الوعد الصادق

Cover Image for الوعد الصادق
نشر بتاريخ

طيلة سنوات اغتصاب فلسطين كنا نسمع: دولة العدو، أو إسرائيل المزعومة، أو الكيان المحتل… حاجز نفسي كبير كان يفصل بين الشعوب العربية والمسلمة وبين هذه الغدة السرطانية التي زرعت عنوة في قلب العالم العربي والإسلامي.

أما اليوم فيوشك أن ينهار هذا الحاجز النفسي الذي كان بمثابة سد بيننا وبين اليهود المحتلين، ويوشك التطبيع أن يأتي على ما تبقى في وجدان المواطن العربي من بغض لهذا الكيان المجرم ورفض له.

في ظل ظلمات التطبيع والتماهي مع العدو الغاصب جاءت ملحمة طوفان الأقصى الذي أعاد ترتيب الأولويات، ونفض عن الذاكرة العربية ما علاها من غبار التعتيم الإعلامي، وموالاة الاستكبار العالمي، فإذا بالمشهد في العالم العربي والإسلامي، بل وفي العالم الحر، ينتفض حبا وتأييدا لفلسطين، وإذا بالذاكرة تسترجع ما دفن في حناياها من تاريخ نكبة إنسانية رهيبة رواها الأجداد للأحفاد، ملونة بشتى ألوان الظلم؛ من تهجير، وتقتيل جماعي، واغتصاب.. مجازر جماعية ليس أولها مجزرة دير ياسين، والطنطورة، وصبرا وشاتيلا ، وما واكب اجتياح لبنان وغيره من تقتيل، ولا يبدو أن آخرها ما يعيشه اليوم أهلنا في غزة والقدس والضفة من عدوان شرس، واستباحة للمسجد الأقصى تحت سمع وبصر العالم الذي يزعم أنه متحضر، والذي صدع رؤوسنا طويلا بشعاراته الجوفاء عن حقوق الإنسان وحرية المرأة و… شعارات كشفت زيفها غزة وفضحتها وأسقطت ورقة التوت عنها.

دخلت حماس في حالة جهاد أسطوري بعد أن تربى أبناؤها على نظريتهم الخاصة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. ما ضرهم فقهاء الفتاوى الجاهزة علماء البلاط، ولا أمراء وحكام باعوا القضية وتشبثوا بكراسيهم المثقوبة.

تمسكت غزة – نساءها ورجالها – بكتاب ربهم فما خيبهم سبحانه، أعادوا للأمة الثقة في وعد ربها بالنصر والتمكين، وأصبح جهادهم ملهما لكل الشعوب التي تساءلت بحدة: ما سبب هذا الثبات؟ ما سبب هذا اليقين؟ وجاء الجواب الذي لمسوه بأنفسهم: إنه الإيمان.. إنه الإسلام.

مضى أكثر من عام على هذه الحرب المجنونة، من لم يمت بالقصف الهمجي مات بالجوع الفتاك، جثث نساء وأطفال تنتشل من تحت الركام، لم يبق شيء لم تقصفه الآلة العسكرية الصهيونية الجهنمية التي تستمد علوها وطغيانها من الاستكبار العالمي بكل ألوانه وأطيافه، ولكن غزة لا تستسلم، غزة لا تعرف لغة الانبطاح التي يتقنها جيدا حكام العرب، غزة لا تجيد إلا لغة المقاومة والصمود رغم كل الجراح والدمار وتتابع قوافل الشهداء.

كان القادة في غزة الشموخ أول من بذل دمه رخيصا في سبيل دحر العدوان وتحرير الوطن، الشهيد إسماعيل هنية، والشهيد يحيى السنوار.. وغيرهم من القادة الذين لم يتميزوا عن أتباعهم إلا بمزيد من البذل والعطاء فجمعوا بين القول والفعل، وكانوا بحق دعاة فعلة.

عذرا سادتي فليس لمثلي أن يتكلم عن أمثالكم، وكيف يتكلم القاعدون عن المجاهدين وربنا سبحانه يقول: لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (النساء: 95-96)، نحن أقزام وأنتم جبال شامخة.

عسى دماؤكم الطاهرة سادتي تكون لنا نورا يضيء الطريق في الظلماء، وينفخ فينا روحا جديدة من العزة والإباء، ونارا تأتي على بنيان يهود فتذره قاعا صفصفا لا ترى فيه عوجا ولا أمتا.

متى ما قمنا لله قومة صادقة وغيرنا ما بنا من بعد عن الله واستسلام للطاغوت غير سبحانه ما بنا من ذل وهزيمة وغلبة الأعداء علينا، وعدنا كما أراد لنا ربنا سبحانه، وكما كنا، خير أمة أخرجت للناس، أمة رائدة، قائدة، فاعلة، لا أمة خاملة، يفعل بها ولا تفعل. كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (آل عمران: 110). وعد الله واضح لا لبس فيه ولا غموض: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد: 7).

النصر له شروط وله أسباب، متى ما استكملنا شروط النصر حقق الله سبحانه وعده لنا بالنصر والتمكين، ولن تكون على وجه الأرض قوة تحول بين قدر الله أن يتحقق على الأرض: إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ (آل عمران: 160).