أصدرت جماعة العدل والإحسان وثيقة سياسية عرضت من خلالها رؤيتها الشمولية للإصلاح. فبعد قراءة تحليلية للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعاني منه المغرب، اقترحت مداخل عملية للخروج من مختلف الأزمات، وفق مقاربة شمولية ارتكزت على الهوية الإسلامية للدولة كإطار تعاقدي مع كل مكونات المجتمع وتركيباته، يضمن الحقوق والواجبات، ويشارك في بنائه كل الأطياف السياسية والمجتمعية دون إقصاء أو تهميش.
وإيمانا منها بالدور المحوري للمرأة في أي مشروع تغييري، تطرقت الوثيقة السياسية للمكانة الاستراتيجية التي ينبغي أن تحتلها المرأة باعتبارها لبنة أساسية في نهضة الأمة، ومكونا فاعلا في بناء دولة قوامها العدل.
نعتت الوثيقة السياسية المرأة “بالفئة الاستراتيجية” في إشارة إلى الخطط المدروسة والممنهجة التي تهدف إلى تحقيق أهداف بعيدة المدى. وهو وصف يتجاوز النظرة السطحية لأدوارها ومكانتها، ليحمل دلالات عميقة في مسار التغيير، ويسلط الضوء على أهميتها كعنصر محوري لا يمكن القفز عليه، أو تصور نجاح أي مشروع إصلاحي من دونها، لتضع الوثيقة بذلك المرأة في قلب التغيير المجتمعي، فهي ليست مجرد جزء من التغيير، بل في قلبه.
قدمت الوثيقة قراءة للواقع الذي تعيش فيه المرأة؛ إذ تواجه تحديات متراكمة، جمعت بين الظلم التاريخي ومخلفات الانحطاط من جهة، وبين الظلم الحداثي الذي سلبها هويتها وسخرها لأجندات تغريبية من جهة أخرى. وقد شمل هذا الظلم مجالات متعددة: ففي المجال الاجتماعي نجد انتشار الأمية وارتفاع معدلات الوفيات بسبب تردي المنظومة الصحية، وفي المجال الاقتصادي نجد الاستغلال المزدوج الذي تعاني منه المرأة؛ فإما أن تشيأ وتستهلك إعلاميا كالدمية، وإما أن تعمل لساعات طويلة بأجور زهيدة، وكذلك المجال السياسي تجد المرأة نفسها مقصية من المشاركة الفاعلة في صناعة القرار، ومحرومة من تقلد بعض المناصب السامية والوظائف العليا…
وقد أكدت الوثيقة السياسية أن الحديث عن إنصاف المرأة، لا يمكن أن يتم إلا عبر كسب رهانات عديدة أجملتها فيما يلي:
1- الرهان التربوي التعليمي: وذلك بتوفير فرص تعليمية متساوية لكل النساء من مختلف الفئات والأعمار.
2- الرهان السياسي: الذي يعيد للمرأة حضورها ومشاركتها الفاعلة في بناء مجتمعها بعد اقتحامها لعقبات النفس والخوف والعادات.
3- الرهان التجديدي: وهو مقاربة نسقية شمولية تربط تردي وضع المرأة بالتردي العام للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وترفض اختزال مظلوميتها في مقاربة صراعية ضد الرجل، وتخرجها من ضيق الفقه المنحبس إلى سعة الدين الحنيف، وتمقت الطروحات التغريبية المتشدقة بالحرية المزيفة التي تفقدها البوصلة.
ثم قدمت الوثيقة السياسية مقترحات عملية للإصلاح ستساهم بلا شك في إنصاف المرأة وتمكينيها شملت مجالات عدة، وتنوعت بين ما هو قانوني حقوقي كإنشاء بنيات تنظيمية كفيلة بفسح المجال لها لاقتراح مشاريع عمل تتناسب وخصوصيتها، وتعليمي يضمن لها الحق في التعليم والتكوين، واقتصادي يحقق لها الاستقلال المالي، واجتماعي يوفر لها كل ما يضمن لها كرامتها الإنسانية ويجنبها كل أشكال التمييز والعنف والتحقير، وغيرها من الإجراءات والتدابير التي من شأنها أن تعزز مكانتها داخل النسيج المجتمعي.