لا يتم الحديث عن ظاهرة العنف ضد النساء، المخالفة للفطر السوية، إلا مرة كل سنة، فترى الأنامل والأقلام تتحرك مأنبة الرجل المعنِّف، وتنبري مختلف أصناف الجمعيات للقيام بحملات ترافعية ووقفات منددة وندوات تحسيسية.. وشتى الأشكال المناهضة للعنف القائم على النوع والمطالبة بالحقوق التي تم بخسها من طرف الرجل، يحضرها من يحضرها من الأطر والعاملين في الميدان في غياب شبه تام أو قاطع للرجل كأب وزوج وأخ ومدير.. لتبقى في مجملها ظاهرة نسائية بامتياز. ثم ما يلبث أن يمضي اليوم ويعود الحال إلى سابق عهده؛ تجتر النساء نفس ما خرجن من أجله من فظائع، إن لم نقل أكثر.
وبالرجوع إلى ثمرات ومخرجات هذه النضالات المتعددة نصطدم بحقيقة مُرة، مفادها أن أصواتنا وكلماتنا لم تشق لها طريقا بعد، فلا حق تناله النساء المعنفات ولا ملجأ آمنا تهفو إليه كرامتهن وإنسانيتهن، وسط عقلية المجتمع الذكوري في مجمله، وهيمنتها الراسخة لدى شريحة عظيمة من الرجال والنساء على حد سواء، ولا تدفع كل تلك الأصوات المعنِّف لأن يحس بتقصيره وفظيع جرمه فيسعى لمنح من هن تحت يديه كرامتهن وحقوقهن، وينبري لبناء حياة جديدة سليمة معافاة من العنف بجميع أنواعه. بل نجد أنفسنا أمام عقول لا يعنيها الأمر في شيء، ولا تلقي له بالا، والنتيجة أنها لا تعمل من أجل التغيير، فنجد المجتمع يخوض في دوامة من الظلم والعنف والشتات، وهو ما يجعل الواقع يزداد قتامة والخرق يزداد اتساعا مع مرور الأيام والأعوام.
تحاول هذه الكلمات أن تعيد تحريك الساكن، وتوقظ العقل الجامد الراكد، وتبقي المعضلة مكشوفة، لعلنا نجعل من كل الأيام مناسبات لرفض العنف في كل مكان، خصوصا ضد النساء، الواقفات على ثغر تربية الأجيال، فكيف يفعلن وأنفسهن مهزوزة وكرامتهن مهدورة، وكفانا من تعليق فشلنا في معالجة الظاهرة على الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فقط، وإن كان لا يخفى على عاقل ارتباطها المباشر بها، ولكن علينا أن نجنح لتغيير ما بالأنفس، ورفض ما نراه ونعيشه من تجلياتها، وقد أثبتت الأيام أن المقاربة القانونية (من سن للقوانين والتشريعات والمواثيق الدولية) غير كافية بالشكل المطلوب لمحاربة الظاهرة والحد منها، ولا حتى الزمن كفيل بتضميد جراح المرأة من الرواسب التي تعلق بها وتصاحبها في حياتها كلها، ويكون لها من الأثر السلبي عليها وعلى عائلتها ما هو معروف ظاهر.
وعلى المرأة أيضا، وهي حجر الزاوية في الموضوع، أن ترفض أي عنف يمارس عليها وعلى غيرها من بنات جنسها، وأن تعمل على محاربته، كل من مكانها، حفاظا على فطرتها ورسالتها في الحياة، فهي عماد الأسرة، تشغل وظيفة جليلة يتوجب معها أن تكون بمنأى عن كل المعوقات والمشوشات.
وتأسيسا على ما سبق فالنقاش حول قضية المرأة يجب أن يتم في إطار الشمولية والتكاملية والاستمرارية في التعاطي، فهي قضية تربية، واستجابة لمنهاج نبوي رحيم، قضية يجب أن تعالج على ضوء مرجعية الأمة من قرآن وسنة.
فلا وقاية ولا حماية للمرأة، رغم وجود مبادرات ومجهودات طيبة بشأن مكافحة جميع أشكال العنف، في ظل تغييب قوة الإيمان وعدل القرآن ورحمة السنة والجهل بالله والآخرة. وأي طرق لباب آخر دخيل عن ديننا القويم من شأنه أن يفتح على المرأة أهوالا قد تزيد وتجدد معاناتها وتدخلها في دوامة أخرى سيلزم بعد حين النضال لإخراجها منها، فلا يحفظ حقوق العباد مثل رب العباد.
لهذا لا بد من وضع استراتيجية تمتح من توجيهات قرآننا العظيم وسنة نبينا الكريم، وتجد الأسوة والسند في سيرة أمهات المؤمنين والصحابيات والصالحات من هذه الأمة الخيّرة، اللواتي يمثلن عصر العطاء والرقي الحضاري والفهم الصحيح للدين والعمل بمقتضاه، فهن المثال والقدوة والنموذج الصالح لكل زمان و مكان.
إن إصلاح ما أفسدته أخطاء التاريخ وما ورّثنا إياه الاستعمار بأنواعه من رزايا يتطلب ما يلي:
– تجديد دين الأمة، على أساس تجديد الإيمان في القلوب وإحياء الربانية في الأمة، وليس فقط تجديد العلوم والمطالبة بالحقوق.
– التشبث بالمرجعية الدينية وثوابتها من أحكام الشرع، والاجتهاد فيما ترك منوطا به، حتى يعلم كل طرف حدوده؛ ما له وما عليه، وكي لا نسقط في ترهات تلبس لبوس الهويات المنادية بالحقوق الفردية والحريات دون قيود والتفسخ الأخلاقي. فكلما ابتعدنا عن منابع دستورنا في الحياة من قرآن وسنة كلما اختلطت المفاهيم وساءت معاملة المرأة.
– استيعاب الدور الإيجابي للمرأة في التغيير المنشود على جميع الأصعدة.
– تعزيز مبادئ الإسلام الداعية لتكريم المرأة وإنزالها المكانة التي حباها بها الله تعالى.
– توظيف نظرة الإسلام الكريمة الرحيمة لصناعة مكانة المرأة واستعادة دورها الريادي في المجتمع والفعال في التغيير.
– وضوح رؤيتنا لقضية المرأة، عند الرجال والنساء، وتوحيد الرؤية فيما يخص مسائل كثيرة أقحمت عنوة في الدين تحت يافطة العادة.
– الإسهام في جعل كافة الأيام تكريما للمرأة وإنصافها، لا الاقتصار على يوم أو شهر محدد، حتى لا نسقط في الطابع الموسمي لحملات التحسيس.
– تحقيق التكامل والتوافق بين الجنسين وإعطاء كل ذي حق حقه، بحثا عن مجتمع سليم بعيد عن الظلم في الاتجاهين.
– التكوين العلمي للطرفين، وحيازة العلوم الكونية والدينية أيضا لاعتماد سلاح الحكمة والندية في التفكير.
– تحمل الدولة وسياساتها العمومية ملف المرأة محمل الجد، فعلا لا قولا فقط.
– تربية المجتمع على احترام الإنسان، مهما كان جنسه أو عرقه… وفق نظرة الإسلام، حيث الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، لإعادة الأمور لنصابها الشرعي.