لا شك أن وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تمثله من هيمنة وسيطرة وانتشار قد كانت واعية بأهمية وظيفة المرأة المسلمة في بناء الأمة انطلاقا من برجها الاستراتيجي؛ بما هي حفظ للفطرة التي خلق الله تعالى عليها الإنسان، وسعيا حثيثا في المجتمع بما تقتضيه خصوصيتها من عمل بناء تساهم فيه إلى جانب أخيها الرجل في بناء الأمة، فـ”النساء شقائق الرجال”. وهذا ما دفع الإعلام أن يجلب بخيله ورجله متجندا بكل وسائله وعدته وعتاده لتغييب هذه المعاني وتحريف البوصلة، بحجة الدفاع عن المرأة وعن حقوقها .. وذلك بإثارة قضايا مفتعلة؛ كضرورة تحريرها من القيود ومساواتها بالرجل! وإلقاء شبهات حول أحكام إسلامية معينة تُزرع في حس المرأة لتراها عبئاً ثقيلاً تتمنى الخلاص منه مثل: الميراث والتعدد والطلاق وشهادة المرأة.. والهدف الإعلامي من كل هذا هو إبعاد المسلمة المؤمنة عن بوصلتها، وجعلها تتنكر لطبيعتها وخصوصيتها وفطرتها، الشيء الذي ترك آثاراً سيئة وبالغة الخطورة على شخصيتها.
ويعزى تكريس هذه الصورة النمطية الخاطئة إلى عدة أسباب، لعل من بينها غياب رؤية شاملة للإعلام الإسلامي النسائي المرغوب، فضلا عن غياب بدائل إسلامية في مجال الإعلام بمختلف فنونه وضروبه؛ انطلاقا من القنوات التلفزية، ومرورا بالصحف والمجلات والجرائد، ووصولا إلى الإعلام الإلكتروني، إضافة إلى غياب وجوه إعلامية نسائية مسلمة بارزة تعكس الصورة الحقيقية للمرأة المسلمة في قالبها الصحيح القويم.
مرتكز كل هذا رؤية واضحة للإعلام الذي نريد؛ بأهدافه وتصوره ومشروعه، لأن واقع المرأة في الإعلام لا يمكن مناقشته بمعزل عن واقع الإعلام “الإسلامي” الذي نرجوه ونبتغيه.
وبداية فإن ثمة حقيقة يُفترض أن نعترف بها، وهي أنه لا يمكن الحديث عن إعلام قوي ومؤثر، قادر على التصدي للهجمة الإعلامية ضد المرأة المسلمة، إلا بالانخراط و”الانصياع” لموجات الإعلام الحديث بما تحمله من تجديد وتحيين سريع، بل وإتقان تقنياته والإلمام بمستجداته.
وهذه بعض الخطوات العملية أو الملامح الأولية لبناء إعلام قوي يعمل على إبراز الصورة الحقيقية المنشودة للمرأة داخل المجتمعات الإسلامية، نوجزها فيما يلي:
1- ضرورة التوعية والتحسيس بأهمية الإعلام، والتذكير بأن عددا من الحركات الإسلامية في مرحلة من مراحل تاريخها القريب اعتمدت على وسائل الإعلام؛ إما المقروءة من كتب، أو المسموعة من محاريب يرتفع صوتها بالقرآن وبقول كلمة الحق، أو من منابر مرئية ارتفع منها صوت الخير والنصر والجهاد من أجل نشر الدعوة الإسلامية بشكل سريع وعلى نطاق واسع.
2- التوعية كذلك بأن المرأة هي جزء لا يتجزأ من هذا الكيان، وبالتالي فحضورها في الإعلام يعتبر ضرورة لا خيارا، كعمود من أعمدة الإعلام تؤسس وتعمل وتؤطر وتقترح وتبادر، في جميع القضايا وفي تلك التي تهمها على وجه الخصوص، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، وهي أحق بأن تنافح عن قضاياها وتدافع، وليست ديكورا لتأثيث المشهد الإعلامي.
3- حفز المسلمة على أهمية التسلح بالزاد العلمي والفكري والمعرفي، وتشجيعها على ولوج غمار البحوث والدراسات؛ خصوصا فيما يتعلق بعدد من القضايا الشرعية والفقهية التي تهمها؛ مثل الطلاق والتعدد والميراث وشهادة المرأة وغيرها، إضافة إلى تشجيعها على الممارسات الإعلامية على اختلاف هوياتها وتوجهاتها ومحاولة استيعابها والإفادة منها، مع تحريض الكفاءات من ذوات الخبرة المهنية والميدانية لتقديم رؤاهن ومعالجاتهن للاعتماد عليها في بداية التجربة؛ فقد تلفت النظر لمسارات واتجاهات إعلامية غائبة نحن بحاجة إليها.
4- صناعة بدائل إسلامية في مجال الإعلام النسائي بمختلف فنونه وضروبه وألوانه، على أن تكون هذه البدائل ملتزمة ومؤطرة برؤية منهاجية، مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ التدرج في التأسيس والبناء، الشيء الذي يتطلب سعة في الأفق ومرونة وتغاضيا، فإن وجود خلل أو خطأ أو تجاوز أثناء البناء هو من طبيعة العملية الإعلامية ولا شك.
وفي الأخير لا بد من التأكيد على أن للإعلام النسائي مَهَمَّة بنائية وتربوية تهدف إلى تربية المؤمنة والارتقاء بفكرها نحو آفاق أشمل وأبعد، بحيث يكون دوره حلقة مستمرة من التربية والتعليم والتثقيف.