تثير الزيارات الممتدة التي يقوم بها ملك البلاد لمجموعة من دول أفريقيا عدة تساؤلات بخصوص البعد الذي تكتسيه هذه الزيارات، خصوصا وأنها تأتي في وقت يعيش فيه المغرب على مجموعة من الملفات الساخنة والاحتقان السياسي والاجتماعي، كان آخرها انسحاب القوات المسلحة من منطقة الكركرات الحدودية بعد استفزازات البوليساريو، حيث لم تستطع جل هذه التحديات توقيف الزيارات أو تأجيلها، مما يطرح عدة أسئلة حول الأبعاد التي يكتسيها التوجه الجديد نحو القارة الأفريقية، والذي يقول أصحابه إنه يأتي من أجل النهوض بالقارة السمراء ونقل التجربة المغربية الرائدة للدول الأفريقية وكذا الاستفادة من الموارد التي تزخر بها القارة.
ورغم ذلك يبقى التساؤل مطروحا خصوصا مع استحضار ما صاحب هذه الزيارات الرسمية من تدشينات وتبرعات وتمويلات مهمة لمشاريع حيوية لصالح الدول المستفيدة رغم الحاجة الملحة لهذه الموارد من قبل بلد تعاني مجموعة من ساكنيه الفقر والحاجة، ويعرف تدهورا اجتماعيا ملموسا تعبر عنه مجموعة من الاحتجاجات الواسعة في الشارع المغربي والذي يجابه بالقمع والتنكيل.
فالأمر على ما يبدو يتجاوز البعد السياسي والاقتصادي، بل يتعداه إلى نسج مقاربة اجتماعية تروم خدمة أجندات معينة.
ففي ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها أوروبا الشريك الأول للمغرب، والذي زادت من معاناته حدة الهجرة المتفاقمة والتي أذكتها الصراعات التي تعرفها بعض المناطق كسوريا وليبيا واليمن بالإضافة إلى الدول الإفريقية، فإن هاجس تزايد النزوح نحو بلاد العم سام يخلق نوعا من الهلع، مما تضطر معه الدول الأوروبية إلى تمرير المهمة للجار الأفريقي المغرب لكي يتخذ الخطوة نحو فك العزلة عن الساكنة ألأفريقية، تارة عبر سياسة التوطين كما تم ابتداء من سنة 2014 منح المهاجرين حق الإقامة، وتارة عبر إنشاء تمويلات ومشاريع خيرية، وتمويل السوق الإفريقية عبر الشراكات والاتفاقيات والتكوينات وضخ الدماء في السوق الإفريقية عبر تمويلات الخواص أو الهبات الدولية.
كما أن دور الدركي الذي قام به المغرب لصالح دول الشمال، وضعه في مرمى نيران الجمعيات الحقوقية الدولية والمحلية، والتي سارت تدفع الأمم المتحدة إلى التلويح بورقة حقوق الإنسان في وجه التصرفات التي صار يجابه بها النزوح الأفريقي نحو الشمال.
وهذا الدور الجديد هو ما لمح إليه السفير المغربي ورئيس النادي الدبلوماسي المهدي منير خلال مشاركته في يوم دراسي حول العلاقات المغربية الإفريقية بالرباط سنة 2014 قائلا في معرض حديثة عن آليات ووسائل تمتين العلاقات مع أفريقيا: “مثل مساعدة المقاولات المغربية على إيجاد شبكة تسويق، إنشاء صندوق لتنمية إفريقيا ببعد اجتماعي يوجه لتمويل المقاولات الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بالساكنة مباشرة”، موضحا أن “مثل هذه الإجراءات على بساطتها تساهم في تأخير الهجرة، بالإضافة إلى التركيز على التكوين المهني من أجل يد عاملة محلية مؤهلة” 1.
كما يفهم هذا من سكوت فرنسا والدول الاستعمارية عن التقارب المغربي الأفريقي، وإشادتها أحيانا بالدور المغربي الذي أضحى يتقوى في الجبهة الأفريقية، حيث لم يكن للدول الاستعمارية أن تتخلى عن مستعمراتها لفائدة الشركات والمقاولات والاقتصاد المغربي، وهي التي تعي حجم الاحتياطات المعدنية والبترولية بالقارة وكذا البشرية.
ولقد وجد العاهل المغربي في الفراغ الذي باتت تعرفه القيادات الأفريقية بعد موت القذافي، وضعف أداء الرئيس السيسي مجالا في تعميق أجندة التواجد وملء الفراغ خصوصا عبر البوابة الدينية والمد الطرقي المنتشر في بعض الدول الأفريقية، مما عزز الحضور القوي الذي يضفي نوعا من الشرعية على هذا التقارب.
إن الاتفاقيات الثنائية التي اتخذها المغرب مع دول الشمال وسيلة لفك مشكل الهجرة كدركي ومراقب للحدود، جعله في مرمى سهام الجمعيات الحقوقية ومرمى المهاجرين والذين فاق عددهم الخمسين ألفا فوق أراضيه، وبالتالي فإنه باستمراره في سياسة خدمة الأجندة الخارجية تضعه أمام تحديات جديدة قد تكون نتائجها أكثر حدة. أم إن الإغراء السياسي والمالي سيكون هو المتحكم؟