جاءنا الشهر الفضيل بنفحاته الإيمانية، بنسيم الرحمة وعبير المغفرة، شهر ترتفع فيه الدرجات، تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنة.
شهر عبادة واجتهاد في الطاعات والتنافس في الخير، ولا يخفى على أحد أهمية رمضان لدى كل مسلم ومسلمة، خاصة أن رمضان ليس كغيره من الأشهر، فقد كان الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام يضاعف همته في العبادة ويكثر من الإقبال على الله؛ صلاة وذكرا وتلاوة وتضرعا.. فهو فرصة سانحة لتجديد الإيمان وتزكية النفس وتطهير الروح والقلب.
ولا فرق في العبادات بين الرجل والمرأة؛ الكل مطالب بالاجتهاد ورفع الهمة، وعلى المرأة – كما الرجل – أن تستقبل هذا الشهر الفضيل بعزم صادق وهمة عالية على تعميره بالأعمال الصالحة: قراءة القرآن وقيام الليل والإكثار من الصلاة وإطعام الطعام والصدقة.. وغيرها من صالح الأعمال، عن أبي هريرة قال: “قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه” (متَّفق عليه). فرمضان فرصة مناسبة للتقرب من الله بصالح الأعمال، حيث يكون الأجر أعظم والثواب أكبر.
إلا أن المرأة وبحكم خصوصيتها، لكونها أما وأختا وساهرة على بيتها، قد تنشغل بتدبير متطلبات أسرتها، خاصة في هذا الشهر الكريم، فتضيع منها فرصة الاغتنام والانتفاع، وقد لا تشعر بروحانية هذا الشهر بحيث تقضي معظم وقتها بين تلبية حاجيات أسرتها واعداد الطعام، والحمد لله أنه من يسر هذا الدين الحنيف أن كل الأعمال التي تستحضر فيها نية القرب من الله تصبح عبادة ويحصل لها الأجر بإذن الله.
وحتى لا يفوتها الأجران، أجر العبادة والإطعام، على المؤمنة أن تحرص على عدم المبالغة والإسراف في الأمر، فنرى بعض النساء يقضين أغلب وقتهن بين المطبخ والأسواق؛ ينشغلن بتحضير أنواع كثيرة من المأكولات بشكل مبالغ فيه، وكأن الشهر الفضيل شهر طعام لا شهر صيام وعبادات.
رمضان هو شهر غذاء للروح لا البطن، والإسراف في المأكل يحرك شهوات البطن ويزيد في الكسل والتثاقل عن أداء العبادات. قال صلى الله عليه وسلم: “ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من البطن، فإن كان لابد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس” (أخرجه الترمذي).
وعليه فإن تنظيم الوقت من الأولويات التي يجب على كل امرأة أن تحرص عليها، خاصة في هذا الشهر الكريم، تستعين على ذلك بتخصيص برنامج متميز لهذا الشهر؛ تحدد فيه خطة شاملة شعارها: الاجتهاد ورفع الهمة في سائر الطاعات، والظفر واغتنام هدايا رمضان خاصة أنه أيام معدودات، ويا حظ من كان لها نصيب فيه وذكر اسمها مع الصائمات القانتات الذاكرات الله كثيرا.
ولنا في أمهات المؤمنين أسوة وقدوة، فقد تعلمن من الحبيب المصطفى أن رمضان شهر عبادة وطاعة، فكن يجتهدن في الطاعات أكثر من أي شيء آخر، حيث كن حريصات على قيام الليل والوعظ وتعليم النساء.. وقد كانت أمنا عائشة تؤم النساء في رمضان تطوعا وتقوم في وسط الصف، فضلا عن اجتهادهن في قراءة القرآن وختمه، كما كن يكثرن من الذكر، بالإضافة إلى الصدقة التي اشتهرت بها أمهات المؤمنين، ونخص بالذكر هنا أمنا زينب بنت جحش وأمنا عائشة.
وقد كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولا زلن، نموذجا تقتدي به المؤمنة سواء في رمضان أو في غيره من شهور السنة، إلا أن فضل هذا الشهر العظيم يستلزم أن نكون حريصات على الاجتهاد وتبليغ الأحكام، كما كانت أمهات المؤمنين، وهذا مما يبين تعظيمهن لهذا الشهر الكريم والحرص على استثمار أيامه ولياليه المباركة.
نسأل الله أن يعيننا على طاعته وحسن عبادته، ويتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.