تمهيد
مع نهاية كل سنة، يتجدد موعد مراجعة حصيلة ما آلت إليه أوضاع النساء في المغرب. لكن، وككل سنة، تواجهنا عقبة نُدرة وشح المعطيات، اللهم من نزر يسير تكشف عنه أرقام بعض التقارير الرسمية أو تقارير منظمات غير حكومية. أرقام نحاول قراءتها علّها تعكس بصورة ولو تقريبية وضعية غالبية نساء المغرب، وإن كان الواقع الفعلي ينطق بما تعجز أن تبوح به وتكشفه لغة الأرقام.
إن سياسات التفقير والتجهيل والتمييز التي تنهجها الدولة منذ عقود، وتقاعسها الممنهج عن القيام بدورها الأساسي المتمثل في ضمان العدالة الاجتماعية، والتمكين الاقتصادي للمواطنين، وتمتيعهم بحقوقهم المشروعة، يجعل من الفئات الهشة، وفي مقدمتها النساء، أكثر من يدفع الثمن. فارتفاع منسوب البطالة، وتفاقم معدلات الأمية والفقر، والتردي الحقوقي، والاستغلال البشع لأوضاع النساء…. كلُّها – وغيرها – صور تكشف بشكل صريح حجم الاختلالات الناتجة عن غياب الإرادة الحقيقية لتصويب السياسات العمومية، بما يحسن ويرفع أوضاع المواطنين عموما والنساء بوجه خاص.
وقد شاء قدر الله عز وجل أن يواجه المغرب، كباقي دول العالم أزمة صحية أنهكت اقتصادات عتيدة، ومنظومات اجتماعية قوية، لتكشف في دول كالمغرب عن مدى اهتراء منظومتي الصحة والتعليم، وعجز أنظمة الرعاية الاجتماعية. كما كشفت عن حجم الفساد وانعكاساته الوخيمة على الطبقات الهشة وعلى رأسها النساء. فحاجز الأمية المانع من الاستفادة من دعم صندوق كورونا، ومعاناة العاملات الزراعيات، وأزمة عاملات القطاع الخاص خارج التعاقدات القانونية، وتشرد المحتاجات، هي فقط بعض صور الفساد والاستبداد؛ أكبر عقبتين أمام التنمية الحقيقية التي من شأنها أن توفر للجميع الحد الأدنى من العيش الكريم.
واستنادا على ما سبق، سنحاول من خلال هذا التقرير تحليل بعض المعطيات وقراءة بعض الأرقام لرسم صورة ولو تقريبية عن أوضاع النساء في المغرب خلال ما يزيد عن سنة.
المرأة والأمية: أحلام الانعتاق الموؤودة
لا يختلف اثنان على أن طريق التحرر والانعتاق من العديد من القيود يبدأ بتقدير الذات وتعزيز الثقة في النفس، كما يمر عبر التمكين بمختلف مستوياته، لكن حاجز الأمية يقف عائقا بين المرأة المغربية وأحلامها في التحرر من الفقر والهشاشة ووصاية الاستبداد السياسي والفساد الاجتماعي اللذين يقدمانها كل سنة قربانا على مذبح محتكري الثروة والسلطة، لتبقى بذلك كل شعارات تنمية المرأة وتمكينها مجرد أماني تداعب مشاعر المقهورات. فقد أشار آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط سنة 2019 إلى أن نسبة الأمية تصل إلى 65,6 % في صفوف النساء، وهي نسب تبقى عالية جدا وغير مقبولة في زمن يتحدث فيه العالم عن تعلمات أخرى ترفع من فرص الإدماج في التنمية وتضمن فرصا عادلة للتمكين، ناهيك عن أن هذه الأرقام ما زالت تجد ما يغذيها ويحافظ على استمراريتها، ما دامت الدولة لم تنجح في تعميم التمدرس الذي يظل ضحية للفوارق المجالية وسوء التدبير وعدم تكافؤ الفرص وغياب الجودة. وقد أشار البحث ذاته إلى إن واحدة من كل عشر فتيات في سن 7-12 هي غير متمدرسة في المناطق القروية، بينما 14,8 % من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة هن أميات. وفي سنة 2019 ظلت ستة من بين كل عشرة نساء قرويات أميات. ولا شك أن هذه النسب معرضة للارتفاع بعد عام من الجائحة كشف عن اختلالات كبيرة في منظومتنا التعليمية.
المرأة والعنف: إهدار للكرامة الإنسانية
إن أشد ما يعيب الإنسانية ويشينها، إصرارها على ممارسة العنف ضد الحلقات الأضعف، في تواطؤات تحقق مصالح من يمتلك القوة في كل تجلياتها. وفي مجتمع كمجتمعنا يعاني من ارتفاع نسب الأمية ومنسوب الجهل، وتنضاف إليه الاضطرابات النفسية الناتجة عن ضيق فرص العيش، وارتفاع الأسعار، وضعف المقاربات التربوية.. تكون للعنف سمة تشكل واجهة الأمراض الاجتماعية، بل وأخطرها، لأنه يمس الكرامة الإنسانية، وينتهك حرمة الحق، ويضع القوانين تحت المساءلة. ويظل العنف ضد النساء بكل أشكاله ظاهرة تهدد استقرار المجتمع، وتنسف رهانات التنمية. فقد سجل البحث الوطني حول انتشار العنف الذي أعدته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2019 أرقاما مقلقة جدا تسائل منظومتنا القيمية، كما تسائل السياسات العمومية ومدى قدرتها على حماية حقوق النساء.
وقد كشف البحث الوطني الثاني حول انتشار العنف ضد النساء في 2019 الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط عن نتائج مثيرة، منها أن 21% من النساء و25% من الرجال يرون أنه من حق الزوج ضرب أو تعنيف زوجته في حال خروجها من البيت دون إذنه، في سياق عام يبرز فيه أنه من بين 13,4 مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و74 سنة، أزيد من 7,6 مليون تعرضن خلال الـ12 شهرا السابقة للبحث لنوع واحد من العنف على الأقل، بنسبة تمثل 57% من النساء.
وحسب النتائج الأولية للبحث فإن معدل انتشار العنف ضد المرأة يبلغ 58% في الوسط الحضري (5,1 مليون امرأة) و55% في الوسط القروي (2,5 مليون امرأة). كما يكشف البحث أنه خلال سنة 2019، بلغ معدل انتشار العنف في الفضاء الزوجي 46%، وأن 5,3 مليون امرأة من بين النساء المتراوحة أعمارهن ما بين 15 و74 سنة هن ضحايا العنف المرتكب من طرف الزوج أو الزوج السابق أو الخطيب…
أما عن العنف النفسي والتمييز الاقتصادي في الفضاء المهني، فتتعرض في مكان العمل 15% من النساء النشيطات على الأقل لشكل من أشكال العنف حسب البحث ذاته. وتزداد هذه النسبة حدة لدى النساء المطلقات (22%) ولدى الأجيرات (21%) وبين النساء في الوسط الحضري (18%) والشابات المتراوحة أعمارهن بين 15 و34 سنة (19%)، وترتكب (41%) من حالات العنف من طرف المسؤولين و(29%) منها من قبل زملاء العمل. وترجع غالبية أفعال العنف في الفضاء المهني (83%) إلى سلوك التعنيف النفسي (49%) أو إلى التمييز الاقتصادي (34%). وترتفع نسبة انتشار هذا العنف في الفضاءات العامة بين النساء الشابات المتراوحة أعمارهن ما بين 15 و24 سنة إلى 22%، والعازبات إلى 27% والنساء ذوات المستوى التعليمي العالي إلى 23%، والعاملات إلى 23%. وتعزى 49% من حالات العنف المرتكبة في هذه الأماكن العامة إلى التحرش الجنسي و32% منها إلى العنف النفسي و19% إلى العنف الجسدي.
وهنا لا تفوتنا الإشارة إلى أن العنف الزوجي يبقى من الطابوهات التي ما يزال المجتمع يتحرج من الإفصاح أو الإبلاغ عنها، ولذلك تبقى الأرقام المعلنة مجانبة للواقع إلى حد كبير.
المرأة أكبر ضحية لسياسات التفقير الممنهجة
جاء في بلاغ للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، وكذا تقرير للأمم المتحدة أن 60% من المغاربة يعيشون الفقر والحرمان على مستوى فئتين؛ الأولى تعاني منه بشكل حاد والثانية بشكل متوسط، مع الحرمان من الحقوق الأساسية. وأورد المصدران أن 12,6% من المغاربة قريبون من عتبة الفقر متعدد الجوانب، فيما يعيش 4,9% من المغاربة في فقر حاد متعدد الأبعاد، والذي يعني غياب أدنى شروط العيش الكريم.
وكشفت المندوبية السامية للتخطيط عن إحصائيات تخص النساء في المغرب، مفادها أن عددهن يفوق عدد الرجال، حيث قدر إلى غاية منتصف عام 2019 بحوالي 17,67 مليون، أي أكثر بقليل من نصف سكان المغرب، كما أن 49% من الساكنة المغربية دون سن 15 سنة هن نساء. كما أكدت ذات المصادر على أن 7 من أصل 10 نساء من أرباب الأسر هن أرامل أو مطلقات، وأن 65,6% منهن أميات، و75% منهن غير نشيطات.
وبإضافة الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط إلى نتائج التقرير الأممي يتضح مدى سوء وضعية غالبية نساء المغرب بسبب الفقر والحرمان من أدنى مستويات العيش الكريم، وحجم الكلفة الباهظة التي تدفعها المرأة المغربية بسبب غياب العدالة الاجتماعية وتغول الفساد وانعدام المحاسبة على احتكار الثروة ونهب مقدرات البلد، ليظل الفج عميقا جدا بين فئات تحتكر الثروة فتزداد كل سنة ثراء وغنى، وفئات عريضة من المجتمع تزداد في المقابل فقرا وحرمانا وبؤسا، وفي مقدمتها النساء.
المرأة ومنظومة الصحة: المعاناة المتكررة
تناسلت عبر السنين الأحداث الكاشفة عن معاناة النساء جراء تهالك المنظومة الصحية ببلادنا التي تفتقر لاستراتيجيات واضحة وخطط وبرامج ناجعة، قادرة على النهوض بهذا المجال الحيوي والأساسي، يؤكد ذلك تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛ والذي كشف عن النقص المهول في الكوادر الصحية وعدد الأسرة والمعدات الطبية، فأشار إلى أن عدد الأطباء في المغرب خلال سنة 2019 لم يتجاوز 7,4 لكل 10000 نسمة في القطاعين العام والخاص، بينما لم يتعد عدد الأسرة في جميع القطاعات 10,07 لكل 10000 نسمة. أمــا فــي مــا يخــص المعــدات الطبيـة المكلفـة، فـهنـاك جهـات بأكملهـا لا تتوفـر علـى هـذه الأجهـزة.
وبالنظر إلى أرقام الفقر الصادمة، والتي تحتل فيها النساء موقع الصدارة، فإن الولوج إلى خدمات القطاع الخاص أضحى ترفا يتطلب إمكانات باهظة، وتظل الوجهة المحتومة هي المستشفيات العمومية الذي تعاني من نقص حاد على مستوى الطواقم الصحية والوسائل والمعدات والخدمات.
وفيما يخص الصحة الإنجابية، أكدت المندوبية السامية للتخطيط، من خلال البحث الوطني حول السكان وصحة الأسرة لسنة 2019-2020 أن 20,4% من النساء القرويات الحوامل لم يستفدن من فحوصات قبل الولادة في 2018، مقابل 4,4% فقط في المناطق الحضرية، وماتزال النساء المغربيات تعانين من وفيات الأمهات في المناطق القروية، بمعدل مرتين أكثر من المدن، وذلك بسبب قلة فحوصات ما قبل الولادة في المناطق القروية، بالإضافة إلى وجود تفاوتات مهمة فيما يتعلق بالولادة في مؤسسة صحية. وإذا كان هذا هو الوضع السائد، فإننا ندرك حجم الكارثة التي آل إليها الوضع في ظل جائحة كورونا التي استنفذت كل الطاقات والإمكانات لمواجهتها.
واستنادا إلى نفس التقرير الأممي السالف الذكر فإن المغرب يصنف في خانة الدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر، وهذا ما جعله يحتل المرتبة 121 في مؤشر التنمية البشرية المبني على تحليل عدة معايير؛ منها عدم المساواة في الحصول على خدمات صحية، والحق في التعليم، والحق في الولوج إلى التكنولوجيا… ورجوعا إلى هذه الأرقام تبقى الصحة من الترف الذي لا تمتلك المرأة المغربية تكاليفه.
المرأة والعمل في القطاع غير المهيكل: يد الفساد الطولى ووجه الاستبداد المكشوف
تسجل النساء على المستوى الوطني حضورا مهما بقطاع الفلاحة والغابات والصيد، حيث يشغل هذا القطاع 46,9% من مجموع النساء النشيطات. ويأتي قطاع الخدمات كثاني قطاع مشغل للنساء بنسبة 38,5% متبوعا بقطاع الصناعة، بما فيها الصناعة التقليدية بنسبة 14%.
إن المتأمل في هاته الأرقام وسابقاتها، سيدرك بسهولة الإكراهات الواقعية التي تدفع أغلب النساء لقبول أي عمل، بعيدا عن خطاب التمكين وإثبات الذات الذي يبدو أنه ما يزال بعيدا عن متناول المرأة المغربية رغم مشروعيته، إلا ضمن حلقات ضيقة جدا، خاصة وأن الغالبية العظمى من النساء العاملات يشتغلن في القطاع غير المهيكل، وهذا ما أكده السيد والي بنك المغرب الذي صرح بتاريخ 28 نونبر 2020 أن 5,5 مليون أسرة مغربية تعيش من الاقتصاد غير المهيكل بما يناهز 25 مليون مواطن مغربي، في ظروف عمل أبعد ما تكون عن الإنسانية، وبدون أمان وظيفي، وخارج الغطاء القانوني، ليبقى بذلك سؤال البحث عن الذات ضائعا، في مقابل سيادة سؤال البحث عن لقمة العيش فحسب، وتبقى معه اليد العاملة الرخيصة، المتمثلة في المرأة الأمية الجاهلة المفقرة، المعيلة لأسرة تنتظر نتاج كدها لتقتات، فرصة لا ينبغي أن تضيع عند أرباب اقتصاد يسيطر عليه إقطاع الشركات، مُرتهن لتحكم الرأسمال الأجنبي الذي يصنع حروبا ليضاعف أرباحه، ويشتغل بنظام الريع واحتكار الثروة من طرف المتنفذين الدائرين في فلك الاستبداد.
النساء الحمالات في معبر سبتة ومليلية: أبشع صور الخذلان لحقوق المواطنة
في المعبر الحدودي بين الوطن وجزء من أرضه السليبة، تنتهك حقوق النساء في أبشع صور الذل والمهانة والتنكر لحقوق المواطنة، حيث تتحول المرأة قسرا وتحت وطأة الحاجة إلى دابة لحمل الأثقال، تدهس تحت الأقدام بسبب الازدحام، وترغم على الانتظار ساعات طويلة حتى يفتح المعبر حسب ما تمليه إرادة المستعمر ومصلحته، وتتعرض للتحرش والعنف وخطر الاغتصاب، أحيانا من المشغل وأحيانا من شرطة المعابر وأحيانا من رفقاء رحلة الشقاء والمعاناة. رحلة تضمحل فيها الأنوثة وتختفي معالمها، بل تضيع فيها الكرامة وتستعبد الرقاب، ولا تعلو حينها إلا إرادة العيش مهما كان الثمن باهظا.
وفي الوقت الذي تعالت فيه الأصوات تدعو لمقاربة عادلة تحمي هؤلاء النساء وتوفر لهن مصدرا آمنا كريما للرزق والعيش، تتخذ الدولة قرارها بإغلاق المعبرين، لتجد فئة منهن أنفسهن عالقات في أرض وطن ينهكه الاستبداد، رهينات للفقر والحاجة، بينما الفئة الثانية في الجهة الأخرى من أرض الوطن المغتصب عالقات مفارقات للأهل والعوائل، مواجهات لمصير مجهول دون اكتراث ممن لهن عليه واجب الحماية، ليبقى بذلك ملف النساء الحمالات من الملفات الساخنة التي تسائل كل مسؤول عن الوطن وتشكل وصمة عار على جبينه.
تداعيات جائحة كورونا على أوضاع النساء بالمغرب
أوضاع هشة زادها الوباء استفحالا وتفاقما
إن الحالة الوبائية التي يعيشها المغرب كباقي دول العالم، وبإمكاناته الضعيفة وبنياته المتهالكة، فاقمت من تأزم الوضعية الهشة للنساء، فتراجع وتيرة النمو الاقتصادي أثر على سوق الشغل بشكل حاد جدا مما أدى إلى تراجع معدل النشاط لدى النساء، خاصة وأن أكثر القطاعات المتضررة بسبب الجائحة هي التي تشغل العدد الأكبر من النساء، ولم تتوقف آثار كورونا عند الجانب الاقتصادي، بل تعدته لتطال جوانب متعددة متعلقة بالصحة وارتفاع منسوب العنف ضد المرأة والزيادة في الأعباء الملقاة على عاتقها. فالحجر الصحي وما صاحبه من صعوبات اقتصادية وضغوطات نفسية أثر بشكل متفاوت على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وأنماط سلوكهم سواء داخل الأسرة أو داخل المجتمع.
لقد كشف انتشار الوباء في مختلف مراحله عن قصور منظومتنا الصحية وضعفها، وعن اختلال سياساتنا العمومية التي صاحبت التدخلات والتدابير الاحترازية وارتجالها، رغم بعض الجوانب الإيجابية التي يتلاشى أثرها في غياب رؤية كلية واستراتيجية تدبيرية واضحة.
وتؤكد مجموعة من الدراسات والبحوث الميدانية وطنيا ودوليا أن المرأة كان لها النصيب الأكبر من تداعيات الجائحة لاعتبارات كثيرة نذكر منها:
– الوضعية الهشة التي كانت تعيشها المرأة قبل الجائحة، والتي تؤكدها مؤشرات التعليم والفقر والصحة والعنف ضد المرأة…
– طبيعة الأدوار المتعارف عليها في المجتمع والتي تتحمل المرأة بموجبها رعاية الأسرة وتدبير شؤونها، والتي جعلت النساء أمام مهام إضافية مرتبطة بتطبيق الإجراءات الاحترازية والتخفيف من حدة آثار الحجر الصحي في البيت.
– نمط التعليم عن بعد فرض على المرأة أدوارا جديدة تتحدد في تيسير متابعة الأبناء لمسيرتهم الدراسية.
– ازدواجية المهام وتعددها بالنسبة للنساء اللواتي يمارسن أنشطة ومهام أخرى خارج البيت.
الآثار النفسية لجائحة كورونا على المرأة: خوف وتوجس وقلق واكتئاب
فُرض الحجر الصحي للحد من انتشار الوباء، وصاحبته مجموعة من الإجراءات الوقائية والحملات التحسيسية عن المرض القاتل والفيروس الفتاك. غير أن الحملات الإعلامية المكثفة ونشرات الحالة الوبائية اليومية وعدد الإصابات والوفيات خلقت حالة من الرعب والتوجس خاصة عند بعض النساء اللواتي يعانين أصلا من القلق والاكتئاب. كما أدت العزلة الصحية إلى ظهور أعراض واختلالات نفسية مثل الخوف من الموت وعدم الرغبة في الحياة وفقدان الإقبال على الأنشطة التي كانت المرأة معتادة عليها قبل الحجر الصحي.
ويجمع أخصائيون في الصحة النفسية على أن الحجر الصحي المفروض بسبب جائحة كورونا ليس أمرا سهلا ولا موضوعا يستهان به، إذ إنه إجراء استثنائي وغير مسبوق يقيد العديد من الحريات، وهذا الوضع له انعكاسات نفسية متعددة على الرجال والنساء على حد سواء. وقد كشف تقرير أنجزته خلية الدعم النفسي التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بكلية القنيطرة، يهم طبيعة الحالات التي تم التكفل بها طيلة الفترة الزمنية للحجر الصحي، أن النساء هن الأكثر اتصالا وطلبا للدعم مقارنة بالرجال، حيث شكلن 80% من مجموع الحالات المتصلة بالخلية، وذلك ما يدل حسب الباحثين على أن النساء هن الفئة الأكثر تضررا من الحجر الصحي.
كما أثر الحضور القوي للمرأة ضمن الأطقم الطبية في ارتفاع خطر إصابتهن بالفيروس، خصوصا وأن معظم العاملات بقطاع الصحة من النساء؛ طبيبات وممرضات ومولدات، مما أدى إلى ارتفاع أعراض القلق والاكتئاب لديهن، فضلا عن زيادة عدد الساعات التي يستغرقنها في العمل في مواجهة مباشرة مع فيروس كورونا من خلال تطبيب ورعاية المصابين. دون أن نغفل الضغط النفسي الذي سببه إغلاق المدارس حيث يضطر الأطفال للمكوث في بيوتهم دون رعاية أمهاتهم أو مراقبتهن نظرا لخصوصية وضعهن المهني والحاجة إليهن في أماكن العمل.
من جهة أخرى سُجل تباين في الولوج إلى الخدمات الصحية الأساسية، حيث إن 35% من النساء اللواتي كن في حاجة إلى استشارة طبية لم يتمكن من الحصول عليها، كما أن 45% من اللواتي يعانين من أمراض مزمنة لم يستفدن من متابعة صحية مناسبة في حين لم تستفد 26% من النساء من متابعة حملهن بشكل سليم. هذا التباين في الولوج إلى الخدمات الصحية يرجع أساسا إلى نقص في الإمكانيات المادية وخوف من العدوى بالفيروس، لكن في مرحلة متقدمة من تطور الوباء كان لإصابة الأطر الطبية والتمريضية بالفيروس أثر كبير في تعثر الخدمات الطبية أو غلق بعض المؤسسات الصحية بشكل دوري.
الآثار الاجتماعية لفيروس كورونا على المرأة: أعباء مضاعفة، وعنف مسلط
ساهم تقييد الخروج من البيت، وتواجد أفراد الأسرة معا في المنزل بشكل شبه دائم في ظهور سلوكيات اجتماعية جديدة بسبب تغير وتيرة ونمط العيش داخل الأسرة، حيث ارتفع الوقت المخصص للتواصل والتفاعل الاجتماعي عبر الوسائط الإلكترونية لدى أكثر من نصف المغاربة، وتضاعف الوقت الذي تخصصه النساء للأشغال المنزلية مهما كانت وضعيتهن الاجتماعية والمهنية. كما ساهم تواجد جميع أفراد الأسرة في نفس المكان ولوقت طويل في خلق حالة من الاضطراب والضغط الذي ولد أحيانا بعض الاحتكاك والتوتر، ليتحول في أحيان أخرى إلى مواجهة وصدام.
أيضا ساهم تعليق الدراسة واعتماد نمط التعليم عن بعد في مضاعفة الوقت المخصص من طرف الأمهات لرعاية الأطفال ومتابعة دراستهم أربع مرات عن الوقت المعتاد، وهو ما يشكل عبئا مضافا على كاهل النساء. كما تسبب الحجر وما نتج عنه من زيادة الضغط على الأزواج بسبب التزامات العمل والأسرة، والقلق من التعرض للإصابة بفيروس كورونا، وكذا الضغوط الاقتصادية والمادية التي أرخت بظلالها القاتمة على كاهل الأسر، في تشنج العلاقات وكثرة النزاعات. وكانت المحصلة، ارتفاع في نسب الطلاق خاصة في فترة التخفيف من الحجر الصحي، واتساع دائرة العنف الزوجي.
وقد ورد في تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، ومنظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي، أن تداعيات تفشي فيروس كورونا، سترفع نسبة الفقر في المغرب إلى 19,87% خلال 2020 عوض 17,1% في 2019، وأن ثلث الأسر المغربية لا تملك مصدرا للدخل بسبب توقف أنشطتها أثناء الحجر الصحي، بينما 34% – أي ثلث الأسر المغربية – لا تحصل على مصدر دخل بسبب الحجر الصحي. وحسب البلاغ الذي نشرته الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، فإن التوجس من المصير المجهول رفع من منسوب القلق والاكتئاب، وبالتالي أدت شرارة الاحتكاك بين الزوجين إلى اتساع طيف العنف ضد النساء. كما سجل تقرير فدرالية رابطة حقوق الإنسان 685 حالة عنف ما بين شهري مارس ويوليوز 2020، ويتنوع هذا العنف بين عنف نفسي بنسبة 49% يشمل التهديد والابتزاز بالأطفال والنفقة، وعنف اقتصادي بنسبة 15% يشمل الطرد من بيت الزوجية والحرمان من النفقة والاستيلاء على أموال المرأة، وعنف جسدي بنسبة 13% يشمل الضرب والجرح ومحاولة القتل، ثم عنف جنسي بنسبة 2%. أضف إلى ذلك النوع الجديد المتمثل في العنف الإلكتروني أو الرقمي الذي يشمل الابتزاز الجنسي والمالي والانتقام والتشهير والضغط للتنازل على الحقوق الشرعية كالنفقة والحضانة…
وقد سجلت النيابة العامة خلال الفترة القصيرة الممتدة من 20 مارس إلى 20 أبريل 2020 ما مجموعه 892 شكاية تتعلق بالعنف، فيما تم تحريك الدعوى العمومية في 148 قضية، علما أن أكثر من 90% من ضحايا العنف بمختلف أشكاله يعزفون عن تقديم شكاوى لأسباب اجتماعية واقتصادية وأمنية.
الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا على المرأة: المزيد من التفقير
أشار تقرير لهيئة الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع أن يطال الفقر مزيداً من النساء في المنطقة العربية، مما سيؤثّر بشدة على الأسر التي تعيلها نساء، وكثيراً ما يتفاقم هذا الوضع من جراء التحيز الذي يطول السياسات الحكومية التي تعتبر أنّ الرجال هم المعيلون الرئيسيون للأسر. كما أكدت تقارير أخرى أن الجائحة خلفت ندوبا عميقة في الاقتصاد المغربي حيث اضطرت 6300 مقاولة للإغلاق و135000 إلى التوقف المؤقت عن العمل، وانخفض متوسط الدخل الشهري بالنصف خلال فترة الجائحة 52% عند الرجال و42% لدى النساء، وفقد 800000 أجير ومستخدم مصدر رزقهم.
لقد تضررت من هذا الوباء قطاعات متعددة وفي مقدمتها قطاع التصنيع وقطاع الخدمات. هذان القطاعان اللذان يشغلان نسبة مهمة من النساء مما سيجعل المرأة من أكثر المتضررين من تداعيات الجائحة، وبالتالي ستجد نفسها بين خيارين، إما أن تخسر وظيفتها، أو تقبل بظروف عمل قد تكون مجحفة لحقوقها.
وإذا كانت الظروف الاقتصادية الصعبة تطول العديد من المجالات وتضر بفئات عريضة من المواطنين، سواء منهم الفئات الهشة أو المتوسطة، فإن لمعاناة المرأة صورا أخرى، حيث يمثل الاستغلال غير المشروع للنساء في قطاع الزراعة سواء في الضيعات الفلاحية أو وحدات التلفيف أو الوحدات الصناعية لتحويل بعض المنتجات الفلاحية واحدةً من صورها. ناهيك عن أن عددا من النساء يعملن في ظروف جد قاسية وبدون تغطية صحية أو حماية قانونية في الغالب، ومقابل أجور زهيدة لا تغطي الاحتياجات الأساسية أمام غلاء المعيشة الملتهب.
إنها معاناة مركبة، يلفها القلق على مصدر العيش، والخوف من التقاط الفيروس، والعنف والاستغلال بشتى أنواعه. وسيبقى حادث عاملات حقول الفراولة اللواتي أصبن بفيروس كورونا، وأرواح العاملات التي أزهقت على الطرقات في وسائل نقل مهترئة، وما تعرضت له العالقات في معبر الذل والمهانة… وصمة عار تفضح حجم الظلم والاستغلال الذي تتعرض له النساء.
وفي الختام
إن الأرقام، على ندرتها، ونسبيتها، والجهة الصادرة عنها، صريحة وصارخة في الدلالة على الظروف السيئة والأوضاع الصعبة التي تعيشها شريحة عريضة من النساء، أرقام تسائل من جهة صناع القرار عن جدوى السياسات العمومية وأدوارها في التخفيف من معاناة المواطن وحفظ حقوقه المشروعة، وتدعو من جهة ثانية جميع الشرفاء والفضلاء والمهتمين بقضايا المرأة إلى بذل المزيد من الجهود والتكتل لمواجهة الفساد والاختلال الحاصل في توزيع ثروات البلاد بعيدا عن كل رقابة أو محاسبة، تحقيقا للعدالة الاجتماعية، وحماية لمصالح المواطنين العامة وكرامتهم الإنسانية.
إن المرأة المغربية اليوم ليست في حاجة فقط إلى إصلاحات شكلية تمر عبر انخراط الدولة في عدد من الاتفاقيات الدولية أو إحداث مجموعة من القوانين والتشريعات والمؤسسات التي تهدف إلى إنصافها تحت ضغط المنتظم الدولي، بقدر ما تحتاج إلى تفعيل تلك النصوص والاتفاقيات لتستمد قوتها مما يمكن أن تستجلبه من منافع وما تدفعه من مفاسد. كما تستدعي أوضاعها – وبشكل ملح – تشكيل جبهة نسائية قوية تعمل جاهدة على إعادة تشكيل الوعي بالحقوق، والتكتل من أجل انتزاعها، ثم السعي لمحاربة آفة الجهل والأمية، والعمل على تطوير المهارات التكوينية والتدريبية والتخصصية للمرأة، والضغط لتفعيل القوانين والتشريعات المسطرة، وهذه كلها أوراش مفتوحة أمام النخب النسائية المنادية بتمكين المرأة.