اختتمت قبل قليل الجلسة العلمية الرابعة من جلسات المؤتمر العلمي الدولي في موضوع “القرآن والتزكية في نظرية المنهاج النبوي” برئاسة الدكتور رضوان بنشقرون.
في مستهل الجلسة أوضح الباحث ناصر محمدي جاد (الدار العربية لتقنية المعلومات- مصر) من خلال بحثه الموسوم بـ “الأسس القرآنية للنظرية التربوية عند الأستاذ عبد السلام ياسين” كون التربية القرآنية تهدي إلى عقيدة واضحة سهلة لا غموض فيها ولا التواء، تحرر الروح من الأوهام والخرافات وتحرر طاقات البشر للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق. وبناء على استقرائه لكتابات الأستاذ ياسين وجد أن العقيدة الإسلامية تمثل الدعامة الأساسية للنظرية التربوية عنده؛ فالإيمان بالله وحده هو الموجه لسلوك الإنسان والدافع له إلى فعل الخير والنصير له من حيث العناية والرعاية والتوفيق، كما أنه الذي يصرفه عن طريق الشر ويجعله متحليا بالفضائل وحسن الخلق.
وشارك الدكتور محمد الزاوي (باحث في الفكر الإسلامي- المغرب) بـبحث في موضوع “أصول التربية القرآنية من خلال نظرية المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين”، أكد فيه تبني الأستاذ عبد السلام ياسين في مشروعه التجديدي منهجا شموليا يبسط أصوله ومفرداته على مختلف مجالات الحياة الإنسانية: التربوية والسياسية منها، والفكرية والاجتماعية والمدنية وغيرها. بهذا النظر المنهجي الكلي يعكس الأستاذ عبد السلام ياسين حقيقة أولية يُقررها الشرع الحنيف والعقل الحصيف، وتقضي بأن الإنسان والكون والحياة يشكلون وحدة متناسقة الأدوار، متكاملة الوظائف والمهام، تأبى التجزيء وتقصد تحقيق الغاية من الوجود.
وفي موضوع “مركزية الإحسان في نظرية المنهاج النبوي عند الأستاذ عبد السلام ياسين” سعى الباحث محمد حلمي (المعهد الألماني للأبحاث الشرقية- مصر) إلى استكشاف موقع “الإحسان” من نظرية “المنهاج النبوي”، ورؤيته الخاصة بالجمع بين الحقيقة والشريعة، واستحضاره لفقه التربية الروحية عند أطباء القلوب في مواجهة الخواء الروحي. كما اهتم أيضا ببيان موقع التصوف من مشروع الإصلاح السياسي والفكري والاجتماعي… ذلك أن صلاح التيار القلبي الإيماني الساري في أوصال الأمة يكون بصلاح القلوب، والأخير يكون بالتربية المبنية على أصول وقواعد الكتاب والسنة.
وفي البحث الموسوم بـ “قرآنية التزكية وأصالتها في المشروع التربوي للأستاذ عبد السلام ياسين” أشار الباحث في التصوف الأستاذ محمد شتوان (جامعة محمد بن عبد الله- المغرب) إلى أن مدخل الإصلاح الرئيس والبداية الصحيحة لعلاج ما بالأمة من أدواء في تصور الأستاذ ياسين هو التربية ثم التربية ثم التربية. “في أفق الخلافة الثانية على المنهاج النبوي نستبصر التربية النبوية من زاوية طب القلوب.” والقلب ـ يقول الأستاذ ياسين ـ “هو مكمن الداء، فإن صح وسلم فهو مركز الإشعاع وهو العنصر الحاسم في معادلة وجود الأمة وانبعاثها”. وإن إغفال تطبييب القلوب، ـ كما هو حال عديد من التنظيمات الإسلامية ـ وإسقاطه من سلم الاهتمامات وجعله وراء وراء، لن يكون إلا بناء على غير أساس، يوشك أن يأتي ببنيان هذه التنظيمات من قواعدها.
وتدخل الباحث هيثم خزنة (الجامعة الأسمرية- ليبيا) في موضوع “التربية الإيمانية مقصد تشريعي وضرورة تنظيمية: دراسة في الأسس الشرعية والدواعي التنظيمية من خلال نظرية المنهاج النبوي”، فأوضح كون نظرية المنهاج النبوي اعتمدت على التربية الإيمانية في البناء والتنظيم على أسس شرعية، فكانت مستندها ومبناها، ذلك أن الإسلام جعل التربية الإيمانية محور الأحكام والتشريعات حيث ما كانت هذه الأحكام إلا تحقيقاً للعبودية المطلقة لله تعالى، فكانت الغاية من التربية الإيمانية تحقيق العبودية لله تعالى بشكلها الأمثل والأكمل. وقد تعدّت غاية الشرع من التربية الإيمانية إلى أمور أخرى -كما أبانت النظرية- منها اطمئنان القلب وراحة النفس، وتنقية المجتمع من الفحشاء والمنكر، والرضى بما قسم الله تعالى للمؤمن، ثم تحرير النفس البشرية من الكثير من الآفات والأمراض.
وأكد ذ. محمد صديقي (أستاذ باحث في الفكر الإسلامي- المغرب) من خلال بحثه الموسوم بعبارة “مركزية القرآن في التربية الروحية عند الأستاذ عبد السلام ياسين” على كون التربية الروحية تقوم على عدة مقومات منها محاضن الإيمان من أسرة مؤمنة ومسجد ومدرسة ، ومحضن جماعة المؤمنين حيث يتجدد الإيمان وتتنزل فيها السكينة والرحمة. وتحتل مكانتها الصدارة في الفكر المنهاجي للأستاذ عبد السلام ياسين، إذ يعتبرها قطب الرحى في دولة القرآن وغد الإسلام. كما أن الحاجة إلى أطباء القلوب من الحاجات الملحة والتربية مطلب محوري للأمة.
وتحت عنوان “الأسس القرآنية لمجالات الإحسان” أوضح الدكتور أميد نجم الدين جميل المفتي (جامعة صلاح الدين – العراق) أن الإحسان غاية مقدّسة في جميع الأديان، وموضع اهتمام الدِّين الإسلامي على وجه الخصوص، فهو مطلب قرآني، ومعناه في القرآن: الإخلاص، والبِرّ، والإتقان، والجمال، وصفاء القول والعمل. وذكر القرآن أنواعه، وصفات أهله وثوابهم، وتطرّق إلى ثماره الدنيوية والأخروية، وأشار إلى حُكمه الشرعي، ولا يخرج معنى الإحسان في منهاج النبوة (على صاحبه الصلاة والسلام) عن معناه القرآني، إلاّ أن السنة وضعت المبدأ العام له، وعرّفته ، وفصّلت في مباحثه وفروعه المتكاثرة. ولا يمكن الاستغناء في هذا المجال عن فكر وتجارب وكتبِ أستاذ ومفكرٍ إسلامي معاصرٍ، وهو الشيخ عبد السلام ياسين، الذي رفع العَلَم في هذا الميدان، عِلماً وتطبيقاً.