2- توحيد التصور للعمل الإسلامي
في العالم العديد من الحركات الإسلامية كلها تدعي خدمة الإسلام تتخذ لذلك الوسائل التي تراها مناسبة وتضع أهدافا وغايات تراها مناسبة أيضا، لكن السؤال المطروح على هؤلاء العاملين هو كيف يمكن أن تتوحد الجهود لخدمة غاية أو غايات مشتركة؟ إن الجواب على هذا السؤال يطرحه “المنهاج النبوي” لما يطرح شكل بناء الدولة الخليفية بدء من تأليف الجماعة وتربية رجالها وصولا إلى إقامة الخلافة الوارثة، وهذا السير الصاعد يحتاج إلى رؤية موحدة يعمل على ضوئها الإسلاميون في أقطارهم أملا في اللقاء لإقامة نظام إسلامي يضم كافة الأقطار.
. الابتعاد عن رد الفعل إلى الفعل
إن الصحوة الإسلامية لم تولد نتيجة لتناقضات مجتمعية فقط كما يحلوا للكثير أن يميل إلى هذا التحليل بقدر ما هي استجابة لنداء رباني يقول فيه الحق سبحانه وتعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون 1 ، فلو أنها وجدت نتيجة لوضع اجتماعي متعلق بالمعاش أو الفقر أو ما شابه، لكانت (الظاهرة الإسلامية) شيئا عفويا سرعان ما ينتهي بانتهاء مسبباته ولما احتاجت الأمة إلى رجال من أمثال الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى لقيادة هذه الصحوة.
لكن لابد من الاعتراف أنه مع مرور السنين ونتيجة لعدة معطيات ظهرت انحرافات جمة في صفوف العاملين للإسلام فانتقل كثير من الفعل إلى ردود أفعال. والأستاذ عبد السلام ياسين إذ يطرح أمامنا نظرية للعمل الإسلامي ويعطينا بالتجربة عربون صوابية ما طرحه من خلال تجربة جماعة العدل والإحسان، يركز على أنه لا بد للتنظيم إن أراد أن يستمر في مشروعه من أمور ثلاثة وهي: نبذ العنف واجتناب السرية وعدم التعامل مع الخارج، إذ العنف ليس منهج الإسلام في التغيير، والسرية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحمي التنظيم من بطش الأنظمة ومخابراتها بل وتتيح لهم الفرصة ليلفقوا له ما شاؤوا من التلفيقات لأنه يكون بعيدا عن الناس غير معروف عندهم، أما التعامل مع قوى أجنبية فهو يلزم التنظيم بسلسلة اشتراطات تخدم الأجنبي بالدرجة الأولى.
. ضرورة المنهاج
بعض الإسلاميين يرون أنه لا يجوز الانتظام في جماعات وأن هذا سبيل إلى الفرقة وتشتيت الأمة، هؤلاء لم يدركوا حقيقة واقع الأمة، فهي مشتتة تحتاج إلى طليعة تقود الجهاد لتتبعها بعدما توضح لها الطريق، غير أن هذا الطريق قد يكون غامضا إن لم يكن لهذه الطليعة منهاج يوضح الرؤية المستقبلية ويحدد الغايات والأهداف ويساعد على اختيار الوسائل المناسبة للعمل. إن عدم وجود هذا المنهاج عند أي تنظيم مهما كانت قوته ومهما كان فعله في الواقع فهو محكوم عليه بالفشل عاجلا أم آجلا لأنه سرعان ما يصبح خادما لمخططات الآخرين ما دام لا يمتلك هو خطة.
يقول الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين: إن أعداءنا ما هم إلا حطام بشري من حيث العقيدة والفكر والخلق والرجولة، لكنهم يحكموننا لما لهم من انضباط بخط فكري يلتزمون به، وتنظيم مصلحي أو حديدي إيديولوجي يجمع قوامهم في قبضة ضاربة تعيث فسادا في قيم الأمة المعنوية والمادية) 2 ولهذا لابد للإسلاميين من خطة كي يزاحموا الأعداء والخصوم بالمناكب في ساحات التدافع وليكونوا على استعداد إذا ما رشحتهم الأمة للقيادة بعد أفول نجم الإيديولوجيات الآتية من خارج الحدود.
. تحديد الغاية
إن ما طرحه الأستاذ المرشد في “المنهاج النبوي” صالح أن يكون خطة لعمل الإسلاميين لأنه يوفر مجالا واسعا قد يتسع لكثير من الاجتهادات للاختيار الوسائل مادامت خادمة للغاية المشتركة، والذي يطرحه “المنهاج النبوي” ليس أمرا “جديدا” بل هو ما أمر به الوحي وما جسدته النبوة والخلافة الراشدة، حيث تتجدد الوسائل وتبقى الغاية غاية استخلافية تؤدي إلى قيام نظام أساسه العدل، وغاية إحسانية ليكون هم الفرد هو طلب وجه الله عز وجل.
3- إقامة وحدة دار الإسلام
في عالم اليوم أدركت الكثير من الأمم أهمية الوحدة إذ إنه يصعب على أي بلد منعزل أن يواجه تحديات الواقع وإكراهاته، فاتجهت إلى التشكل في مجموعات تربطها روابط دينية أو تاريخية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وإذا ما نظرنا إلى أمة الإسلام نجدها ممزقة بل وتسعى كثير من الطوائف إلى زيادة هذا التمزق تحت مبررات متعددة، وهذا لا يعكس في حقيقة الأمر سوى واقع الضعف والتخلف والاستبداد الذي ترزح تحت وطأته كل مكونات الأمة. ولقد جربت أشكال من الوحدة منها الوحدة بين سوريا ومصر واتحاد المغرب العربي غير أنها باءت بالفشل لأن الروابط لم تكن صلبة مبنية على رؤية استراتيجية موحدة من جهة ومن جهة أخرى لأن الاستبداد لا ينتج وحدة مهما طمح إلى ذلك.
وقد نكون واهمين إن أردنا توحيد الدول العربية الإسلامية تحت راية قومية أو اقتصادية، إنما يجمع هذا الشتات إزالة الاستبداد أولا وإقامة الوحدة تحت راية الإسلام ثانيا.
. معركة التحرير
لقد نظّر الأستاذ عبد السلام ياسين لخطوات بناء وحدة دار الإسلام، وذلك بالبدء بإنشاء جماعة المسلمين وتربية رجالها حيث تكون هي الطليعة التي تقود الأمة إلى ميدان الجهاد لتحمل المسؤوليات والقيام على حكام الجبر، ولتكوين هذه الجماعة لابد من اختيار العناصر المناسبة، يقول: ينبغي أن نربي رجالا فوق مستوى الانتماء التعصبي، فغيرهم لن يبنوا جماعة. ولا يغتر الدعاة بأن تكثير العدد وحده يكون “جماعة المسلمين” مهما كان التنظيم في ظاهره محكما. لا بد من تربية رجال يكونون مع الحق لا مع الهوى. والحق القيام بتجميع طاقات المسلمين لا بتبديدها. والهوى الباطل أن نستعبد الرجال ونربطهم فكرا وحركة بالرجال لا بالصواب) 3 .
بعد قيام الجماعة وأثناءه تعمل على تقويض دعائم حكم الجبر وتعبئة الأمة حتى يأتي الله تعالى بنصره ويسقط حكم الطغاة، غير أن الإسلاميين لا يمكنهم الانفراد بالسلطة بل يتم إشراك كل الصادقين ليعمل الجميع بمشروع ينبثق عن ميثاق جامع يكون الإسلام أرضيته وعموده الفقري. وهكذا يعمل كل الإسلاميين على هذه الشاكلة فتكون النتيجة تحرر الأقطار قطرا قطرا.
. إقامة دولة القرآن
قبل تحرير الأقطار لا بد من تنسيق بين الجماعات عبر العالم تنسيقا لا يثير داخل كل قطر حساسيات الخلافات خارجه. فذلك تهييء الفكر، والاجتهاد، ومنهاج التربية والتنظيم، ومنهاج الحكم، ليوم تتحرر فيه الأقطار، فيلتقي المؤمنون ويتدرجوا لوحدة الاندماج. على أن صورة الوحدة يمكن، بل يستحسن لمزايا توزيع المسؤوليات ولمضار الحكومة المركزية، أن تكون من نوع ما يسميه العصر “فيدرالية” عندها يجب على المؤمنين في العالم أن ينصبوا خليفة عليهم باجتماع أولي الأمر من رجال الدعوة والدولة الإسلاميين، وانتخاب خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم) 4 .