النيابة الشرعية وإلحاق مقطوع النسب والإرث.. مواقف الجماعة من قضايا عالجتها ندوة حول مدونة الأسرة

Cover Image for النيابة الشرعية وإلحاق مقطوع النسب والإرث.. مواقف الجماعة من قضايا عالجتها ندوة حول مدونة الأسرة
نشر بتاريخ

اعتبرت الأستاذة حفيظة فرشاشي، عضو المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري، أن مسؤولية الأبوين عن أبنائهما ثابتة في حالة طلاق كما كانت حالة الزواج حفظا ورعاية، موضحة أنه في حالة الطلاق ينبغي للآباء أن يعوا بأن ما انفصل هو العلاقة الزوجية وليست العلاقة الأبوية مع الأبناء، ولذلك يجب لمفهوم الأسرة أن يستمر، كما تستمر علاقة الرحمة والمودة مع الأبناء.

وذكرت في مداخلتها، إلى جانب الأستاذ هاروش والدكتور إبراهيم الهلالي، في ندوة عقدتها العدل والإحسان عن “مدونة الأسرة: منطلقات، قضايا ومقترحات” من تنظيم اللجنة المشتركة للنظر في مدونة الأسرة وأدارتها الدكتورة أمينة البوسعداني عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، أن التسريح ينبغي أن يكون بإحسان ولا يكون فيه أي ابتزاز لأحد الطرفين على الآخر، متأسفة لوجود حالات كثيرة من هذا القبيل وهو ما ينبغي أن تضطلع به مؤسسات التنشئة الاجتماعية قياما بأدوارها في التوجيه والمواكبة.

فالعلاقة مع الأبناء، هي علاقة رعاية، تقول فرشاشي، موضحة أن هذه القاعدة ينبغي أن تراعى في جميع الحالات استحضارا للمصلحة الفضلى لهم، وعلى ذلك فإن الأم بعد الانفصال تهتم بالحضانة ويبقى الأب مهتما بالنفقة والقيام بالشؤون المادية كما هو الأمر في شريعتنا الإسلامية كما كان الأمر قبل الطلاق.

وإذا كانت مهمة المرأة تستمر بعد الطلاق في حضانتها للأبناء، فإن الرجل في إطار ما يسمى بالنيابة الشرعية، يستمر أيضا في القيام بشؤونهم وتمثيلهم لدى المؤسسات وخارج البيت، ورغم بعده بعض الشيء عن الاحتكاك اليومي معهم فإنه لا يعفى من واجب التوجيه والتتبع وغرس المبادئ التي تعينهم على حياتهم المستقبلية.

النسب لحمة شرعية بين الأب وولده

من جانبه اعتبر الأستاذ المحامي حسن هروش أن موقف الجماعة من استلحاق مقطوع النسب بأبيه جائز ولكن بضوابط، أولها ألا يشيع بين الناس أنه ابن زنى حفاظا على لحمة النسب ولا نفتح الباب على مصراعيه للرذيلة وللفاحشة. وثانيها ألا يكون ناتجا عن زنى المحارم، وثالثها أن ينال الفاعلان عقابهما ويتحملان مع مسؤولية هذا الابن، ولا تتحمله الأم البيولوجية وحدها.

فإذا كان النسب هو “لحمة شرعية بين الأب وولده” وتنتقل بالوراثة، فإن هروش بدأ مداخلته بالتمييز بين الاستلحاق الذي هو نسبة الولد إلى أبيه، وبين الإلحاق وهو ادعاء أم نسبة ولد إلى رجل، وقد وضحت المدونة ذلك، ونظمت الأول في مقتضيات الفصل 160 وما يليه، بينما الثاني تنظمه مقتضيات المادة 152 وهي “أسباب لحوق النسب”.

وميز المتحدث في كلمته بين معلوم النسب ومقطوع النسب ومجهول النسب، والأول هو النسب الشرعي الناتج عن علاقة زواج في إطار الميثاق الغليظ. بينما مقطوع النسب فهو الناتج عن علاقة سفاح (زنى) ولذلك سماه الشارع مقطوع النسب، وبمفهوم المخالفة، فإن المادة 160 من المدونة تحدثت عن موانع الاستلحاق، ومنها “أن يكون الولد معلوم النسب”.

وتابع يوضح، فمقطوع النسب الذي شاع بين الناس أنه ابن زنى أو ناتج عن زنى المحارم فلا نقول باستلحاقه بإطلاق، وإنما نقول بالاستلحاق بشروط مقيِّدة. وأشار إلى أن المواد الآن الموجودة في المدونة متناقضة مع المادة 160، حيث إن المادة 148 تقول: “لا يترتب على النسب غير الشرعي نفس آثار البنوة الشرعية”، في حين تقول المادة 150: “النسب لحمة شرعية”، وهذا يحيل على المؤطرات الشرعية لعلاقة الزواج. ثم تأتي المادة 152 لتتحدث عن الأسباب الثلاثة لثبوت النسب أولها “الفراش” ونعني به الزوجية، ثانيا “الإقرار” أي إقرار الأب بابنه الناتج عن زواج، ثم “الشبهة” وبعض أمثلتها في المدونة مثل الخطبة.

هناك تفاضل وتمايز بين الرجل والمرأة في الإرث وسببه الاختلاف في الوظائف وليس النوع

من جهته اعتبر الدكتور إبراهيم الهلالي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن الإرث في الإسلام نظام متكامل لا يستقيم تناوله بصفة تجزيئية لامتداده إلى مجالات أخرى متعددة، موضحا أن أهميته تكمن في تحقيق مصالح متعددة أولها الحفاظ على الحقوق المالية، وكذا التماسك الأسري العائلي، فضلا عن أنه يحقق العدل والتكافل الاجتماعي، كما يحد من النزاعات والخصومات بين أفراد العائلة.

وذكر الهلالي في مداخلته منطلقات تؤطر هذا الموضوع، أولها أن الإرث نظام إلهي رباني، موضحا أن النصوص القطعية الثابتة المجمع عليها، لا يحل مراجعتها ولا إنكارها ولا التجديد فيها، وهذا لا يعني أن جميع مسائل الإرث نصوصها قطعية، وإنما هناك مسائل من اجتهاد الخلفاء والصحابة والفقهاء من بعدهم ولم يرث فيها نص في الكتاب ولا حديث نبوي، وكثير من قضايا الإرث سميت بأسماء أصحابها الذين قضوا فيها وحكموا فيه، لذلك نسمع مثلا “مسألة عمر”، و”مسألة زيد بن ثابت”…

فالمحصلة في هذا النظام وفق كلمة المتحدث، أن هناك نصوصا قطعية كما أن هناك اجتهادات بقيت مفتوحة دائما ولكن بشروط، منها ألا يصطدم الاجتهاد بنص قطعي أو بنص الإجماع.

وعن موقع المرأة من الإرث، والحديث عن المساواة، اعتبر المتحدث في الندوة ذاتها، أن القرآن الكريم ذكر التفاضل بين الجنسين وأقره، لكنه ليس من قبيل التفاضل المفضي إلى الاختلاف عن طريق النوع، إنما هو تمايز بسبب الاختلاف في الوظائف، والمتفحص لفقه الإرث وما يتبعه يجد أن هناك معايير تتحكم في هذا التفضيل ولا علاقة لها بالنوع.

أول هذه المعايير، يقول مبيّنا، جهة القرابة بين الوارث والمورث، وكلما كانت جهة القرابة أقرب إلى المورث كان نصيبه أكبر من الجهات الأخرى، ثانيها أن الأجيال المقبلة على الحياة وتستعد لتحمل أعبائها وتكاليفها تكون أكثر نصيبا من غيرها، ولهذا نجد البنت أو بنت الابن يكون نصيبها أكثر من الأم. أما المعيار الثالث فهو مرتبط بالتبعات، وقد فضل الذكر على الأنثى باعتبار تكليفه بالنفقة على نفسه وعلى زوجه وأبنائه، بينما الأنثى معفاة من النفقة.