تزامنت التساقطات الثلجية هذه السنة بجبال الأطلس مع العطلة البينية، فتوجه معظم الأسر إلى تلك المناطق للاستمتاع ببياض الثلج، والتزلج وأخذ صور تذكارية مع الثلوج.
صور اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي، تنطق بالفرح والبهجة والسرور. غير أن منظر الثلج لا يكون دائما مصدر البهجة والاستمتاع، فالزائر لقرى ودواوير الأطلس سيكتشف حجم المعاناة وسواد العيش الذي يختفي خلف هذا البياض الناصع، حيث يمثل فصل الشتاء بالنسبة لسكان هذه المناطق عبءا ينضاف إلى ظروف عيشهم القاسية، فيعيشون عزلة تامة، بسبب انقطاع الطرق وصعوبة التنقل وقساوة البرد. وتتكرر هذه المعاناة كل سنة في هذه المناطق التي توصف بالمغرب العميق أو المغرب المنسي، ويقصد به كل المناطق المهمشة التي تدخل في نطاق المغرب غير النافع، ليس شرطا أن يكون نائيا، بل يدخل في التوصيف كل المناطق التي تعاني من التهميش.
في هذه المناطق توجد نساء لسن كنساء المدن، نساء تشققت أرجلهن من شدة المشي، بحثا عن ماء صالح للشرب صيفا، وعن حطب للتدفئة وقت البرد. نساء وفتيات صغيرات تحكي تقاسيم وجوههن في صمت عن معاناتهن. نساء يحملن على ظهر الدواب وقت الوضع، أو على نعش حمل الأموات، في طرقات وعرة باتجاه مستشفيات نائية؛ قد يصلن إليها أحياء أو أمواتا.
في هذه المناطق أيضا يعيش أطفال كبروا قبل الأوان؛ المحظوظون منهم يقطعون – بأرجل سقيمة متشققة – عشرات الكيلومترات ليصلوا إلى حجرات درس كئيبة، تقتل أي رغبة في التعلم. وعند بداية تساقط الثلوج يصبح الأطفال في عطلة مفتوحة فرضتها الطبيعة، فالعودة إلى حجرات الدرس تصبح مرتبطة بذوبان الثلج. والأقل حظا من هؤلاء غادروا هذه الحجرات في سن مبكر، وتحملوا مسؤولية رعي الأغنام ومساعدة آبائهم في جلب الحطب والماء، أناملهم الصغيرة متشققة وكذلك شفاههم، كأنها أرض تعاني الجفاف.
والرجال هناك رغم صلابتهم وصبرهم، إلا أن اليأس يسكن نظراتهم البئيسة. أغلبهم يمتهنون رعي الماشية، غير أن هذه الأخيرة تظل حبيسة الحظائر طيلة فترة تساقط الثلوج لتضيف إلى أعباء حياتهم عبء شراء العلف الذي ارتفع ثمنه كما هو شأن باقي المواد الغذائية .
في ظل هذه الأوضاع تطرح العديد من الأسئلة نفسها بشدة:
أين الدولة؟!
هل تختزل الوطنية في هذه المناطق في غطاء وقنينة زيت وقالب سكر وكيس طحين؟
قبل أربعة عشر قرنا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في استشعار استباقي للمسؤولية حتى تجاه الحيوان: “والله لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لِم لَم تمهد لها الطريق يا عمر؟!”. فمن يتحمل مسؤولية تمهيد الطريق لهؤلاء المواطنين؟
وإلى متى سيظل التعامل معهم خاضعا لمنطق الإحسان والمساعدات الموسمية بدل تمكينهم من حقوقهم التي تكفل لهم الشعور بالكرامة لا شعور المتسول؟
هم مواطنون مغاربة، ومن حقهم العيش الكريم ولو في حده الأدنى؛ الذي يتطلب بالأساس طريقا معبّدة ومستشفى ومدرسة وكهرباء وماء يروي العطش.. مطالب بسيطة مازالت تطلب في الألفية الثالثة، في عصر الثورة التكنولوجية والذكاء الصناعي..
فهل من مجيب؟