تحل الذكرى السنوية للاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان. دعاة حقوق الإنسان يوظفون المناسبة للمطالبة برفع يد القمع والمنع عن المظلومين والمضطهدين في العالم. وأدعياء حقوق الإنسان من الجلادين والسجانين وأذيالهم وأبواقهم يستغلون الذكرى للتغطية عن جرائمهم والتأكيد على براءتهم.
بلاد المغرب الأقصى لا تخرج عن هذه القاعدة، حيث يحل العاشر من دجنبر 2007م في ظل مشهد حقوقي تؤكد سماته أن وضعية حقوق الإنسان مستمرة في التردي رغم كل المبادرات الرسمية القاصرة والشعارات البراقة:
1- مغرب اضطهاد المخالفين والإجهاز على حقوق الشعب المقهور:
تواصل الدولة المغربية بمختلف أجهزتها الأمنية التربص بخصومها مستعملة أساليب وحشية لترهيبهم والتنكيل بهم. وتلخص المظاهر التالية سمات المشهد الحقوقي المغربي:
– انسجاما مع توجه الدول الكبرى فيما يرتبط بمحاربة الإرهاب، يعمل النظام المغربي كلما سنحت له الفرصة لذلك على إبراز جديته وانخراطه الحازم في هذا السياق. وهذا ما يفسر إقدام السلطات المغربية على الزج بآلاف المتهمين بالانتماء للسلفية الجهادية في السجون في غياب أبسط ضمانات المحاكمة العادلة وفي ظروف اعتقال بشعة بعد أن تعرضوا لتعذيب همجي كما أشارت إلى ذلك تقارير حقوقية على قلتها. ولعل صحة هذه المعطيات هي التي دفعت بالدولة إلى الاعتراف ولو ضمنيا أن الاعتقالات والمحاكمات التي تلت أحداث 16 ماي 2003م شابتها خروقات وتجاوزات.
– وتتعرض جماعة العدل والإحسان منذ ماي 2005م لحملة قمعية منظمة ومستمرة لم يسلم منها الرجال والنساء والأطفال، الهدف منها القضاء على هذا التنظيم الإسلامي المؤثر بعد أن استعصى على الدولة ترويضه كما روضت الأحزاب المشاركة في اللعبة الرسمية. وقد كان الحصاد من هذه الحملة التي ما تزال متواصلة:
عدد المتابعــــين: 845
عدد الذين زاروا مخافر الشرطة: 4568
عدد الملفات الرائجــــــة: 174
مجموع المبالغ المحكوم بها كغرامات على أعضاء الجماعة: 5021715.00 درهم
عدد الأيام المحكوم بها بالحبس النافذ والموقوف على أعضاء الجماعة: 6900 يوم
– ويواجه الشباب حاملو الشهادات العليا شتى ضروب الإهانة والقمع من طرف قوى الأمن المغربية بسبب مطالبتهم بحق الشغل والعيش الكريم. وقد أضحى ضرب الدكاترة المعطلين وتكسير عظامهم منظرا يوميا مألوفا أمام مقر البرلمان. ولم يسلم من هذه المعالجة الأمنية الفجة المكفوفون والحوامل من المعطلين.
– وطالت العصا المخزنية الغليظة كل الانتفاضات الاجتماعية التي خرج فيها المواطنون للتنديد بالارتفاع المهول في أسعار المواد الأساسية. وقد نال سكان مدينة صفرو حظا وافرا من ذلك إذ زج بأزيد من 30 مواطنا في السجن نتيجة مشاركتهم في الاحتجاج ضد غلاء المعيشة وسياسة التفقير التي يكتوي بها الشعب المغربي.
– ولم يسلم الصحافيون من ضروب المضايقات، ذلك أن الحرية المسموح بها في المغرب لا تسمح بانتقاد السياسات الحكومية ومسلسلات الفساد التي تنخر دواليب الدولة. وقد تراوحت العقوبات في حق الصحافة بين المنع والتهديد واقتحام المقرات وفرض العقوبات المالية والمنع من تغطية بعض الأنشطة.
– كما لم يسلم الطلبة من بطش السلطة كلما عن لهم تنظيم احتجاجات مطلبية لإثارة انتباه المسؤولين إلى الأوضاع المعيشية المزرية التي يعيشونها وإلى الإجهاز المستمر على حقهم في المنحة التي لم تعد تكفي حتى لأداء تكاليف الكراء ناهيك عن أن تغطي مستلزمات الدراسة والبحث ومتطلبات العيش في شروطها الدنيا.
يحدث هذا كله في مغرب يسوق إعلاميا وسياسيا على أنه قطع مع سنوات الرصاص وعهد الاختطاف والاضطهاد.
2- المغرب الحقوقي: من القتل بالرصاص إلى القتل الرحيم
نعتت عقود الستينات والسبعينات وجزء من ثمانينات القرن الماضي بسنوات الرصاص. مصطلح توافق عليه النظام والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية وضحايا الاضطهاد من مختلف مشارب اليسار المغربي. وسنوات الرصاص يعنى بها ما تعرض له هؤلاء المعارضون من تقتيل وتشريد في سجون المخزن ومعتقلاته السرية وذلك بسبب آرائهم السياسية ومواقفهم المجانبة لتوجه الحكم. ومع قبول كل تيارات اليسار المعتدلة والراديكالية الدخول في المؤسسات الرسمية (تأسيس الأحزاب وفق القوانين الجاري بها العمل الدخول للبرلمان – …)، تم الترويج أواخر التسعينات لخطة مصالحة مع الماضي. وكان ذلك يعني على صعيد الشعارات التي رفعت أن المغرب سيدخل عهد الديمقراطية الحقة واحترام حقوق الانسان، وسيدفن ماضي سنوات الرصاص. إلا أن الذي حدث هو أن التمتع ببعض الحقوق المحدودة انحصر على القيادات اليسارية المعارضة، ليدشن في المقابل فصل جديد من التنكيل بالإسلاميين جماعة العدل والإحسان تحديدا والسلفية الجهادية والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمعطلين وعموم المواطنين. فإذا كانت الجرائم السابقة قد برزت محليا ودوليا وجعلت المغرب مرمى لسهام نقد المنظمات الحقوقية الدولية، فإن خضوع الدولة لشروط الدول الكبرى مكنه من مغنم هام: أن يقترف الجرائم الجديدة في حق الأعداء الجدد والشعب عامة بدم بارد وفي ظل صمت دولي، بل تشجيع أحيانا حين يرتبط الأمر بما ينعت بـ”ملفات محاربة الإرهاب”.
إن واجب الإنصاف يدفعنا للاعتراف بأن ما تعرض له المعارضون اليساريون سابقا كان فظيعا، لكنهم في المقابل كانوا يستفيدون من تبني ملفاتهم من طرف المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، الشيء الذي كان له الأثر البالغ على قرارات النظام إحراجا وضغطا. ويختلف ذلك الوضع مع ما يحدث اليوم في مغرب “العهد الجديد” حيث يروع ويضطهد المخالفون، وتسكت الأصوات الصادحة بالحق المستنكرة للظلم، ويقتل الشعب المسكين قتلا رحيما إذ يتعرض للهلاك الاقتصادي والاجتماعي. ويساهم في هذا الموت البطيء نجاح الدولة ولو مؤقتا في توظيف بعض الوجوه ضحايا اضطهاده بالأمس المتسترين عن ظلم اليوم الذين يجتهدون في تحسين صورة النظام خارجيا.
3- ضحايا المخزن بالأمس هم سماسرته اليوم:
كان المغرب الرسمي يجد صعوبة في السابق في إقناع العالم بنظافة ملفه في مجال حقوق الإنسان لأن الذين كانوا يروجون لـ “جنة المغرب” كانوا هم الجلادون أنفسهم وصنائعهم. أما الآن، فقد نجحت الدولة في توكيل بعض ضحايا سنوات الرصاص في مهمة تلميع صورته والدفاع عن منجزاته، وهم يفعلون ذلك حتى ولو كلفهم ذلك رصيدهم السياسي وتاريخهم النضالي. فبعد استقطاب إدريس بنزكري لرئاسة هيأة الإنصاف والمصالحة ثم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تولى بعده رفيقه أحمد حرزني مكانه في ذات المجلس. ولا يتحرج السيد حرزني من التملص من كل مبادئه التي ما كانت تسمح له في وقت من الأوقات بتزوير الحقائق وتبرئة ذمة الجلادين. فها هو الأستاذ المناضل يعلن في المنابر الوطنية والدولية وفي أبواق أشهر الفضائيات العربية أن مشهدنا الحقوقي مزدهر وأن السجون المغربية خالية من سجناء الرأي، وكأن معتقلي العدل والإحسان في فاس ومعتقلي السلفية الجهادية مجرد جرذان.
إن السيد أحمد حرزني يقود هذا الانقلاب ضدا على تاريخه وتاريخ زملائه النضالي بعدما استفاد من عطايا المخزن وامتيازاته. ونتيجة لهذا التوجه الجديد، يتعرض باستمرار لانتقادات بعض رفاقه في المعسكر اليساري، ويطرد من الكليات المغربية. وكان آخر طرد تعرض له بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير حين ردد الطلاب في وجهه “حرزني سير في حالك.. الكلية ماشي ديالك”. وشأن حرزني في النكوص عن السكة الحقوقية النضالية السليمة شأن جل المنظمات الحقوقية المغربية.
4- تدجين جل المنظمات الحقوقية عمق الأزمة:
إلى عهد قريب، كان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يغرد خارج السرب حين كان يصدر تقارير خضراء تمجد المنجزات الرسمية في مجال حقوق الإنسان، بينما كانت المنظمات الحقوقية تحاول فضح جزء من الانتهاكات الجسيمة لهذه الحقوق.
ومع تدشين ما سمي بالعهد الجديد ودخول السياسيين الأوصياء على تلك المنظمات مجالات التدبير الحكومي، ومنح مناضلي الجمعيات الحقوقية أنفسهم عضوية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، دجن العديد منها، وفترت أخرى، بينما بقيت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقاوم التيار وتحاول إحراج الدولة بتحركاتها ووقفاتها على محدوديتها. والمؤكد أن حجم الخروقات والتجاوزات يفوق كثيرا حجم الجمعية وبرنامجها.
إن استفحال قمع المخالفين عبر المحاكمات الصورية والمداهمات البوليسية والاختطافات ومنع وقمع المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وغياب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن السياسية يجعل الملف الحقوقي أكبر من أية جمعية أو أية جماعة أو أي حزب. لذا وجب على كل الشرفاء والفضلاء رص صفوفهم وتوحيد جهودهم لمدافعة الظلم الجاثم على هذا البلد الطيب.