المس إصابة خفية تنسب إلى الجن والشيطان، حين يتملك الإنسان ويوجه حياته وسلوكه، لا يكشفه أي جهاز، ويصعب معه العلاج. والوقاية من المس تكون بالابتعاد قدر الإمكان عن الطقوس والفضاءات المسببة له.
لكن المس الواقعي الميداني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتهم به الجن والشيطان، فهناك جسم عجيب يتحرك في كل مناحي حياتنا، يسيطر على المدن والقرى، يجالسنا في المقاهي والمنتزهات، ويملك مفاتيح كل المؤسسات، له من القوة والسطوة والتأثير الخفي ما يجعل فعله في الناس مسا مشهودا.
هو يمس الناس فرادى عبر وسائل الإعلام وقصف العقول، لكن روحه الفتاكة تحب التجمعات وتستهويها التنظيمات، فلا يكاد يتشكل جنين (سياسي، جمعوي، إعلامي…) حتى تجد هذا الجسم العجيب قد نفث فيه من روحه قبل استكمال الجنين أربعين يوما!! فينمو الصغير وقد اختلطت اللوثة اللعينة بالجينات وشكلت المورثات، ليترعرع خادما وفيا ومطيعا للأب العجيب.
ولا تسلم عروس ترتجي الأبناء (جمعية، نقابة، مؤسسة…) من نطفته الخبيثة، فيشرك معها بعض الأولاد والأحفاد، الذين يقدمون له الولاء ويقاتلون الأبناء الشرعيين على قيادة الأسرة والاستئثار بإرثها.
وقد يلجأ إلى التبني عن طريق الترغيب والتقريب للضعاف من الأولاد، ليجعل منهم بعد حين الأركان والأوتاد.
يهذا الأسلوب تسري روحه في كل “فاعل” يتحرك، فيكسب الكل ويتملك. ويصبح الولاء له والخضوع له والتسبيح بحمده والرعاية لعهده.
وهكذا كل فعل سياسي أو حراك اجتماعي أو نضال نقابي أو عمل جمعوي خرج عن قيادة الروح اللعينة، يجابَه ويحارَب من الداخل والخارج حتى يستسلم ويتوقف، وفي المقابل كم من التحركات والتجمعات والخرجات والشخصيات التي باعثها الروح الخفية، بضاعتها رغم خستها رائجة وسوقها رغم قذارتها عامرة.
من الذي يميع الفعل السياسي ببلادنا وينزله إلى دركات الحقارة والصغار؟
من الذي يتحكم في مواقف الأحزاب ويرفع من يشاء إلى مناصب القيادة والتسيير؟
من الذي يسير الإعلام ويتحكم فيه بمعزل عن (الحكومة)؟
من الذي يدبر المؤسسات والشركات العمومية؟
من الذي يفرخ التنظيمات ذات اليمين وذات الشمال؟
إنها بكل بساطة روح مخزننا العتيد ذي العمر المديد والطبع العنيد، حفظنا الله من مسه ووقانا من روحه المتربصة وأذنابه المتجسسة.