من يتابع تعامل النظام السوري مؤخرا وتعاطيه مع الأزمة التي يمر بها يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن النظام ذو القبضة الحديدية يعيش بالفعل لحظاته الأخيرة، وأن هذا النظام الذي ظل جاثما على أنفاس السوريين لعقود من الزمن بات يلفظ أنفاسه الأخيرة. فالظروف الموضوعية المحيطة به وحتى الظروف الذاتية التي يمر بها النظام، تؤكد بالفعل أن هذا النظام صار إلى غير رجعة، وبعد الحل العسكري الذي كان يأمل من خلاله كسب تعاطف الرأي العام الدولي إن على مستوى الشعوب أو الأنظمة، إذ كان يصبو، من بعض ما يصبو إليه من خلال هذا الحل بعد أن أعياه الحل الأمني، إلى إظهار نفسه بمظهر الضحية، بيد أنه فشل فشلا ذريعا في ذلك، نتيجة لرعونته ووحشيته السادية. بعد كل هذا نجده اليوم يحاول أن يلعب على نفس الوتر ولكن بطريقة مختلفة، فحينما تشن قنواته حملة دعائية غاية في البلادة، تذكرنا بنفس تفاهة الحملات الدعائية التي كان يطلقها نظام القذافي في لحظاته الأخيرة، خاصة عندما صورت لنا هذه الحملات “القذافي” في ثوب الضحية الذي فقد أحد أعز أبنائه “عز العرب”. نفس الأمر يحاول فعله النظام السوري حينما يصور أن خمسة عشر مدنيا قتلوا في حلب بسلاح كيماوي نتيجة انفجار صاروخ استهدف منطقتهم، من طرف جماعات إرهابية حسب تعبيره، وبالخصوص “جبهة النصرة”، وما يزيد من تأكيد هذا الخيار لذا النظام السوري، هو اغتيال العلامة سعيد رمضان البوطي رحمه الله – وإن كان لنا عليه عتب فالله مولاه وهو يتولاه – خاصة وأن الظروف المحيطة بعملية الاغتيال، إن من حيث الزمان أو من حيث مكان الحدث، تجعل أصابع الاتهام تتجه مباشرة نحو هذا النظام، ولسنا نعلم بالضبط الملابسات إن كان الشيخ رحمه الله قد أفاق مما كان هو فيه أو رفض الافتاء من جديد بما يخدم النظام كما فعل “المفتي العام” حسون.
ويكتسب هذا الطرح واقعيته أكثر بعد الهجوم الأخير على كلية الهندسة بقذائف الهاون والتي أسقطت اثنى عشر طالبا، ضحايا جددا لهمجية نظام اختلط حب السلطة والتسلط لدى أركانه حتى غدا يسري في عروقهم مسرى الدم.
ترافق كل ذلك مع نهج النظام لعبة العزف على الوتر الديني، والذي سخر لأجله ثلة من علماء البلاط، لكن أبرز ذلك الاستخدام هو دعوة مجلس الافتاء الأعلى وبالخصوص على لسان المفتي العام “حسون” إلى الجهاد للدفاع عن سوريا ووحدتها، بل جعل ذلك فرض عين على كل مسلم !!! هكذا أصبح النظام الذي يفتخر بعَلمانيته ينتهج الخطاب الديني… أضف إلى ذلك دعواته للحوار حسب هواه.
المهم أن كل هذا يجعلنا نتوقع من النظام جولات من الخداع والتباكي وذرف دموع التماسيح، والتي ما كان يذرفها من قبل، حينما كان هو الحامي لصرح العروبة والصاد لدسائس أعداء الأمة العربية، وغيرها من الألقاب الهلامية التي دأب على الاتصاف بها قادتنا “العظام” في العالم العربي! حينها كان يقتل بلا رقيب ولا حسيب، دون أن يدور في خلده أنه سيلجأ إلى تقمص دور الضحية، الأمر الذي يجعلنا بالفعل نتحسس قرب أفول نجم هذا النظام الذي عمر طويلا شأنه شأن مجموعة من رفاقه على كراسي الحكم في العالم العربي، وهو ما يحتم على كل العاملين على الساحة ضرورة التفكير فيما بعد البعث، وكيفية إعادة إعمار بلد ضربه لأول مرة في التاريخ زلزال حاكمه ” تسونامي البعث”.