تمدرس الفتاة القروية جرح ينكأ جسم الوطن، لا تخفى أعراضه ولا نتائجه على العامة فكيف بالخاصة، قبل الخوض فيه أحب أن أضع مجموعة من الأسئلة التي تراود كل متهمم بشأن البلد، مهتم بمصلحته:
– هل أصبح التحصيل العلمي في صفوف الفتيات القرويات مطلبا، أم هو حق من الحقوق، يشتركن فيه مع بقية الخلق؟
– من يتحمل مسؤولية الهدر المدرسي في الوسط القروي والمناطق النائية؟
– من الذي يمنع المغرب عامة والوزارة الوصية خاصة من تغطية الوسط القروي بالمؤسسات التعليمية والبنيات التحتية التجهيزية؟
– كيف يمكننا التحدث عن فك العزلة عن العالم القروي ونحن نعاني من إشكالات عميقة تعتبر بمثابة وصمة عار ، في زمن غيرت العولمة معالمه وانعكست سلبا على قيمه وأخلاقه؟
– هل من المعقول استمرار وجود العراقيل التي تحد من العيش الكريم في العالم القروي، مع كل آليات التحديث والعصرنة في زمن العولمة؟
– هل عجزت الجهات المسؤولة عن تفعيل التدابير والإجراءات، التي غالبا ما تدبج في البرامج السياسية للأحزاب الحكومية، إلا أن الواقع المرير يكذب كل الشعارات الزائفة ويأبى إلا أن يعري الوضعية الهشة والمزرية لتمدرس الفتاة القروية.
لا تكفينا الحملات التحسيسية ولا الندوات والمبادرات الهزيلة في بعض الدواوير، فالتعليم – بمختلف مستوياته – حق أساسي، وصون للكرامة الآدمية التي خص الله بها الناس أجمعين. وإن الإشكالات المرتبطة به، والتي دامت لعقود من الزمن، تحتاج منا اليوم وقفة قوية للبحث عن حلول حقيقة لا ترقيعات جزئية سرعان ما يظهر عوارها.
ولعل من الحلول التي يُتحدث عنها بكثرة إحداث دار للطالبات، كبديل يخفف من وطأة المعضلة ويسكت الأفواه للحظة من الزمن، فهل هي فعلا حل جذري لمعاناة الفتاة القروية أم جزء من حل؟
تروم دار الطالبة أو الفتاة توفير خدمات اجتماعية للفتاة القروية؛ كالإيواء والتغذية ومتابعة الدراسة، بهدف التخفيف من الهدر المدرسي والحد من المأساة التي تلازم الفتاة القروية في موضوع التمدرس.
غير أنها كثيرا ما تعتمد في إدارتها على مساعدات ومنح تقدمها مؤسسات المجتمع المدني كمعونة للتغلب على قلة مواردها، فهل تعجز الدولة على تحمل نفقات هذه الدور؟
إن التعليم من القطاعات الاستراتيجية المهمة، إذ هو المشتل لصناعة جيل الغد، أي مغرب الغد، لذلك يجب أن تعطيها الدولة أهمية تليق بها كمجال وكقطاع تتنافس الأمم فيما بينها عليه، وتقيس به مستوى التنمية والرقي والتحضر في البلاد.
يحتاج العالم القروي عامة وتمدرس الفتاة القروية خاصة إلى تنمية شاملة تتعدد وتتنوع جوانبها؛ تراعي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والنفسية والسياسية..
وللأسف الشديد، ما زالت الإنجازات المتواضعة والمحتشمة بخصوص تمدرس الفتاة القروية ترخي بظلالها على المنظومة التعليمية برمتها، في ظل مسار تعليمي قروي ضعيف لا يرقى للمستوى الذي يعول عليه مستقبلا. والوسائل المعتمدة للحد من هذه الظاهرة مازالت هزيلة، تعجز عن الحد من ظاهرة الهدر المدرسي في القرى والمداشر البعيدة، حيث تجتمع عوامل الفقر والتهميش وقسوة الطبيعة وقلة المؤسسات التعليمية، والحياة الصعبة للأستاذ والتلميذ في نفس الوقت، والأمية، وأخطار الطريق، وقصور السياسات العمومية التي تعجز عن وضع خارطة طريق فعالة للمضي قدما لتنمية مستدامة متكاملة الأبعاد لهذه المناطق.. وإلا فإننا سنظل نكرس مقولة “المغرب النافع” مقابل “مغرب غير نافع”.