ختمت جماعة العدل والإحسان ذكرى تأسيسها الأربعين، الذي استمرت فعالياته لمدة ثمانية أشهر، بحفل بهيج، تنوعت فقراته بين كلمات ممثلي قطاعاتها التنظيمية ووصلات غنائية وأشعار وشهادات وربورتاجات، وكلمة للجماعة ألقاها الناطق الرسمي باسمها الأستاذ فتح الله أرسلان.
افتتح المهرجان، الذي حضره ثلة من قيادات الجماعة وأعضائها، بقراءة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها على مسامع الحاضرين القارئ مصطفى أمهاوش. قبل أن يتناول الإعلاميون هاجر الكيلاني ومحمد اليقيني عن بعد ومريم قصور حضوريا كلمة البدء، في تسيير ثلاثي جميل، كان مما جاء فيه “أربعون سنة؛ شاهدة على لحظة قيام، ومسار تجديد، وسبيل دعوة، وطريق سلوك، ونصرة مستضعفين ضد ظلم الظالمين. مشاتل زُرعت فأينعت، وقلوب اجتمعت فتحابّت، وسواعد شمرت فصمدت، وإرادات سقيت ففاحت، وهمم وعت فارتفعت..”. لترحب بعدها قصور بالحاضرين، وتمرر الكلمة للدكتور علي تيزنت، باسم اللجنة المركزية المشرفة على فعاليات الذكرى الأربعين لتأسيس الجماعة.
حيا تيزنت الحضور وتقدم باسمه وباسم أعضاء لجنة “الوفاء” المركزية “بالشكر الجزيل والامتنان الجميل إلى كل من ساهم وشارك وساند ورعى وتوجه ودعا وجاهد وسعى في سبيل إنجاح فعاليات الذكرى”، وتوجه إلى الحاضرين بقوله: “بين يدي هذه الذكرى وما تحمله من دلالات وعبر وغايات يليق بنا أن نستشعر جمال الإشارة ومقتضى العبارة في مدلول قول الله تعالى: حَتَّيٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيَ أَنَ اَشْكُرَ نِعْمَتَكَ اَ۬لتِےٓ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَيٰ وَٰلِدَيَّ، ونستحضر قبله ومعه وبإزائه عميم فضل الله على عباده المومنين ورحمته بخلقه أجمعين، ومن ذلك أن الله جلت حكمته يبعث على فترات من الزمان وامتداد في المكان عبادا له صالحين مصلحين ودعاة إليه صادقين مخلصين، يوقظ فيهم همة طلب وجه الله الكريم، ويبعث فيهم الإرادة للدلالة على مقامه العظيم، يلهمهم فعل الخيرات والنهي عن المنكرات والصبر على العقبات، وإننا لنعتبر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى مؤسس هذه الدعوة الكريمة وغارس بذور هذه الدوحة العظيمة؛ جماعة العدل والإحسان، لممن أنهضتهم العناية الربانية، وسمقت بهم الهمة العلية والإرادة السنية لتجديد بعض ما اندرس من روح الدين”، ثم مضى يستحضر بعد معالم مشروع الإمام.
استعرض، بعدها، اليقيني تقريرا جامعا لأغلب فعاليات ومحطات الذكرى منذ انطلاقها. تقرير أكد “تشبث الجماعة بحقها في الفعل والتعبير، فبالرغم من الحصار والقمع والتضييق فهي قادرة بعون الله تعالى وفضله على العطاء والإبداع والتميز، ناسجة بذلك تاريخا زاخرا بالبذل والتضحيات والمواقف المشرفة، مبادرة دائما وفي المجتمع فاعلة”. تعلق قصور.
قصة أربعين سنة من العطاء والمواقف المشرفة الشامخة، نظمها الشاعر حسن الوفيق نثرا ونسجها الفنانان محمد بنلعلاوي ولحبيب السلاسي بخيوط ترانيم ذهبية في لوحة فنية أولى بعنوان “شذو الأربعين”، أدتها نخبة من الأصوات الشجية.
الكلمة الثانية كانت لأحد رجالات جيل التأسيس الذين التحقوا بالإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى في بداية دعوته وكونوا النواة الأولى لانطلاق الجماعة؛ الأستاذ إبراهيم أكورار، الذي ذكّرته أحد أركان القاعة التي أقيم فيها الحفل بلقاءاته الأولى مع الإمام وأعضاء مجلس الإرشاد، وهم يومئذ قلة، ليحمد الله تعالى على نعمه عز وجل على هذه الجماعة المباركة بإذن الله تعالى. في معرض كلمته روى أكورار كيف كان الإمام يربطهم بالله تعالى، قياما بالفرائض والنوافل، وبالرجال الذين قام هذا الدين على أكتافهم؛ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ومن تبعهم من الصالحين، الموكب النوراني الممتد امتداد هذه الدعوة الرحيمة الحكيمة، وخص بالذكر رجال الجماعة الأوائل الأساتذة محمد العلوي السليماني وعلي سقراط والروابزي والنقرة رحمهم الله تعالى الذين تشرب منهم معاني المحبة والصحبة…
أورد بعدها اليقيني ربورتاجا حول مسار الجماعة خلال هذه السنوات الأربعين من حياتها. لتعود قصور بالحضور إلى جو الإبداع والجمال بالكلمة الموزونة المقفاة مع الزجال والروائي الدكتور عبد القادر الدحيمني في زجلية بعنوان “عمّر الكيسان”. ثم أداء غنائي لمجموعة “الإحسان” لبعض أغانيها التاريخية: “من ذا يسير”، “تقدم فالمدى رحب”، و”يا أمة الرسول”.
ثم تابع الحاضرون شهادات لبعض الفضلاء الذين تربطهم بالجماعة علاقة تواصل وتعاون في إطار مبدإ الجماعة الراسخ بالانفتاح على القريب والبعيد إيمانا منها بقيمة الحوار والعمل المشترك. أولها، من الخارج، تفضل بها الشيخ كمال الخطيب؛ نائب رئيس الحركة الإسلامية في أراضي 48، وهو من أيقونات النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، والثانية من الغرب تفضل بها الأستاذ فرانسوا بوركا، أستاذ العلوم السياسية ومدير الأبحاث في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي بفرنسا. ومن الداخل شهادة للأستاذ أحمد ويحمان، ناشط حقوقي ورئيس المرصد المغربي ضد التطبيع، وأخرى للمهندس عبد الرحيم الشيخي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح المغربية.
وفي لوحة فنية ثانية، أظهرت تنوع التعبيرات الثقافية الذي تحظى به الجماعة وامتدادها داخل النسيج المجتمعي لهذا البلد الحبيب، أتحفت مجموعتان أمازيغيتان الحضور بوصلتين أمازيغيتين، هما مجموعة الأنوار من سوس، ومجموعة “إيمولا” من الأطلس.
وباسم نساء جماعة العدل والإحسان، قدمت الأستاذة آمال الوكيلي كلمة أكدت فيها بعد مرور الأربعين سنة وقوف نساء الجماعة “على أعتاب المولى شاهدين على صدق هذه الدعوة، شاكرين المولى على مدده وإمداده، لسنا نبالغ حين نشكر لله ونثني بما شهدناه وأدركناه ورأيناه”. وباسمهن منذ الرعيل الأول للتأسيس، نوهت الوكيلي “بحضور المرأة الوازن في قلب مشروع الجماعة، بل حضورها في شتى ميادينها، بيقين الأيادي الفاعلة والعقول المدبرة والقلوب المؤمنة المتشوفة، وبيقين المصدقة الصادقة الواثقة بنصر الله وبموعود رسول الله”. كاشفة أن “مما حقق الله على يد نساء هذه اللحمة المنجمعة على الله، من انخراط قوي وحضور وازن، كل واحدة من مسؤوليتها، ومن مكانها الأصيل، في كنف الولاية العامة، تخدم وظيفتها الحيوية المتمثلة في صناعة جيل التغيير، منطلق البعوث القوية وملاذ النفوس الزكية؛ نذكره تحدثا بنعمة الله علينا حمدا وشكرا، لا افتخارا واستعلاء”.
ومضيا في فقرات الحفل الذي كان التنوع سمته الأساس، قدم اليقيني ربورتاجا آخر، نقل فيه، هذه المرة، شهادات لأبناء الجماعة من حيثيات ومناطق مختلفة؛ ثمرات عقود من التربية والبناء، تحدثت بنعم الله عليها؛ تربية وصحبة تنسمتها في محاضنها ومجالسها وانطلقت تبني مع من سبقها لتحتفظ بالمشعل متوهجا تحضيرا لمن سيلحق بإذن الله تعالى.
كلمة قطاع الشباب بالجماعة ألقاها الشاب زكرياء عياش، عضو القطاع الطلابي، الذي أكد أن “إحياء هذه الذكرى، وضعنا نحن الشباب والشابات أمام صورة كاملة لتاريخ جماعتنا المشرف ولمواقفها البطولية وإنجازاتها المميزة وأسسها الراسخة. مما جعلنا فخورين بانتمائنا إليها، معتزين بما قدمه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله ومعه جيل التأسيس من عطاءات تربوية وفكرية ورؤى سياسية وعمل دؤوب في الدفاع عن قضايا الوطن والأمة وسط محن أمواج بحور الأربعين سنة الماضية، بظروفها المتشابكة الصعبة، مما جعل الجماعة ولله الحمد والمنة تحتل مكانة متميزة ونوعية في مختلف ميادين الفعل والتدافع”. وأن “هذه الذكرى المباركة بقدر ما تفتح من آفاق، فإنها تطرح عدة تحديات وأسئلة تفرض نفسها على كافة المستويات؛ خاصة الشبابية منها، وهي أسئلة لن تجد مدخلا للإجابة عنها إلا بالوفاء لمشروع الإمام المجدد رحمه الله، ولعهد الصحبة في الجماعة، انجماعا للقلوب والإرادات بذلا وعطاء ويقينا متجددا في موعود الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ وهذا يقتضي فهما ووعيا بالمهمات، واستيعابا لواقع التحديات واستشرافا موقنا لمستقبل دعوة الله عز وجل”.
ثم انتقل الحاضرون مرة أخرى إلى جو الكلمة المنمقة الموزونة بميزان الصدر والعجز، مع الشاعر الشاب المبدع الأستاذ محمد الخواتري، في قصيدة نالت جائزة من طرف لجنة الثقافة والفنون في مسابقة أجرتها إبان الذكرى الأربعين، قال عنها: “لما كانت هذه الدعوة المباركة دعوة آفاقية في التاريخ والحاضر والمستقبل فقد ارتأيت أن أضمن ما أثله هذا الجيل المبارك، جيل التأسيس، في كلمات موزونة عسى أن تحفظ السند وتربط اللاحق بالسابق”. ألقى القصيدة الدكتور عبد الغني مموح.
وأنهي الحفل بكلمة ختامية قدمها باسم مجلس إرشاد الجماعة الأستاذ فتح الله أرسلان، الذي حمد الله تعالى، وأعلن “اختتام فعاليات ذكرى الأربعين لتأسيس جماعة العدل والإحسان، بعد شهور من الحضور الإعلامي من خلال مجموعة من الفعاليات تناولت شتى مجالات العمل، عشنا خلالها أياما مباركات، ذكرتنا بفضل الله عز وجل علينا، وما أنعم به المولى عز وجل على هذه الجماعة المباركة. فنحن نقف لنحمد الله عز وجل ونشكره وأنى لنا أن نؤدي شكر نعمته علينا سبحانه وتعالى، نسأله أن يؤدي عنا شكر نعمته”. وكشف أن الجماعة بحمد الله استطاعت أن تحقق جل الأهداف التي وضعتها حينما قررت الاحتفاء بهذه الذكرى.
من بين هذه الأهداف ذكر الناطق الرسمي باسم الجماعة:
1- الوفاء للجيل المؤسس وفي مقدمته الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى ومعه مجموعة من الرجال والنساء، واستحضار المراحل المفصلية التي مرت بها الجماعة منذ التأسيس وما عاشته من صعاب وتحديات وتعسف ومضايقات وظلم بيّن، لم يفت في عضدها، بل زادها قوة واستواء، مع ربط الأجيال اللاحقة بجيل التأسيس وإشعارها بما بُذل من جهود في سبيل بناء هذا الصرح العظيم.
2- انفتاح الجماعة على الآخر، “فهي تمد يدها لكل الناس بمختلف مشاربهم كي نتعاون على القاعدة التي نشترك فيها، وقد أثبتت تجربة الجماعة وممارستها وسلوكها أنها بالفعل تسعى إلى ذلك، من خلال فتح أحضانها وبيوتها لجميع الناس، فحضر كثير من الفعاليات المغربية على تنوع مشاربها وتكلموا وتحدثوا واستفدنا من ملاحظاتهم الكثير”.
3- تعريف الناس بأن الروح التي اجتمعت عليها جماعة العدل والإحسان هي تذكير الناس بمصيرهم، واستحضار – عمليا – أن هذه الدنيا دار عبور لا دار قرار، لذلك عملت فعاليات الذكرى من خلال مجموعة من المحطات التربوية بإبراز هذا الجانب..
ختم الحفل البهيج بدعاء خاشع للأستاذ محمد بارشي، عضو مجلس إرشاد الجماعة.
فيما يلي الحفل كاملا لمن أراد الاطلاع على تفاصيله: