عامة”. تقول في نفسك: لا داعي للمزيد.. الأمر لا يستحق.. لننس ذلك.. هذا الأمر أرهقني… الأمر هنا يصبح أشبه ما يكون بتخدير عاطفي ينسحب على جميع مظاهر الحياة التي تصبح رتيبة مملة، لا هي بمؤلمة ولا هي بممتعة. ينظر إليكما الناس فيعتبرونكما سعيدين أو – إذا تعلق الأمر بصديقين أو شريكين في الأعمال – يرى الآخرون صداقتكما هيَ هيَ لم يمسسها سوء.

أخطر ما في هذه المرحلة أن الطرفين يصبحان غير واعيَينِ بمشاكلهما، فيقبلان الوضع كما هو. فما الحل يا ترى؟ الأمر بسيط، فمثلما مرت العلاقة بالمراحل السابقة عليك إرجاعها بالنظر إلى كل صفارة إنذار، لكن هذه المرة بالسيرورة العكسية بدءاً من صفارة الإنذار الرابعة ووصولا إلى الأولى (1).


(1) John Gray, « Guérir de Ses blessures Affectives », p. 114-127, ed. 2015. 

ترجمة محمد الرهوني.