الوظائف الاستراتيجية لـ”المنهاج النبوي” 3/1

Cover Image for الوظائف الاستراتيجية لـ”المنهاج النبوي” 3/1
نشر بتاريخ

تقديم

إن الأستاذ عبد السلام ياسين وهو يدشن مسيرته الجهادية كان حريصا على ضرورة وجود منهاج عليه ينبني المشروع الإسلامي، وقد بدا هذا الحرص جليا في بدايات مساره الجهادي حينما كان يريد توحيد العمل الإسلامي وذلك من خلال اللقاءات التي جمعته وقادة الجماعات الإسلامية بالمغرب، حيث أكد على ضرورة وجود منهاج للعمل قبل العمل، لكن اعتراض البعض عليه بالإضافة إلى أسباب أخرى حال دون نجاح تجربة التوحد، فانطلق الأستاذ المرشد إلى تطبيق فكرته التي أثبتت صوابيتها الأيام التي أتت من بعد. يقول: وكان لابد من مخطط لهندسة التربية والتنظيم والزحف، فهما يؤم العمل، وعلما من العلم وفكرا من الفكر، واجتهادا من الاجتهاد) 1 .

لقد أراد الأستاذ عبد السلام ياسين من خلال اجتهاده تحديد غايات العمل والطريق الذي يجب أن يسلكه والوسائل الممكن الاعتماد عليها لتحقيق الغايات المنشودة، وقد شكل هذا الاجتهاد مدرسة فكرية متميزة حري بالحركة الإسلامية في العالم الاطلاع عليها والاستفادة منها، وهذا ليس غلوا أو تحيزا، ولكن لأن هذا الاجتهاد يفسح مجالا واسعا قد يلتقي فيه كل العاملين للإسلام فكرا وممارسة.

يعرف الأستاذ المرشد “المنهاج النبوي” فيقول: المنهاج النبوي، وهو السنة التطبيقية العملية النموذجية، التاريخية بعد، البشرية المتجددة في الزمان والمكان باجتهاد أجيال الإيمان) 2 .

إن كون “المنهاج النبوي” قابلا للتجديد من خلال الإبقاء على أصوله المتمثلة فيه كليات التطبيق النبوي للوحي، والاجتهاد في المتغيرات التي تفرضها ضرورات كل مرحلة من مراحل حركية المشروع، يجعله قابلا للاستمرار حتى تنفيذ المهمات التي تحقق الغايات الموضوعة سلفا، وهذا الأمر يخرجه من دائرة القابلية للاندثار في مرحلة من مراحل التاريخ كما تندثر الإيديولوجيات التي غالبا ما تنشأ لأسباب يمليها واقع ما في زمن ما عند زوال هذه الأسباب.

ويمكن القول إن هذا الاجتهاد يرتكز كما سبقت الإشارة في موضوع سابق (مداخل الفهم المنهاجي) على أربعة مرتكزات وهي المرتكز التاريخي والمرتكز الواقعي والمرتكز الاستراتيجي والمرتكز الغيبي، ويتضح الأول من خلال النقد التاريخي الذي قام به الأستاذ، الذي اتضحت معه عدة معالم أهمها ضرورة إعادة بناء الأمة في السياق الذي كانت عليه زمن النبوة والخلافة الراشدة بشكل جديد لكن بمضمون ثابت يؤسس له المرتكز الغيبي أي بمضمون قرآني إيماني، أما المرتكز الواقعي فيمثله الاجتهاد الذي تقوم به أجيال الإيمان خدمة للمرتكز الاستراتيجي الذي يمكن توضيحه إن شاء الله عز وجل من خلال موضوع هذه المقالة وذلك بعرض الوظائف الاستراتيجية ل”المنهاج النبوي” التي يمكن صياغتها كما يلي:

– تحقيق الغاية الإحسانية للأفراد

– توحيد التصور للعمل الإسلامي

– إقامة وحدة دار الإسلام

– تحقيق العدل الشامل

– توحيد الأمة

– تحقيق عالمية الرسالة

1- تحقيق الغاية الإحسانية للأفراد

إن الغاية الإحسانية تبقى هي ذروة الغايات التي يطمح إلى تحقيقها الفرد باعتبارها غاية فردية وأيضا هي غاية جماعية باعتبار أن المشروع هو خادم لهذه الغاية. وأن تكون هذه الغاية تحظى بهذه الأولوية سواء عند الفرد أو عند الجماعة له انعكاس إيجابي كبير على الفهم والممارسة، لأنها بكل بساطة تحقق تطابقا مع مقصد الله تعالى من خلق الإنسان والكون. ولهذا السبب نجد الأستاذ المرشد يلح في كتاباته وفي مواعظه ولقاءاته على أمر الآخرة والاستعداد لها والتقرب من الله عز وجل بسائر الأعمال الصالحة وأن يكون الله عز وجل غاية كل إنسان. الغاية الإحسانية إذن هي كلمة الإسلام، واقتراحه، وثمرته الموجهة للفرد) 3 ليكون بذلك الله غاية كل فرد من العباد) 4

– طلب وجه الله تعالى غاية كل إنسان

قد تتحول حركة الأفراد داخل الجماعة إلى حركية جوفاء تفتقد معناها إذا انحرفت همتهم إلى طلب ما دون الله عز وجل، ومن تم يقع انزلاق الجماعة ككل إلى هذا المنزلق الذي مافتئ يحذر منه الأستاذ عبد السلام ياسين، لأنه بغياب هذا المطلب عند الأفراد ومن تم عند الجماعة سرعان ما يتحول العمل الإسلامي في النية عملا حزبيا سياسيا في الفعل) 5 فينحرف المشروع الإسلامي عن أهدافه ويفقد جوهره المتمثل في حمل الرسالة وتبليغها.

لقد ركز “المنهاج النبوي” على ضرورة أن يخلص الأفراد الذين يكونون الجماعة النية وأن تكون حركاتهم وجهادهم داخل جسم التنظيم ابتغاء مرضاة الله تعالى، وما يأتي به الله تعالى من فتح وتمكين فإنه يبقى خادما للغاية الإحسانية. ويلخص الأستاذ عبد السلام ياسين الرسالة التي يحملها “المنهاج النبوي” بقوله: رسالتنا لأنفسنا وللإنسان أن يكون الله عز وجل غاية كل فرد من العباد. أن يكون ابتغاء رضــاه، والسباق إلى مغفرته وجنته، والسير على مدارج الإيمان والإحسان لمعرفته، والوصول إليه، والنظر إلى وجهه الكريم، منطلق الإرادة، وحادي المسارعة وقبلة الرجاء) 6 .

– التربية وسيلة الإحسان

تعتبر وحدة التصور وصلابة التنظيم عاملين أساسيين لكل جماعة تحمل مشروعا، لكن هذين الشرطين غير كافيين إذا تحدثنا عن التنظيم الإسلامي، فبدون التركيز على تربية الأفراد تلك التربية الإيمانية الإحسانية فإنه لا يمكننا الحديث عن تنظيم إسلامي أصلا، لأن التربية بداية السير، فمتى كانت متينة على هدى من الله كان الجهاد ممكننا) 7 .

لقد عمل الأستاذ عبد السلام ياسين على تصفيف شعب الإيمان موزعة على عناوين كبرى سماها الخصال العشر تبدأ بالصحبة والجماعة وتنتهي بالجهاد ليعمل الفرد داخل الجماعة على التحلي بهذه الشعب حتى يمتلك مجموعا طيبا، ولن يقف الأمر عند ما حصّله بل هو في سعي دائم إلى التقرب إلى الله عز وجل، الشيء الذي يجعله في عملية تربية دائمة لا تنتهي إلا بانتهاء حياته الدنيوية.

– الغاية الإحسانية وأثرها على حركية المشروع

قد يبدو الحديث عن التربية وعن الإحسان غريبا في عالم السياسة والتنظيمات والأحزاب لكن هذا الأمر له أهمية قصوى ليس فقط على مستوى الفرد وعلاقته بالله عز وجل ولكن على مستوى المشروع في كليته، لأن الحديث عن الغايات يحدد لنا الأفق الذي يريد أن يصل إليه أي تنظيم كيفما كان نوعه، وتحديد هذا الأفق له انعكاس كبير على الفهم لأنه يمكّن من تحديد منطلقات العمل وأيضا يمكّن من اختيار الوسائل المناسبة لتنفيذ المشروع ثم صياغة الأهداف المرحلية التي تسبق تحقيق الغايات. وبالنسبة ل”المنهاج النبوي” فأفق ما يطرحه ليس محدودا بإقامة دولة الإسلام الخليفية ولكنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالفرد من حيث هو عبد لله تعالى يجب أن تتحقق فيه معاني هذه العبودية، ومادام أن عملية التربية غير منتهية إلا بانتهاء حياة الفرد فإن وظيفة “المنهاج النبوي” في هذا الإطار غير منتهية لأنها تتجدد بتجدد الأفراد والأجيال، ومن هنا يتحقق المقصد الأسمى الذي من أجله خلق الله تعالى الإنسان وهو تحقيق العبودية له سبحانه دون انقطاع إلى قيام الساعة.

ولأن الهم الأول ل”المنهاج النبوي” هو الفرد من حيث هو عبد لله يجب أن تتحقق فيه معاني هذه العبودية، فإنه لا يخاف على المشروع من الضياع أو الانزلاق لأن اللبنة الأساس التي عليها يحمل هذا المشروع هي من طين قوامه التربية الإيمانية الإحسانية.


[1] المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا. ص:5.\
[2] العدل الإسلاميون والحكم. ص: 23.\
[3] المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا. ص: 15.\
[4] نفس الصفحة.\
[5] نفس المرجع. ص: 22.\
[6] نفس المرجع. ص: 15.\
[7] نفس المرجع. ص: 22.\