المنهاج النبوي ووصية الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى (2).. التجديد

Cover Image for المنهاج النبوي ووصية الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى (2).. التجديد
نشر بتاريخ

إذا كانت وصية الامام المجدد في بنائها المنهاجي القائم على جمع الإرث النبوي قد انطلق من مفهوم الاقتحام كعنصر أساسي في نظرية المنهاج النبوي – كما سبقت الإشارة إليه في المقالة السابقة – فإنها بالمقابل أسست لعنصر التجديد كمقترح يقدمه الإمام مسلكا وسبيلا لتجاوز واقع الفتنة الذي ينخر جسم الامة، في تكامل تام لعناصر الفهم الشامل لحركة التغيير الفردي والجماعي والتاريخي للأمة الاسلامية، لكون التجديد ملازم وملاصق للاقتحام، بل لا معنى لهذا الاخير إلا بالتجديد، وهي سمات تمتاز بها الوصية وتدعو إليها، سواء على مستوى تجديد الفهم والارادة والسلوك، أو في تحليل لحركية التاريخ وماضيه واستشراف مستقبله وقراءة الحاضر برؤية تجديدية مبنية على الأصل النبوي القويم الباعث للامة لتقوم لله ولامر الله، تجديد قائم على أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعا وبأفعاله اقتداء ولتقريراته فقها وإدراكا ولأحواله تحققا، وهذا الاتباع الكامل اتباع مقاصدي تجديدي سالك لمسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلياته ومبادئه وأصوله الكبرى.

فالوصية تسعى لتجديد البواعث الايمانية والتذكير بالمنهاج النبوي، والتجديد المطلوب هنا للأمة تجديد بواعثها لتقوم أفرادا تجدد ايمانهم بالتربية، وجماعة تجددت قوتها بتجدد بواعث أعضائها الإيمانية بواجب الجهاد واقتحام العقبة) 1 .

وهذا التجديد لن يتأتى إلا بالذكر في الملإ والخلاء ذلك أنه يبلى الإيمان في القلوب، وتضعف ربْطة الميثاق الفطري الذي أخذه ربنا جل وعلا على بني آدم يوم “ألست بربكم؟”، وينقص بمخالطة الغافلين عن ذكر الله ومعاشرة المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين… ونقرأ عن الصحابة رضي الله عنهم فنراهم سائر الأيام، غير تلك الحرجَةِ، يشعرون بنقص في إيمانهم لمجرد مخالطتهم الغافلين في الفترات التي يبتعدون فيها عن صحبة الأسوة العظمى العروة الوثقى صلى الله عليه وسلم. قال حنظلة بن الربيع:)“كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر النار. ثم جئت إلى البيت، فضاحكت الصبيان، ولاعبت المرأة، فخرجت فلقيت أبا بكر، فذكرت ذلك له. فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر. فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! نافق حنظلة؟ فقال: “مه!” فحدثته بالحديث فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل فقال: “يا حنظلة! ساعةً وساعةً! لو كانت قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق””رواه مسلم والترمذي) 2 .

فالواجب الجهادي الذي أمر به الله عباده المؤمنين ينطلق من الاستغراق في تجديد الإيمان بالذكر وصحبة أهل الخير والصلاح، وقوة الفهم عن الله وقوة فهم الواقع فهما شاملا لفقه الأفراد والجماعة مع التمسك بالعروة الوثقى والاستسقاء من النبع الصافي (القرآن والسنة).

والوصية في تأسيسها المنهاجي حريصة على ترسيخ ذلك الفهم التجديدي الصحيح السليم والإرادة القوية، كما تسوغ لنا ترجمة الوحي إلى واقع يمضي أبنا إلى الغاية الإحسانية والاستخلافية.

وقد عرض الإمام المجدد رحمه الله اجتهاده لاقتحام العقبة وواقع الفتنة بنظرة تجديدية قوامها الخصال العشر وهي خصال معنوية روحية عملية منسجمة لكونها أساس المنهاج واتجاهه وغايته) 3 ، كما تشكل تسلسلا تصوريا يغطي موقف الإنسان في الجماعة وموقفه من العقلانية وموقفه من الله ومن العادة، كما تغطي التربية والتأثير المتبادلين وسط الجماعة. وبإضافة معرج القوة في السلوك الإسلامي المنهاجي على مستويات الاسلام والايمان والإحسان والتي يجمعها منهاج اقتحام العقبة نتمكن من فهم الإنسان وعمله، وتجميع أحواله بعرضه على المنهاج فردا كان أو جماعة 4 .

وهذه الخصال المعروضة في الوصية أدوات منهاجية لتغيير الإنسان، ومن داخل هذه الأدوات نميز بين الأمهات التي تعد المصدر والأساس والمفتاح لعملية التجديد المقترحة للتغيير الشامل الجذري (الصحبة والجماعة والذكر والصدق) وبين باقى الأدوات والخصال التي هي مظاهر تطبيقية لمن جمع الخصال الثلاث الأمهات 5 .

ثم إن العرض التجديدي للخصال العشر بهذه الشاكلة ما هو إلا المضمون القرآني النبوي كمنهاج اقتحام العقبة، ما هي صياغة خارجة عن مصدر الاسلام، مصدر المنهاج، وإنما هي لب الصفات الخلقية والأنماط السلوكية التي تتردد في القرآن والسنة) 6 .

فالوصية تحمل معاني التجديد بأبعاده الكلية سعيا إلى لتجديد الدين للأمة وتجديد الإيمان على مستوى الأفراد حتى يكون بذلك تحرك جماعي قوي يعيد الأمة إلى مجدها وعزها ويسمو بالفرد إلى غايته العظمى في الفوز برضى الله يوم القيامة.

فالإمام المجدد وضع اجتهادا متكامل البنيان بنظرة تجديدية جامعة لهم الفرد في التدرج في مدارج الإيمان والإحسان واقتحام العقبات النفسية والسلوكية، وهم الجماعة في الاستخلاف وإقامة العدل والتغيير الشامل في وعاء سمته استيعاب الوحي والتاريخ وإدراك واع وفهم عميق ودقيق للنفس الإنسانية وتقلباتها.


[1] المنهاج النبوي ص 40.\
[2] الإحسان ج1.\
[3] الإسلام غدا ص 38.\
[4] الإسلام غدا ص 39.\
[5] الإسلام غدا ص 39.\
[6] الإسلام غدا ص 40.\