خص الأستاذ أبو بكر بن الصديق عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان موقع الجماعة.نت بجواب مفصل عن سؤال “كيف نستعد لشهر الطاعات؟”.
وذكَّر رئيس الهيئة العامة للتربية والدعوة للجماعة بأن شهر رمضان هو شهر الغفران، إلى درجة أن جبريل عليه السلام اعتبر أن الذي أدرك شهر رمضان ولم يُغْفَر له فيه، فقد بلغ من المقت والبُعد عن الله درجة مقززة، فدعا الله أن يُبعِده 1 ووافقه النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذهب إليه، بل وأمَّنَ على دعائه.
واستدل على ذلك بحديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ…” 2 الحديث.
واسترسل موضحا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبين لنا كيف نُحَصِّلَ رضى الله ونفوز بمغفرته في رمضان، وأورد حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه” 3؛ فربط مغفرة الذنوب بقيام ليل رمضان، وربط قبول هذا القيام بشرطين أساسيين: الإيمان نكتسبه والاحتساب نعقده.
واعتبر أن ما ينبغي الانكباب عليه استقبالا لهذا الشهر الفضيل، العمل على تحصيل شرطين أساسيين:
أولهما: الإيمان
يؤكد ابن الصديق في هذا الشرط الأول، أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بأعمال قلبية ثلاثة، تكسب المرء حلاوة الإيمان، مستدلا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عنه سيدنا أنس رضي الله عنه: “ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار” 4.
وأضاف قائلا: “فلنتوجه إلى الله عز وجل بين يدي هذا الشهر نذكره و“أفضل الذكر لا إله إلا الله” 5 وبها يجدد الإيمان 6، ونتوب إليه وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نتبعه، نستن بسنته ونقف عند أمره ونهيه، فقد أخبر التنزيل أن ذلك يُفضي إلى اكتساب محبة الله للعبد قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ 7، وأن نبحث عن رفقة نحبهم في الله لا نحبهم إلا له ونصحبهم ونُخالِلُهم فيه، فبحبهم وصحبتهم وحضور مجالسهم، تُكتسبُ محبة الله ورسوله كما أخبر الصادق المصدوق في هذا الحديث، وكما قال في حديث آخر: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” 8“.
وفي ختام حديثه عن هذا الشرط، أضاف ابن الصديق: “فلنحسن التوبة من ذنوبنا ومعاصينا، فمن الذنوب ما يتنافى أثناء القيام بها وحصول الإيمان، كما جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن”، ولنَتَحَاشَ أي حنين للعودة إليها، ولْنَقْطَع الصلة مع من كانوا لنا أعوانا على اقترافها، والذين في معاشرتهم يتقوى احتمال معاودتها، بعد أن أنقذنا الله من براثنها”.
ثانيهما: الاحتساب
وفي هذا الشرط الثاني الذي استعان على شرحه بابن منظور قائلا: “شرحه ابن منظور بالبِدار إِلى طَلَبِ الأَجْرِ وتَحْصِيله بالتسليم والصبر. وأورد في شرحه حديث عُمَر: “أَيُّها الناسُ، احْتَسِبُوا أَعْمالَكم، فإِنَّ مَن احْتَسَبَ عَمَلَه، كُتِبَ له أَجْرُ عَمَلِه وأَجْرُ حِسْبَتِه”“.
وأضاف قائلا: “الاحتساب نية، والنية تعقد قبل الشروع في العمل، وكلما عقدت النية مبكرا كلما ازدادت رسوخا وتأكيدا. ألم تر إلى من سبقونا بإيمان يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم. ولك أن تتصور استقبال حبيب غائب قضيت نصف سنة تدعو الله أن يجمعك به، كيف تكون لقياك به، وكيف يكون فرحك بقدومه وإكرامك لحضوره وابتهاجك بالاجتماع به؟ وهل يقارن هذا مع من صادفته في الطريق عرضا لم تشتق لرؤياه ولم تكترث لغيابه؟”.
واستغرب الأستاذ ابن الصديق لهذه المدة الطويلة من الاستعداد، وتساءل باستغراب وتعجب: “يبدو أننا تأخرنا! وأبطأنا!” ثم يستدرك قائلا: “لكن وعلى حد قول العقلاء؛ ما لا يدرك كله لا يترك جله”.
وختم بقوله: “هُمْ تهيؤوا ستة أشهر ونحن إن شاء الله نخصص الأيام الستة المتبقية للدخول في إعداد مشروع القيام بحق رمضان، صياما وقياما وحفظا للقرآن وتلاوة وذكرا وتوبة واستغفارا. وفي كل صلاة ندعو الله أن يعيننا على إنجاز مشروعنا. ألا يستحق رمضان هذا وقد وصفه الحبيب المصطفى قائلا: “أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه” 9“.
[2] جزء من حديث رواه ابن حبان.
[3] متفق عليه.
[4] أخرجه الإمام البخاريفي كتاب الإيمان.
[5] رواه الترمذي وابن ماجه، وبقية الحديث “وأفضل الدعاء الحمد لله”.
[6] لحديث أبي هريرة “جددوا إيمانكم. قيل: يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول: لا إله ألا الله” رواه الإمام احمد والطبراني.
[7] البقرة الآية 31.
[8] رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
[9] رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث طويل.