“بعد الزلزال الذي ضرب لشبونة وأتى على ثلاثة أرباعها، لم يجد حكماء البلد وسيلة لتفادي دمارها الكامل أنجع من تنظيم محرقة بالساحة العمومية. فقضت جامعة كويمبري بأن إقامة حفل كبير يتم فيه إحراق بعض الأشخاص على مهل سيكون، بكل تأكيد، السر الفعال لحفظ الأرض من الزلزال”.
هكذا يفتتح فولتير الفصل السادس من روايته “الساذج” حيث يستنكر ما تقوم به بعض السلطات التي تؤمن بالخرافات ، من ربط عبثي ولامنطقي بين الظواهر ومسبباتها.
إن المحرقة تصف المهزلة التي …تقتل: لقي أربعة أشخاص حتفهم و”كينكند الجميلة كان نصيبها بطنا مبقورا”.
يقول مثل مغربي شهير يصف الظاهرة نفسها:” طاحت الصمعة ،علقوا الحجام!”.فالمخزن، وهو في حمى التحديث، أبى إلا أن يضرب بسهم وافر في ميدان الأمثال أيضا، فجلب بخيله و رجله من أجل تحديث هذا المثل الذي هجره الناس وأصبح فهمه مستعصيا عليهم، لكن معناه، بفضل “التحديث المخزني”، أصبح واضحا وبينا: “المغرب ينهار، امنعوا رؤى العدل والإحسان”.
ولن يملك الإنسان إلا أن يلزم الصمت أمام هذا العمل “النبيل” الذي “يغني” ثقافتنا الشعبية بمزيد من الأمثال.
فالمخزن، وبعد أن عجز عن طرح بدائل حقيقية، منحنا مدونة جديدة للأسرة، وهي وهم أكثر من أن تكون قانونا، لأنه “بفضلها” عادت فتيات البوادي ليسقطن في حبائل الزواج التقليدي.
ومن أعطيات المخزن: إنشاء قوات أمن جديدة، والأمر يذكرنا بحكاية أهل القرية الذين أجمعوا أمرهم ليشكوا إلى حاكمهم الطاغية أمر فيله الذي أتلف مزارعهم، لكن ما إن دخلوا عليه حتى استبد بهم الرعب، فطلبوا منه أنثى لفيله.
إنني لا ألمز الشرطيات، وتوظيف العنصر النسوي ضمن أجهزة الأمن شيء إيجابي لو صلحت النيات. لعل الكرموزومات الأنثوية تفعل فعلها في أوساط الشرطة فتدفع بهم إلى الرأفة بالمواطنين والكف عن استنزاف جيوبهم في الطرقات، الأمر الذي لا يتم حرصا على سلامة المواطن، بل ضمانا لمستقبلهم المجهول(أي عناصر الشرطة).
أعود فأؤكد أنني لست ضد إشراك المرأة، وإن كان الأمر لا يعدو أن يكون ديماغوجية صرفة. فبعد أن دعا المخزن النساء للمشاركة في القيلولة البرلمانية، يدعو اليوم أخريات-باعتبارهن مرشدات في الشأن الديني- إلى هدهدة الضمائر بتعليمات الإسلام الرسمي، بعد أن تم تخديرها على مدى قرون.
سخاء المخزن وأعطياته مستمران، مثل استمراره في نفس المنطق، مما يحقق تواليا في تحقيق الأرقام القياسية على مستوى التقارير الدولية. وما دامت المؤشرات المتعلقة بالمغرب في تدن مستمر، فإنه من “المشروع” الحفاظ على مكانتنا المتميزة في كتاب غينس، باب السخافات: من أجل ذلك، انطلق المخزن في “حربه الشريفة” ضد رؤى العدل والإحسان.
حرب الرؤى تندلع بعد حرب الشواطئ.
نأسف لفولتير الذي لم يحظ برؤيا متعلقة بهذا الوضع المضحك المبكي، وإلا لاتخذ نص “المحرقة” طابعا أكثر سخرية، رغم أن الخاتمة ستكون بالتأكيد نفسها لأنها خاتمة منطقية لعلاقة سببية غير منطقية… لقد قال فولتير:” رغم “المحرقة” فإن الأرض قد زلزلت في نفس اليوم زلزالا شديدا”. إنه التاريخ يعيد نفسه…
___________
* نقلا عن موقع الأستاذة ندية ياسين