المؤمنة في رمضان: حضور دائم مع الله

Cover Image for المؤمنة في رمضان: حضور دائم مع الله
نشر بتاريخ

شهر رمضان أيام ما تلبث أن تنقضي فينصرف الضيف ضاربا الموعد السنة القادمة، فلا ندري أيمد الله في أعمارنا لنستقبله مجددا أم لا، فالأحرى أن نكرم الضيف الوافد هذه السنة أفضل إكرام، بأن يكون وقتك أختي المؤمنة، كما يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، بمثابة ميزانية تنفقين منها، فكوني بوقتك شحيحة أن تصرفيه في الغفلة وتضيعيه فيما لا يعني، واعلمي أن الوقت الذي تندمين عليه ولات ساعة ندم هو وقت لم تذكري فيه الله تعالى باللسان والقلب والبذل لنصرة دينه، هذا في الأيام العادية (والعبادة مطلوبة في كل وقت وحين) فما بالك في الأزمنة التي خصها الله تعالى بزيادة فضل.

وغالبا ما ينتاب المؤمنة شعور بالتقصير والغبن، وأنها لا تستثمر فرصة رمضان كما يجب في التقرب لله عز وجل بحكم دورها المحوري داخل الأسرة في تدبير شؤون الأسرة والبيت، خاصة أمام العادات الاستهلاكية الجارفة السائدة للأسف في مجتمعاتنا التي تفرغ الشهر الفضيل من جوهره الروحي والتعبدي.

فكيف السبيل لتحقيق التوازن المنشود بين شؤون البيت والأسرة التي يشملها مفهوم “حسن التبعل” بمعناه الواسع، والاجتهاد في الطاعات والعبادات والتقرب إلى الله عز وجل في سيد الشهور؟

إليك أختي المؤمنة بعض المفاتيح والبشارات التي تزيل عنك هذا الغبن، لكي يطمئن قلبك.

المفتاح الأول: تعهد النية لتحويل العادة إلى عبادة

يقول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (سورة الأنعام: 162). فالمؤمن المتطلع لمقامات الإحسان لا يجب أن يكون له فصل بين ما هو ديني ودنيوي، بل محياه الذي يشمل جميع أنشطة الحياة من أكل وشرب ونوم وشهوات ومعاملات وغيرها، كله لله رب العالمين.

فالتزامات المؤمنة في بيتها هي من صلب العبادات، يكفي فيها تعهد النية وتجديدها لتكون خالصة لله سبحانه وتعالى. تجديد النية مفتاح لتحويل العادة إلى عبادة، وبهذه الحركة القلبية البسيطة تتضاعف الحسنات فـ”رُبّ عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية” (ابن المبارك رحمه الله).

وكما جاء في الحديث الصحيح الذي جعله الإمام الشافعي يوازي ثلث العلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”.

وعن زيد الشامي رحمه الله تعالى قال: “إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب”. وعنه أنه قال: “اِنْوِ في كل شيء تريد الخير حتى خروجك إلى الكُنَاسَة”. والكناسة هي مكان إلقاء القمامة.

فيكون أكل وشرب ونوم المؤمن والمؤمنة في حد ذاته عبادة إذا حركته نية التقوى وطاعة الله عز وجل، وصاحبته نية  التقلل وعدم الإسراف، فـ”خصلتان تقسيان القلب: كثرة النوم وكثرة الأكل” (الفضيل بن عياض رحمه الله).

فما الجدوى إذا أتقنت عملا بجوارحك ولكن ضيعت فيه النية التي هي أعظم أعمال القلوب؟

المفتاح الثاني: تعظيم نياتي في رمضان

الطعام الذي تعده المؤمنة في مطبخها تستحضر فيه نية وأجر إفطار الصائم، عن زيد بن خالد الجهني قال: قال صلى الله عليه وسلم: “مَن فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه ابن حبان.

كما تستحضر نية وثواب وفضل إطعام الطعام لما له من أثر عظيم في تأليف القلوب، فأحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي. وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِف”.

ويقول الإمام المجدد رحمه الله: “يبقى إطعام الطعام على صعيد الحياة اليومية بين المؤمنين سنة نبوية ونستبدل بالموائد العادية في حياة الغافلين والراتعين، الحافلة بالأطايب من كسب يعلمه الله، سفرة الأخوة على القناعة والاكتفاء. فإن الاشتراك في الطعام، وبالآداب النبوية، مما يؤلف الله به القلوب” (الإسلام غدا ص 589).

المفتاح الثالث: لايزال لسانك رطبا بذكر الله

إلى جانب جلسات الذكر القارة يوميا، لا تغفل المؤمنة عن ذكر الله الدائم في كل وقت وحين، عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: “لا يزال لسانك رطبا بذكر الله”.

فإلى جانب النيات العظيمة السالف ذكرها في إعداد الطعام، تزداد لذة وبركة هذا الأخير إذا أضفت للوصفة مكون الذكر تهليلا وتسبيحا وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا يفوتك أختي في هذا الصدد أن تستغلي أوقاتك في شؤون البيت بالموازاة في مراجعة القرآن والاستماع إليه وإلى ما يفيدك من الدروس والمواعظ وغيرها.

وما يؤكد ذلك حديث آخر أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه يقول فيه: “جاء النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله، ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مهنة إحداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله”.

بشارة نبوية: حسن التبعل يعدل الأعمال الجهادية للرجل

هذه أسماء بنت يزيد الأنصارية خطيبة النساء، جاءت وافدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاملة تساؤل النساء وشعورهن بالغبن، فقالت: “بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، واعلم نفسي لك الفداء أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا أخرج حاجا أو معتمرا ومرابطا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابا، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته تعدل ذلك كله، قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا”.

وحسن التبعل يشمل كل ما يتعلق بحقوق الزوج ورعاية شؤون البيت؛ من طبخ ونظافة ورعاية الأولاد وتربيتهم وغيره. هذا العمل لا يجب أن تحتقره المؤمنة أو تستهين به فهو يعدل الأعمال الجهادية وهي عاكفة في بيتها.

وتحذر المؤمنة من أن ينتقض غزلها ويضيع وقتها الذي هو عمرها بالعادات الجارفة الباعثة على الغفلة في هذا الشهر؛ من سهر بالليل وانشغال بالشاشات سواء البرامج التلفزية أو الهواتف وغيرها، مع تفويض المهام للآخرين ما أمكن ومراعاة فقه الأولويات.

حضور قلبي دائم مع الله وتعظيم النيات ولسان لا يفتر عن ذكر الله؛ لا يفتأ جماع ذلك كله يصب في كلمة ومقصد ومطلب واحد – أختي المؤمنة – سواء في رمضان أو غيره وهو: الإحسان؛ أن تعبدي الله كأنك ترينه فإن لم تكوني ترينه فإنه يراك.