عانق الأخ عمر محب الحرية يوم السبت 03/10/2020، وغادر أسوار السجن المحلي بفاس، بعد قضاء عشر سنين رهن الاعتقال، بتهمة القتل العمد على خلفية قضية وفاة الطالب آيت الجيد محمد بنعيسى يوم 1 مارس 1993 بمستشفى بالمدينة بعد أن تم الاعتداء عليه في مكان قريب من الجامعة بفاس يوم 25 فبراير 1993، في الوقت الذي كان فيه عمر محب مشاركا في ملتقى طلابي بالدار البيضاء.
وبهذه المناسبة، نعود للملف القضائي الذي توّج بالحكم على عمر محب بعشر سنين سجنا نافذا، لنقف وقفة قصيرة عند بعض تفاصيله القانونية، ونذكر بأن سند المحكمة الوحيد في تكوين قناعتها بارتكاب عمر محب للجريمة، كان هو أقوال الشاهد الخمار الحديوي، الذي كان مرافقا للضحية، حسب زعمه، وقت الاعتداء عليه.
ولأن كانت شهادة الشهود من وسائل الإثبات المعتمدة في المحاكمات الجنائية حسب ما ينص عليه قانون المسطرة الجنائية، المادة 296، فان ذلك رهين بتوفر الشاهد على حد أدنى من الحياد والمصداقية، حتى تكون أقواله محط اعتبار في تشكيل قناعة القاضي الجنائي، وإيقانه بشكل جازم لا يتسرب إليه الشك، بأن المتهم اقترف الأفعال موضوع المتابعة.
لكن بالرجوع إلى شاهد الإثبات في ملف عمر محب، نجد أنه جمع كل الشبهات التي لا تبعث على الريبة في صحة أقواله فقط، بل تجعلها ساقطة تماما من درجة الاعتبار، وموجبة للمتابعة الجنائية من أجل شهادة الزور، والتي نجملها فيما يلي:
1. العداوة والخصومة: لقد جعل المشرع المغربي العداوة من جملة الشبهات التي يتوجس معها القاضي كذب الشاهد وعدم صحة أقواله. ذلك أن القاضي يستفسر الشاهد، قبل الاستماع إليه، عما إذا كانت بينه وبين المتهم “عداوة أو خصومة” حسب نص المادة 330 من قانون المسطرة الجنائية.
ومادام القاضي ملزما بنص القانون باستفسار الشاهد عن هذه العداوة، فان ذلك ليس من قبيل العبث، ولكن لما ينتج عن العداوة والخصومة من نوازع نفسية ورغبات في الانتقام من الخصم والنيل منه والظفر به.
وغير خاف على أن الشاهد، حسب تصريحه هو نفسه، كان طرفا في المشاجرة التي نشبت بين طلبة ينتمون إلى فصيلين طلابيين متنازعين، بل متعاديين في تلك الفترة، نتج عنها وفاة آيت الجيد. وقد يزعم زاعم أنه رغم كونه طرفا في هذه المشاجرة إلا أنه لم يكن له أي دور ايجابي فيها مادام الاعتداء وقع عليه هو ورفيقه آيت الجيد. لكن هذا غير صحيح، ذلك أن الشاهد الخمار الحديوي لم يكن مجرد ضحية في هذه المشاجرة، بل إنه، وإذا سايرنا المحكمة في كون عمر محب لم يكن مشاركا في ملتقى طلابي بالدار البيضاء في ذلك اليوم، فإن الشاهد المزعوم الخمار الحديوي يكون قد شارك في المشاجرة فعلا، والتي اندلعت أطوارها بين طلبة ينتمون إلى فصيلين متنازعين، ذكرهما الشاهد بالاسم “فصيل طلبة العدل والاحسان”، وارتكب أفعال العنف والإيذاء في حق الطلبة المنتمين إلى فصيل العدل والاحسان، وأدين من أجل الأفعال الإجرامية الصادرة عنه في ذلك اليوم بأربعة سنوات سجنا نافدا.
إذا فالعداوة والخصام بين الشاهد والمتهم عمر محب، إذا ما اعتمدنا الرواية الواردة في حكم الإدانة نفسه، عداوة قائمة بلغت حد المشاجرة الدموية التي نتج عنها وفاة. فكيف يستقيم اعتماد شهادة خصم في خصمه وعدو في عدوه.
2. التناقض: إضافة إلى شبهة العداوة بين الشاهد والمتهم، هناك شبهة أخرى أخطر وأعمق، تنسف الشهادة من أساسها، وهي التناقض.
ذلك أن الشاهد الخمار الحديوي تناقض مع نفسه، وأفضى خلال جلسات المحاكمة المتتالية بتصريحات متناقضة.
فبين مرحلة البحث التمهيدي، والتحقيق الإعدادي والمحاكمة بمختلف درجاتها، أدلى الشاهد الحديوي بتصريحات متعارضة بخصوص سياق الأحداث، والأشخاص المعتدون وعلاقته بهم، ووجهة سيارة الأجرة التي كانت تقله هو والضحية، والمساهمون المفترضون في القتل، وكيفية التعرّف على العارض لدى الشرطة.
وحيث دون سرد تفاصيل هذه التناقضات المفضوحة، لورود ذلك في موطن آخر، فإن اختلاف أقوال الشاهد، بل وتناقضها يجعلها ليس فقط ساقطة من درجة الاعتبار، بل موجبة لمتابعته جنائيا من أجل شهادة الزور، طبقا للفصول 368 وما بعده من القانون الجنائي، وذلك بعد إثباتها في الجلسة وتضمينها بمحضر مستقل كما تنص على ذلك المادة 340 من قانون المسطرة الجنائية.
فهل يمكن بعد هذا كله أن يستند القاضي على شهادة بهذه المواصفات ليقتنع اقتناعا جازما لا يساوره أدنى شك بأن عمر محب اقترف الأفعال التي شهد بها الشاهد. ألم يساور القاضي أدنى شك في أن الشاهد كانت تحركه دوافع أخرى غير ما يمكن أن يدفع شخصا محايدا للإدلاء بشهادته بكل حياد وتجرد؟ ألم يستشف القاضي من تناقض أقوال الشاهد، نزوعه الانتقامية وحياده عن جادة الصواب؟
إن المشرع الجنائي منح القاضي سلطة واسعة للحكم وفق اقتناعه الصميم، وأطلق يده لاعتماد أية وسيلة من وسائل الإثبات، لكنه نبهه قبل ذلك أن الشك يفسر لصالح المتهم، وذكره بعده أن الشهادة المعتد بها هي تلك التي تصدر عن شاهد لا تربطه بالمتهم أية علاقة قرابة أو مصاهرة أو علاقة عمل، ولا توجد بينه وبين المتهم أية عداوة أو خصومة. وأن أقواله يجب أن تكون خالية من أية اختلاف أو تناقض.
أما ما دون ذلك، من إدانة عمر محب على الشكل الذي أسلف فلهو محض التجني على نصوص القانون، والافتراء على مبادئ المحاكمة العادلة.