أورد القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان أرقاما، استقاها من تقارير رسمية، تسلط الضوء على مجموعة من المؤشرات التي تكشف الوضع الحقيقي للنساء المغربيات، على مستوى التعليم والصحة والتشغيل والوضع الاجتماعي.. وظواهر الانتحار وزواج القاصرات.. والتي تشكل في مجملها مظاهر العنف المختلفة الذي تتعرضن له.
وساءل القطاع، في تقرير أصدره بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الجهات الرسمية عن جهودها المبذولة لتجاوز هذا الوضع الموسوم بـ”الهشاشة”، مستنكرا عدم الكشف عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء المشاكل البنيوية التي تعيشها نساء المغرب، والتي تفضح زيف الشعارات المرفوعة، وغياب الإرادة السياسية للقطع مع ماضي الفساد والاستبداد الذي يحول دون إقلاع حقيقي نحو تنمية شاملة تحفظ كرامة المرأة والرجل على حد سواء وتضمن حقوقهما الأساسية.
ودعت نساء العدل والإحسان إلى تكاتف جهود الفاعلين لفضح هذه الأعطاب وفضح أسبابها والمتسببين فيها، بدل الانخراط في قضايا مفتعلة بعيدة عن هموم ومشاكل غالبية النساء المغربيات.
فيما يلي نص التقرير:
تقديم
بلغ عدد النساء بالمغرب سنة 2018 حوالي 17,67 مليون امرأة أي ما يمثل 50,1% من مجموع السكان، وما يقارب 49% من الساكنة دون سن 15 سنة من العمر هن نساء، وبين أولئك اللواتي تتراوح أعمارهن بين 60 وما فوق تشكل هذه النسبة ما يقرب من 51%.
فالنساء في المغرب إذن يمثلن نصف المجتمع عدديا، وهي نسبة مهمة ومؤثرة بل وحاسمة في قياس تقدمه أو تأخره، فما هو واقع حالهن اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا؟
للإجابة عن هذا السؤال سنسلط الضوء على بعض من الوقائع والظواهر التي برزت خلال هذه السنة علها تسعفنا في ذلك.
لازمة الأمية والفقر والمرض
يظل ارتفاع نسبة الأمية في أي مجتمع مؤشرا حاسما في تقدمه أو تأخره؛ وعادة ما تكون نسبة النساء الأميات مرتفعة جدا في المجتمعات التي تعاني من الفوارق على أساس النوع. والنساء المغربيات لسن استثناءً من هذا حيث تستفدن بدرجة أقل من الرجال من جهود الدولة -المتواضعة أصلا- في مجال التربية والتكوين والصحة والتشغيل؛ فإذا كان معدل الأمية هو 36,5% فإن حظ النساء منها هو 47,6% في مقابل 25,3% من الرجال، كما أن 14,8% من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة هن أميات.
هذا الوضع يؤثر سلبا على طبيعة نشاط النساء ويجعل عنوانه البارز هو الهشاشة، وهذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر في صفوفهن إذ تفوق نسبة الرجال بـ30 في المئة.
كما أن معدل تشغيل النساء ضعيف ولا يتجاوز 22% مقابل أكثر من 66% لدى الرجال، في مقابل معدل البطالة لديهن والذي يعرف تزايدا مستمرا مقارنة مع معدل الرجال.
الوضع الصحي للنساء المغربيات ليس بأحسن حالا، فمعدل وفيات الأمهات في المناطق القروية ما يزال يمثل ضعفي المستوى في المناطق الحضرية، ومن أسباب ذلك قلة فحوصات ما قبل الولادة في المناطق القروية مقارنة بالوسط الحضري حيث إن 20,4% من النساء القرويات الحوامل لم يستفدن من هاته الفحوصات في 2018، هذه النسبة التي تصبح مرشحة للارتفاع وبشكل كبير إذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف البنيات التحتية أو انعدامها أحيانا وبُعد المستوصفات الطبية وشُح الأطر المؤهلة…
زواج القاصرات.. وضع مثير للقلق
قد يكون ارتفاع نسبة الهدر المدرسي لدى الفتيات بسبب الأوضاع الاجتماعية المزرية التي تعيشها نسبة مهمة من الأسر المغربية من بين أهم أسباب تزايد نسبة زواج القاصرات؛ حيث إن عدد طلبات الإذن بزواج القاصر المقدمة للقضاء سنة 2018 تجاوز 33686 طلبا، هذا الرقم أفصحت عنه جهات رسمية مختصة، وهو رقم لا يعكس حقيقة الوضع لكون نسبة كبيرة من هذه الزيجات تتم بدون إبرام عقد الزواج أصلا.
كما كشفت أيضا عن وجود شبكات لوسطاء يملكون لوائح حقيقية لفتيات جاهزات للعرض في السوق؛ سواء للاستغلال في الدعارة أو في العمل القسري، وخلصت أن الموضوع يحتاج بحق وقفة جدية للتأمل والمراجعة، وأن هناك دراسة تشخيصية تُهيأ في الموضوع تسلط الضوء على الإشكاليات التي تعترض السعي للحد من الظاهرة؟؟؟
من ربات البيوت إلى ربات الأسر
نسبة كبيرة من النساء المغربيات هن “غير نشيطات” – مع أن هذا التوصيف يحتاج إلى الكثير من التدقيق – حيث يكمن دورهن في تربية الأبناء ومزاولة الأشغال المنزلية. إلا أن نسبة النساء ربات الأسر بدأت تعرف ارتفاعا مطردا؛ ففي عام 2017 كان 18,4% من أرباب الأسر هن من النساء و22,8% منهن يعشن بمفردهن، وهن أكبر سنا من نظرائهن من الذكور؛ حيث إن 50,1% منهن يجاوز سنهن 54 سنة في مقابل 37,4% من الذكور أرباب الأسر.
وللإشارة فإن 7 من أصل 10 نساء من ربات الأسر هن أرامل أو مطلقات و65,6% منهن أميات.
النساء العاملات.. معاناة مزدوجة
إن هذا التحول الحاصل في طبيعة الأدوار التي تقوم بها النساء المغربيات وتحملهن مسؤولية إعالة الأسر، اضطرهن اضطرارا للخروج والبحث عن لقمة العيش في ظروف اشتغال أقل ما يقال عنها أنها غير إنسانية: أجور هزيلة وأخرى تمييزية، ساعات عمل غير قانونية وغير ملائمة، استغلال اقتصادي وتحرش جنسي…
وقد كان ملفتا هذه السنة توالي وقوع حوادث سير مروعة ذهبت ضحيتها نساء بائسات تكالب عليهن ثالوث: جشع رب العمل ومضاربة سماسرة النقل وغياب الرقابة، حيث سجلت كل من حادثة مولاي بوسلهام التي ذهبت ضحيتها 8 عاملات مزارعات في ضيعات الفراولة وفي معامل التلفيف، ثم حادثة انقلاب حافلة كانت تقل عاملات في معمل تصبير السمك بضواحي أكادير خلفت شهيدتين وأكثر من 25 جريحة، لتنضاف إليهما فاجعة تسرب غاز سام بوحدة لتصنيع كابلات السيارات بالقنيطرة تسبب في إصابة العشرات من العاملات باختناق ووفاة عاملتين وفقدان أخرى لجنينها.
كما سجلت هذه السنة تجدد معاناة أخرى عابرة للقارات طالت الدفعة الحالية للعاملات المغربيات في مزارع الفراولة بإسبانيا، حيث اشتكت بعضهن من تكرار الاعتداءات الجنسية والابتزاز من قبل أرباب المزارع وصل درجة إجبارهن على الإفطار في شهر رمضان حسب تصريحات بعضهن.
انتحار النساء بالمغرب.. هل يصبح ظاهرة؟
حذرت منظمة الصحة العالمية من ارتفاع حالات الانتحار عبر دول العالم ومنها المغرب، وأشار التقرير الذي اعتمد على إحصاءات تعود إلى عام 2016، إلى أن المغرب شهد انتحار 1014 شخصا، من بينهم 613 امرأة و400 رجل، خلال سنة واحدة؟؟؟
ويعتبر الانتحار هو ثاني الأسباب الرئيسية للوفاة بين الفتيات بعد اعتلالات الأمومة.
أما عن تفسير انتشار الانتحار وسط النساء فهو يرجع بحسب الأخصائيين النفسيين للمشاكل والضغوط التي تعانيها النساء بشكل أكبر، وهو ما يمكن ملاحظته في بعض حالات الانتحار المسجلة بمكناس وتطوان وقلعة السراغنة وشتوكة آيت باها…
لكن يسجل وبكل أسف غياب شبه تام لأي دراسة كمية أو كيفية عن الظاهرة في المغرب وعن انتشارها في صفوف النساء.
ماذا بعد رصد العنف ضد النساء؟
تميزت سنة 2019 بعرض النتائج الأولية للبحث الوطني الذي أنجزته وزارة الأسرة والتضامن حول موضوع “انتشار ظاهرة العنف ضد النساء”، هذا البحث الذي حفل بمعطيات مثيرة؛ حيث سجل أن الوسط الزوجي هو الفضاء الذي تتعرض فيه المرأة المغربية للعنف أكثر من غيره؛ إذ بلغت نسبة النساء المتزوجات اللواتي تعرضن للعنف 52,2%.
ويأتي العنف النفسي في صدارة أنواع العنف الممارس ضد النساء بنسبة 49,1% على الصعيد الوطني، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 16,7%، ثم العنف الجسدي بنسبة 15,9%، فالعنف الجنسي بنسبة 14,3%.
ومما كشف عنه البحث أيضا بروز عنف جديد؛ وهو العنف الإلكتروني الذي تتعرض له الفئات العمرية الشابة، ويمثل التحرش نسبة 78,2% من الأفعال الممارسة إلكترونيا.
فماذا ننتظر من مجتمع أصبح فيه تعنيف المرأة نفسيا واقتصاديا وجسديا وجنسيا وحتى إلكترونيا طقسا يوميا غير خراب البيوت وضياع الأجيال ووأد القيم والمبادئ؟
ختاما
تظل هذه الأرقام؛ والتي قصدنا أن نوردها دون تصرف كما صرحت بها مؤسسات رسمية، مؤشرا واضحا وكاشفا لحقيقة الوضع الذي تعيشه المرأة المغربية، بحيث لم تعد تستطيع حتى التقارير الرسمية تجاهلها بله إخفاءها.
وهل تمتلك الدولة الجرأة نفسها التي اضطرتها للإفصاح عن هذه الأرقام والنسب والظواهر أن تكشف عن الأسباب الحقيقية من ورائها؟؟؟ بالتأكيد لا، لأنها ببساطة شديدة لا تريد للمرأة انعتاقا ولا لأحوالها صلاحا؛ بل إنها تصر على تأبيد فقرها وجهلها ومرضها، وتمعن بشتى الوسائل في استغلالها وابتزازها وتعنيفها، لتضحى كيانا مشلولا مهدودا مكدودا عاجزا عن النهوض بأدواره الأساسية والتأسيسية.
أرقام تفضح زيف الشعارات وتكشف واقع فئات عريضة من النساء المغربيات، تعري همومهن واهتماماتهن بعيدا عن قضايا مفتعلة لا تتصدر انشغالات غالبية النساء المغربيات، وبدل أن تتكاتف جهود الجميع لفضح هذه الأعطاب وفضح أسبابها والمتسببين فيها، نجد البعض يخطئ الطريق ليضيع على شريحة عريضة من المغربيات فرصة الدفاع الحقيقي عن همومهن والترافع عن قضاياهن.
إن الارتقاء بمكانة المرأة في المجتمع المغربي مدخله الرئيس إرادة سياسية تقطع مع ماضي الاستبداد والفساد اللذان يقفان دائما حجرة عثرة أمام الإقلاع الحقيقي نحو تنمية شاملة تحفظ كرامة المرأة والرجل على حد سواء وتضمن حقوقهما الأساسية، بغير هذا سنقف كل سنة وكل مناسبة لنبكي حالنا ونعدد إخفاقاتنا ونطرح السؤال: أين الخلل؟ وبغير هذا يمر عام بعد عام ونساء مغربنا يكتوين بلهيب الاستبداد ولظى الفساد، فهل إلى خروج من سبيل؟